هل يمنع الإسلام كدين المسلمين من الوصول بمجتمعهم إلي ديمقراطية. كاملة؟ سؤال شائك طرحته العديد من الدوريات والصحف الغربية في الآونة الأخيرة. وتزايدت وتيرة طرحه في مناسبات عدة لاسيما عند إجراء الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية في العالم العربي والإسلامي. وانبري كبار الكتاب الغربيين في الإدلاء بأطروحاتهم حول قضية التحول الديمقراطي في المجتمعات الإسلامية. وانتهت خلاصة أقوالهم في مجملها إلي اتهام الإسلام بالمسئولية عن حالة الاستبداد التي تعيشها مجتمعاته. كما حرص تقرير حالة الديمقراطية وأيضا تصنيف بيت الحرية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في أكثر من مرة علي توجيه أصابع الاتهام إلي الإسلام باعتباره سبب تجزر الطغيان والديمقراطية في العالم الإسلامي. ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن الإسلام دين الديمقراطية الذي أرسي قواعد العدالة والمساواة والشوري والفصل بين السلطات. موضحا ان نظام الحكم في الإسلام يعتمد علي قواعد تميزه وتوضحه نظاما سياسيا مثاليا يتميز عن غيره من النظم الوضعية. أهمها حفظ الدين والعدل والشوري. ويؤكد أن النظام الإسلامي يهدف إلي حماية القيم الروحية قدر قصده إلي حماية المصالح الدنيوية. مضيفا أن العدل من أسمي المباديء التي امتاز بها النظام الإسلامي. فقد حث الإسلام علي التزام العدل في كل الأمور التي يزاولها الإنسان. سواء في ذلك ما يتصل بأسرته. أو بجيرانه أو بوطنه. وسواء في ذلك الحكام والمحكومون وأوجب الإسلام العدل حتي مع العدو. يقول الله وتعالي: "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي". ويوضح أن الرياسة العليا في الإسلام تستمد من بيعة الأمة. وهي ممثلة في صفوتها من العلماء والقادة باعتبارهم أهل الحل والعقد فيها. فهي التي تعقد الرياسة لرئيس الدولة. وهي التي لها حق عزله إذا حاد عن الطريق الذي رسمه الشرع له في رعاية مصالح الأمة الدينية والدنيوية. فالرئيس مسئول عن كل الأمور التي تتصل بمصالح الدولة. والنص صريح في هذا. يقول صلي الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالإمام أي رئيس الدولة الذي علي الناس راع. وهو مسئول عن رعيته. والرجل راع علي أهل بيته وهو مسئول عن رعيته. أباطيل ويقول إنه بالرغم من ان الشوري من سمات الحكم الإسلامي إلا أن بعض الباحثين وبخاصة من المستشرقين يظنون أن الحاكم في الإسلام يحكم الأمة حكما مطلقا بعيدا عن مبدأ الشوري. وهذا يتجاهل حقائق الإسلام وقيمه لأن الله تبارك وتعالي أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بالمشاورة في قول الله تبارك وتعالي : "فاعف عنهم واستغفر لهمم وشاورهم في الأمر" كما بين الله تبارك وتعالي أن الشوري من صفات المدح لمجتمع المؤمنين الذين لهم الثواب الدائم عند الله عز وجل. واذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم قد أمره الله تبارك وتعالي بالمشاورة فأي رئيس للدولة بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم مأمور بها من باب أولي. وعلي هذا تكون الشوري هي إحدي القواعد التي يرتكز عليها نظام الحكم في الإسلام. ولا يجوز الادعاء بالباطل علي الإسلام بأنه لا يعرف سوي الديكتاتورية وقهر الشعوب. أشار إلي أن الإسلام لم يحدد طريقة معينة للشوري لا يصح سواها. وإنما ترك ذلك للمسلمين أنفسهم يختارون ما يتناسب مع ظروفهم وعصرهم. وقال إن شريعة الإسلام هي الشريعة التي ختمت سائر الشرائع الإلهية التي أنزلها الله تبارك وتعالي لهداية البشر. ولذلك لم تترك أي سلوك من سلوك الإنسان إلا وتبين له الحكم الشرعي فيه. ولكن لأن الوقائع والقضايا والأحداث غير محدودة والنصوص محدودة فالشريعة الإسلامية تبين الحكم بالتفصيل في الأمور التي لا تتغير فيها وجوه المصلحة من عصر إلي عصر. كتقسيم التركات وكالعقوبات. أما الامور التي تتغير فيها وجوه المصلحة في التفاصيل من عصر إلي عصر. فإننا نجد الإسلام يبين فيها الأصل العام. والقواعد العامة التي تنظم نواحي حياة الإنسان وأنشطته في الاقتصاد. ومعاملات الناس. والسياسة والحكم. والعلم. والفكر. والسلام والحرب وتحقق مصالحهم الدنيوية والأخروية. وتترك لهم لتحقيق ذلك حرية اختيار الصورة الملائمة لهم. مقاومة الطغيتان يقول الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف إن الحكم في الإسلام لابد أن يقوم علي أساس من العدل والشوري. فالانفراد بالرأي والسلطة. في أي ميدان من ميادين الرأي والسلطة هو المقدمة