النظام السياسي في الإسلام وتسيير شئون الحكم في الدولة يقوم علي السياسة العادلة والمصلحة العامة دونما تفرقة بين أتباع الأديان وشركاء الوطن وأصحاب الأرض حيث إنهم يلتقون جميعاً علي وحدة القرار والمصير. وهذا النظر يفرض علي القائمين علي سدة الحكم أن يتخذوا من التدابير والإجراءات ما توجبه العدالة بمظلتها الشاملة علي كل أبناء الوطن وما تقتضيه المصلحة العامة. من وأد الأخطار التي تهدد المجتمع وسط أجواء من التربص والتآمر علي مصير الإسلام والوطن. والرغبة الحثيثة في إشعال نيران الفتنة الطائفية. ونعت كل نزاع بين المسلم وغير المسلم علي أنه صراع طائفي. وعنصرية إسلامية. ومسعي لإقصاء الأخ غير المسلم مسيحياً كان أم يهودياً. بغرض خلعه من انتمائه الإسلامي وولائه الوطني. وهذا يتصادم مع السياسة الإسلامية بما تستوجبه من رعاية وكفالة كل أفراد المجتمع. وسن النظم والقوانين الضامنة لتحقيق ذلك. والتقاعس عن ذلك هو إخلال بواجب في الشرع. وتعطيل لمصالح الخلق. ويحمل ابن القيم علي أولئك الذين لا يتفهمون حقائق الشريعة وحرصها علي تحقيق المصالح. وحصر الشريعة في نطاق ضيق. وعدم التمكن من أفقها الواسع ويصفهم بأنهم"1": جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد. وسدوا علي أنفسهم طرقاً صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل وعطلوها مع علمهم وعلي الناس بها أنها أدلة حق ظناً منهم منافاتها لقواعد الشرع. والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها. فلما رأي ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد علي ما فهمه هؤلاء من الشريعة فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقم الأمر وتعذر استدراكه وأفرط فيه طائفة أخري فيه ما يناقض حكم الله ورسوله وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله. فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط. وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض. فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره. والله تعالي لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوي منه وأدل وأظهر بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط. فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد. ولكن نبه بما شرعه من الطرق علي أسبابها وأمثالها. ولن تجد طريقاً من الطرق المثبتة للحق ألا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها وهل يظن بالشريعة العادلة خلاف ذلك؟. إذا تقرر ذلك فإن صرح المجتمع الإسلامي مشيد علي أن تكون المواطنة لكل فرد فيه مسلماً أم غير مسلم حتمية شرعية. توجب علي المواطن في دولة الإسلام أن يكون مواطناً يتمتع بحقوق المواطنة. وأن يلتزم بواجباتها. وتضحي الدولة والمجتمع مسئولاً عن تحمل التبعات الناشئة عن ذلك. وهذا ما أشار إليه حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالأمير الذي علي الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم. والرجل راع علي أهل بيته وهو مسئول عنهم. وامرأة الرجل راعية علي بيت زوجها وولدها وهي مسئولة عنهم. وعبد الرجل راع علي مال سيده وهو مسئول عنه. ألا فلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته""1". فهذا الحديث يقرر مسئولية الحاكم عن الرعية وأفراد الشعب كما يقرر مسئولية الفرد والجماعة تجاه المجتمع والوطن والدولة كل في نطاق مسئوليته. والاختصاصات التي يتولاها. ومن أجل التأكيد علي حقوق الرعية أو المواطنة. كان المؤمن بهذا الوصف في المجتمع الإسلامي. يتساوي مع أخيه المؤمن. لا فرق بين الرجل والمرأة. والرئيس والمرءوس فالكل مواطن في المجتمع المسلم. نجد ذلك في قوله تعالي: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله. أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم""1". وفي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم. وهم يد علي من سواهم""2". وهو إفهام وتكريس لمبدأ المواطنة بما يستوجبه من المساواة في الحرمة والكرامة. وإكساب الفرد حقوقاً في المجتمع بغض النظر عن جنسه ونوعه وحيازته نصيباً في حق الولاية عن المسلمين. وإرشاده إلي أن جماعة المؤمنين هم أهل الوطن. وهي الجماعة التي تكتسب صفة المؤمنين. أو مواطني دولة الإسلام. لا فرق بين أفراد النوع. ولا بمكانته في الهيئة الاجتماعية.