ظل الأزهر قلعة الإسلام الحصينة عبر عشرة قرون وكان الجامع الأزهر منارة تمثل الدعوة والعمل السياسي وقد ظل صرحاً شامخاً يتميز بالوسطية والاعتدال في الفكر والثقافة. وقد كان الأزهر يمثل العمل السياسي في عصر المماليك والدولة العثمانية حتي بداية عصر محمد علي باشا الذي ألغي دوره السياسي. وقد ظل الأزهر يقاوم الاحتلال. فاستطاع الأزهريون مقاومة الحملة الفرنسية. وكان لهم دور أيام ثورة سعد زغلول. كما كان للأزهر دوره الرائد في بعث النهضة الإسلامية في الجزائر. كما تصدي عدد كبير من علماء الأزهر للدور الخطير الذي كانت تقوم به المدرسة الأوروبية في الأدب. ومن هؤلاء العلماء الذين قاوموا هذ الفكر الأوروبي مصطفي صادق الرافعي. والمنفلوطي. ونظراً لتراجع دور الأزهر ظهرت بعض الحركات الإسلامية بفصائلها. وعلي الرغم من ذلك ظل الأزهر المرجعية الوحيدة للعالم الإسلامي. ونتيجة للحصار الذي فُرض عليه من قبل محمد علي باشا ثم جمال عبدالناصر الذي نهج نهجاً آخر تحت ستار التطوير والتحديث وعمل علي تقليص دور الأزهر وتراجع نفوذه. وقد لخص الخديوي عباس حلمي تراجع دور الأزهر في كلمته حيث قال: "أول شيء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائداً في الأزهر والشغب بعيداً عنه. فلا يشتغل علماؤه إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار" ثم خاطب علماء الأزهر قائلاً: "ومن يحاول منكم الشغب بالأقوال وبالصحف فيكون بعيداً عن الأزهر". ولم يختلف دور جمال عبدالناصر عن دور الخديوي عباس. فقد قلص جمال عبدالناصر دور الأزهر في إرشاد المواطنين إلي حقيقة الثورة وأهدافها. وتوالت خطوات تقليص دور الأزهر ففي عهد عبدالناصر صدر القانون رقم 180 لعام 1952 وبموجبه ألغي الوقف الأهلي وهذه كانت لطمة في وجه الأزهر. ثم تتابعت الأمور فتحول وقف الأزهر إلي وزارة الأوقاف الوليدة. وبذلك ضربت ثورة 1952 اقتصاد الأزهر وريعه الذي كان يدر للأزهر ثمانية ملايين جنيه سنوياً مما جعل علماء الأزهر يتقاضون راتبهم كموظفين في الدولة علي حين بقيت أوقاف الكنيسة كما هي. الأمر الذي جعل رجال الكنيسة يتميزون علي رجال الأزهر في المستوي المعيشي. ولقد ظل للأزهر دوره الرائد في التصدي لحملات التغريب والعلمنة. ففي عهد الشيخ عبدالحليم محمود تصدي رحمه الله للدكتورة عائشة راتب حينما أرادت تمرير قانون الأحوال الشخصية دون الرجوع إلي الأزهر وتضمن القرار قيوداً علي حقوق الزوج خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية. ومما يذكر أيضاً في تصدي الأزهر لحملات التغريب ما قام به الدكتور عبدالحليم محمود بعد أن اقترح البابا شنودة تأليف كتب دينية مشتركة بين طلبة المسلمين والمسيحيين لتعميق الوحدة الوطنية. ولاقي هذا الاقتراح قبولاً لدي الأوساط الفكرية. لكن الشيخ رحمه الله قال لوزير التربية والتعليم الدكتور مصطفي حلمي آنذاك : "من آذنك بهذا ومن الذي طلبه منك؟ إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة ويومها لا يكون ردي سوي الاستقالة". ثم خرج الوزير واسترضي الإمام الأكبر الغاضب وقدم له اعتذاراً قائلاً: "ما جئت إلا لأستطلع رأي فضيلتكم وأعرف رأي الدين. ويوم أن تقدم استقالتك سأقدم استقالتي قبلها". كما كان للشيخ رحمه الله إلحاحاً شديداً علي مجلس الشعب في تطبيق الشريعة الإسلامية بعد أن استدعي سيد مرعي رئيس مجلس الشعب وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء آنذاك وطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة قائلاً: "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلي وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلها الله بعسرنا يسراً وبخوفنا أمناً وبهزيمتنا نصراً وبذلنا عزاً". ومما يدل علي مكانة الأزهر وشيوخه ما قام به الشيخ عبدالمجيد سليم "رحمه الله" النموذج والمثال في هذا الصدد فحين أقام الملك حفلاً راقصاً في قصر عابدين. وعلم الشيخ بذلك وكان وقتها مفتياً للبلاد قبل توليه مشيخة الأزهر. فقال: لن أغضب الله في سبيل رضا الملك. وأفتي بحرمة ذلك وعدم جوازه. وكان له موقف آخر حين أراد الملك أن يستبدل ببعض أملاكه الجدباء أملاكاً أخري من الأوقاف خصبة. فرفض الشيخ واستمر علي اعتصامه بالحق وبالله تعالي. وقد استمر الأزهر علي هذا النهج في الصدع بكلمة الحق وعادت مكانته بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير علي يدي شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الذي ذكرنا بالشيوخ الأوائل الذين تصدوا لحملات التغريب والتيارات الوافدة وعمل فضيلته ومازال يعمل علي عودة الأزهر إلي سابق عهده.