للاستبداد والاستفراد والطغيان. يقول الله تعالي : "كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني". وهي سنة قرآنية صدق عليها تاريخ الإنسان والنظم والحضارات. ولذلك فإن المنقذ للإنسان وللعمران البشري من هذا الطغيان هو نظام الشوري الإسلامية. الذي يكفل للإنسان المشاركة في تدبير شئون العمران. صغيرها وكبيرها. فتنجو دنياه من الطغيان. وذلك دون أن يطغي هذا الإنسان علي التدبير الإلهي المتمثل في الشريعة الإلهية. والتي هي الأخري مقوم من مقومات العدل في هذا العمران. قال إن عظمة الإسلام تتأكد في جعله الشوري فريضة إلهية. فهي ليست مجرد حق من حقوق الإنسان فلا يجوز للإنسان أن يتنازل عنها حتي بالرضا والاختيار كما عمم ميادينها لتشمل سائر ميادين الحياة الانسانية. العام منها والخاص من الأسرة إلي المؤسسة إلي المجتمع إلي الدولة إلي الاجتماع الإنساني ونظامه الدولي وعلاقاته الدولية. أضاف أن الاسلام يفرض ويوجب في شئون الدولة أن تكون الشوري شوري الجماعة. هي الفلسفة والآلية لترتيب الأمور سواء كان ذلك في داخل مؤسسات الدولة. أو في العلاقة بين هذه المؤسسات وبين جمهور الأمة. ففي إدارة مؤسسات الدولة لشئونها يلفت القرآن الكريم أنظارنا إلي معني عظيم عندما لا يرد فيه مصطلح "ولي الأمر" بصيغة المفرد التي تدل علي الانفراد والاستفراد وانما يرد فيه هذا المصطلح فقط بصيغة الجمع. أولي الأمر إلي الجماعية وتزكية للمشاركة والشوري: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله أطيعوا والرسول وأولي الأمر منكم" [النساء: 59] كما يحرص القرآن الكريم علي التنبيه علي أن يكون أولو الأمر من الأمة حتي تكون السلطة نابعة من الأمة وليست مفروضة عليها من الخارج. أوضح ان القرآن جعل العلاقة بين الدولة وجمهور الأمة قائمة علي الشوري والمشاركة في صنع القرار. إذ هي فريضة إلهية. حتي ولو كانت الدولة يقودها رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول الله تعالي : "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين. [آل عمران: 159] فالعزم أي تنفيذ القرار هو ثمرة للشوري أي المرحلة التالية لاشتراك الناس في انضاج الرأي وصناعة القرار. واعترض الدكتور كارم غنيم عضو مجمع البحوث الإسلامية علي اتهام الإسلام بأنه سبب تخلف المسلمين وقال إن التاريخ يؤكد أن الاسلام لا يعرف الثيروقراطية بالمفهوم الغربي وكل ما يتفرع عنها من كهنوت وسيطرة رجال الدين علي السلطة السياسية والحجر علي الآراء باسم الدين والأسرار الإلهية المقدسة. أوضح أن الإسلام أقام حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرا في التاريخ استمرت ما يقرب من ثمانية قرون. وقدمت اسهامات علمية مشهودة في كافة مجالات العلوم والفنون. ومكتبات العالم تزخر بالمخطوطات العربية الإسلامية التي تبرهن علي مدي ما وصل إليه المسلمون من حضارة عريقة. التطور الحضاري قال إن حضارة المسلمين في الأندلس وما تبقي من معالمها حتي اليوم هي خير شاهد علي ما وصل إليه المجتمع المسلم من تقدم وأوروبا استفادت بدرجة مهولة من هذا التقدم من خلال حركة الترجمة النشطة التي قامت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر لعلوم المسلمين. حيث كان ذلك هو الأساس الذي بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة. يضيف أن الإسلام يأمر بالعلم والتفكير والاجتهاد والبحث فالقرآن الكريم حث علي تقدير العلم والعلماء وشدد علي أهمية النظر في الكون ودراسته وعمارة الأرض والانفتاح علي الأمم الاخري والأخذ بالتطور الحضاري بمفهومه الشامل للناحيتين المادية والمعنوية. ويؤكد أن الإسلام دين يرفض التخلف والقعود عن السعي والبذل. مضيفا أن تخلف الأمة الإسلامية يعود في حقيقته إلي عدم إدراك المجتمعات الإسلامية للمعاني الحقيقية للإسلام الأمر الذي أدي إلي تخلفهم في ميدان الحياة. قال إن هناك تيارا كبيرا من المفكرين والمستشرقين الغربيين يسعي بكل قوة لترسيخ المفاهيم المغلوطة حول الإسلام وإشاعة المغالطات حول انه سبب الواقع البائس والتخلف الذي يعيشه العالم الإسلامي المعاصر. والمؤكد أن هذا ادعاء باطل ومحاولة لاشاعة روح السلبية والعجز في الأمة لأن التخلف الذي يعاني منه المسلمون الآن هو مرحلة في تاريخهم. ولا يمكن المصادرة علي المستقبل والزعم أننا سوف نظل كذلك إلي نهاية التاريخ كما لا يجوز الحكم علي الأمم من خلال تسليط الضوء علي تجارب وتطبيقات بعينها واختزال تاريخها في مراحل تاريخية معينة لخدمة أغراض سياسية.