تعد مسيرة الشيخ محمد حسن عبدالسلام.. عضو مجلس الشعب عن قليوب جديرة بالاحترام لما فيها من الكفاح حيث نشأ في أسرة متدينة منذ صغره واتخذ من إيمانه الشديد بالله سلاحاً تحدي به المصاعب والمظالم حيث دخل ظلما وبلا قضية مرتين تجول في أبشع سجون مصر.. لم يفقد الأمل وظل مصراً علي استكمال رسالته في خدمة دينه من خلال افتتاحه مكتباً لتحفيظ القرآن الكريم لأنه يري الكتاتيب إحدي الوسائل الواجب تنشيطها في النهوض بمسيرة التعليم.. وفي نفس الوقت احترف الدعوة في المساجد وإلقاء الدروس الدينية في كل مكان رغم مطاردة زبانية أمن الدولة له.. ومازال يعيش في شقة متواضعة بالمساكن الشعبية بقليوب إلا أنها مريحة للروح والنفس لما تشهده من دروس دينية منذ إقامته فيها.. ولم تغيره عضوية مجلس الشعب الذي كان البعض يدفع في سبيلها الملايين لأنه يؤمن أن قيمة الإنسان في شدة إيمانه ومبادئه وليس المكان الذي يقيم فيه.. من هنا كان حوارنا معه لنتعرف علي رحلته "من الليمان إلي البرلمان". * في البداية نود التعرف علي شخصيتكم ورحلتكم الدعوية؟ ** أنا من مواليد 18 نوفمبر 1956 أي إنني أبلغ من العمر 56 عاماً.. وقد نشأت في أسرة متدينة فوالدي الشيخ حسن عبدالسلام وعمي الشيخ خضر عبدالسلام وخالي الدكتور جلال البشار الاستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر. وقد لعب كل واحد من الثلاثة دوراً كبيراً في نشأتي الدينية فوالدتي ختمت القرآن علي يديه في سن مبكرة أما عمي الشيخ خضر فقد ساعد والدي في تحفيظي القرآن ودراستي للعلوم الشرعية.. واستكمل خالي الدكتور جلال المسيرة من خلال تدريسه لي بمعهد إعداد الدعاة. ورغم إنني لست أزهري التعليم مثل شقيقي الشيخ "سعد" إلا انني كنت أزهري النشأة حيث حصلت علي إجازات متعددة في حفظ القرآن من معهد القراءات وإتقان العمل الدعوي حيث إنني احتفرت العمل الدعوي متطوعا ابتداء من يناير 1979 حتي الآن ولم يمنعني من اعتلاء المنابر سوي السجن وتعليمات أمن الدولة بعدم تقدمي للإمامة في الصلوات العادية إلا انني كنت أتحايل علي ذلك بإلقاء الخطب خارج محيط مدينة قليوب بل ومحافظة القليوبية في الأماكن التي لم أكن معروفاً فيها حتي لا يتم منعي حيث كانت المراقبة لتحركاتي شاملة ورصد من أزوره ومن يزورني. رحلة المعتقلات * إذا كانت هذه هي الرحلة الدعوية بإيجاز فماذا عن رحلة المعتقلات الظالمة؟ ** اعتقلت مرتين الأولي كانت في يناير 1995 حتي أكتوبر 2003 والثانية كانت 2009 ولمدة شهرين ونصف والمرتان لم تكن هناك تهمة من الأصل ولم تحدث أي إدانة قضائية. * ما هي ملابسات الاعتقال الأول؟ ** شهد عام 1995 توتراً شديداً في العلاقات بين الدولة وكل التيارات الإسلامية وضاعف جهاز أمن الدولة من عدد المعتقلين وكنت أحد هؤلاء رغم إنني لم أكن في الحقيقة عضوا في أي جماعة أو تيار إسلامي وإنما كانت علاقتي بالجميع طيبة ولهذا كنت أتعامل مع الجميع انطلاقا من الأخوة الإسلامية التي تجمعنا جميعا وكانت هذه النية هي الأساس في كل حياتي حتي اليوم وبعد دخولي مجلس الشعب عن حزب النور إلا أنني أرفض التصنيف بمفهومه السلبي للمنتمين إلي التيارات والأحزاب الإسلامية لأنه يفترض أن الجميع مرجعيتهم واحدة وأهدافهم واحدة فلماذا الانقسام إذن. وأعود إلي سبب اعتقالي وهو أن جهاز أمن الدولة صنفني ظلماً أنني المسئول الثقافي للجماعة الإسلامية بقليوب وعلي هذا الأساس تم اعتقالي وآخرون وصادروا ما في بيوتنا من كتب وأطلقوا عليها مسمي "منشورات" تحرض علي قلب نظام الحكم والانضمام إلي تنظيم أو جماعة تستهدف ذلك وتم تلفيق القضية رقم 1007 حصر أمن الدولة لنا وبعد إجراء التحقيقات معنا لم يثبت علينا اتهام وتم حفظ القضية ولي ولكل الأخوة الذين اعتقلوا معي ولكنم كنا لا نخرج حيث يجدد الحبس الاحتياطي لنا حيث كان من يأخذ إخلاء سبيل يتم إرساله فرع أمن الدولة التابع له عدة مرات ليتم اتخاذ قرار اعتقال جديد بتهمة معاودة ممارسة نشاط مشبوه يستهدف قلب نظام الحكم واستمر هذا الوضع حتي أننا يأسنا من تقديم التظلمات لأنها لم تصبح ذات جدوي.. وقد تنقلت خلال هذه الفترة بين سجون الفيوم ووادي النطرون ودمنهور ولم يتم الإفراج عني إلا ضمن دفعات الإفراج العام التي بدأت عام 2002 بعد موضوع المراجعات التي قام بها قادة الجماعة الإسلامية في السجون وكان من نصيبي الخروج عام .2003 وابتداء من عام 2004 كنت أمارس عملي الدعوي ما استطعت إلي ذلك سبيلا رغم التضييق الشديد عليَّ حتي أنه لم يكن مسموحا لي التقدم لإمامة الناس في صلاة من صلوات الجماعة وتم اعتقالي مرة أخري عام 2009 وقد قضيت في فرع أمن الدولة بشبرا 22 يوماً ثم رحلوني إلي سجن العقرب شديد الحراسة بطرة وهو من أبشع سجون مصر حتي تم الإفراج عني بعد قيام شقيقي بعمل تظلم عن طريق بعض معارفه ولكن بعد خروجي كان يتم استدعائي بشكل مستمر للمتابعة. إحياء الكتاتيب * تؤكد أن نهضة مصر تبدأ بالتعليم وخاصة الكتاتيب فلماذا تؤكد ذلك؟ ** أنا تعلمت في الكتاتيب وكنت حريصا إلي جوار عملي في هيئة الأرصاد كمصدر رزق لي أفتح كتاباً لحفظ القرآن الكريم وتعليم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. وأؤكد أن الاطفال الذين يدخلون الكتاب ويحفظون فيه القرآن يتفوقون علي أقرانهم ممن لم يلتحقوا به ولهذا أري أنه لابد من عودة الحياة إلي الكتاتيب أو مكاتب حفظ القرآن الكريم لمعالجة التدهور الحالي في التعليم مع ضرورة الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة لأن الإسلام دين العلم. اكتساب الخبرة * يراهن البعض ان أعضاء حزب النور تنقصهم الخبرة السياسية ولهذا فإن اخطاءهم ستكون كثيرة؟ ** هذا الكلام صحيح نسبيا ولكننا نراهن علي اكتساب الخبرة في أسرع وقت وهذا واضح بقوة وخاصة أن عمر الحزب شهور قليلة مع هذا حقق نتائج لم يكن أحد يتوقعها ولا حتي أعضاء الحزب انفسهم. نعترف بفضل الله علينا سنكون عند حسن الظن بنا إن شاء الله وخاصة اننا نتسلح بالاخلاص لله وكتسب الخبرة مع مرور الأيام ونتعاون مع أخواننا في التيارات الإسلامية. صراع الإسلاميين * يراهن البعض علي حدوث انقسام وصراع بين التيارات الإسلامية مستقبلا فهل تتفق معهم؟ ** الكراسي والمناصب فتنة بلاشك وندعو الله ان يعصمنا منها وأدعو الإسلاميين إلي التمسك بدينهم والبعد عن الاهواء الشخصية أو الاغترار بالنفس لأن الماضي الصعب لهم ليس ببعيد ونعمة الله عليهم تستحق الشكر لأنه بالشكر تدوم النعم وادعوهم إلي تأمل وتطبيق قوله تعالي "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين". تشويه الإسلاميين * يشيعون إن الإسلاميين سيمنعون السياحة ويفرضون النقاب ويطبقون الحدود فوراً فما قولكم؟ ** يحاول أعداء الإسلام الباس الحق بالباطل لتحقيق مآربهم الخبيثة فلن نمنع السياحة وأنما سنقننها وفق احكام الشرع لأن ما عند الله من الخير لا نناله بالمعاصي واتاحة الفواحش والخمور في الأماكن العامة بحجة جلب السياحة. أما النقاب فهو قضية مختلف فيها بين العلماء وأنا شخصياً زوجتي ليست منقبة وتطبيق الحدود هناك شروط وضعها العلماء لتطبيقها عندما يتم تطبيق الشريعة بالتدريج مع تهيئ المجتمع لها وليس التطبيق الفوري كما يروج البعض وواجبنا تهيئة المجتمع لتطبيق الشريعة. تزوير عز مقدمة للثورة * ماذا تعني الثورة بالنسبة لك وهل كانت هل مقدمات بالنسبة لها؟ ** الثورة كانت منحة وفتحاً إلهياً وقد ظهرت مقدماته بشدة منذ الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب حيث قام أحمد عز ورفاقه بالتزوير بوقاحة وتم الاستهتار بقيمة وكرامة مصر بشكل ليس له مثيل فمثلا من المعروف انه يتم دائماً تزوير الانتخابات منذ عام 1952 إلا أنه كان يتم بوسائل غير مباشرة أو بذكاء أما في انتخابات مجلسي الشعب والشوري عام 2010 تمت بغباء وبلطجة وعجرفة لا مثيل له في التاريخ لأنه البرلمان الذي كان يعد لموضوع التوريث وتقرر خلال تلك الانتخابات إقصاء كل المعارضين رغم انه كان يكفيهم الحصول علي ثلثي المقاعد مما أصاب الشعب بحالة من التذمر والاحباط الشديد ووجد متنفسه في دعم هذه الثورة التي أرادها الله وكتب لها النجاح وأدخلت رموز الفساد إلي السجون. عبرة لمن يعتبر * بعد أن حصلت علي حريتك بل وحصلت مصر كلها علي حريتها كيف تري مشهد دخول حكومة مبارك وأبنائه إلي السجون ومنها سجن العقرب الذي كان آخر سجن دخلت إليه؟ ** لا أملك إلا قول الحق سبحانه وتعالي "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير". وما حدث في مصر عبرة لمن يعتبر حيث ظن مبارك وعصابته أن شعب مصر مات وانهم قادرون علي فعل أي شيء فيها دون رقيب وصدق الله العظيم القائل "حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون". تجنب تكرار المظالم * كيف نتجنب تكرار ما حدث من مظالم علي يد الحكام والمسئولين؟ ** تقوي الله ومراقبته هي الحل لكل مشاكلنا سواء الحكام أو المحكموين. ولابد ان يعتبر القادم من السابق واقترح ان تكتب علي مداخل الجهات السيادية التي يخرج منها الطغاه الآية الكريمة "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" حتي يتأمل هؤلاء ما حدث من السابقين ويمتنعوا عن الظلم ماظر منه وما بطن لأن دولة الظلم ساعة ودولة لحق والعدل إلي قيام الساعة.