عندما يشترك «جون إسبوزيتو» و«داليا مجاهد» فى وضع كتاب بعنوان «من يتحدث باسم الإسلام؟» ويكون هذا العنوان مصحوبًا بالتساؤل: كيف يفكر- حقًا- مليار مسلم؟.. فلن يكون هناك كتاب أكثر إثارة وجذبًا للاطلاع خصوصًا فى هذه الآونة سوى هذا الكتاب. المؤلف الأول هو «إسبوزيتو» من أشهر الكتاب الغربيين المتخصصين فى الحركات الإسلامية، ويعمل أستاذ الديانات والشؤون الدولية والدراسات الإسلامية فى جامعة جورج تاون بواشنطن، وله 35 مؤلفًا من أبرزها: «حرب غير مقدسة: إرهاب باسم الإسلام» و«الإسلام السياسى: راديكالية أم ثورة أم تجديد؟» و«التهديد الإسلامى: خرافة أم حقيقة؟». أما «داليا مجاهد»، فهى المديرة التنفيذية لمركز «جالوب» للدراسات الإسلامية وهى كبير المحللين للبيانات، وتعمل ضمن المجلس الاستشارى للديانات فى البيت الأبيض، وتم تعيينها عضوًا بعد مجىء الرئيس «باراك أوباما»، خلفًا لجورج بوش الابن. والكتاب هو نتيجة جهد علمى واسع وتحليل لنتائج أكبر استطلاع رأى عالمى حتى الآن، يحاول الوقوف عند حقيقة التفكير والاتجاهات عند مليار مسلم أو كما قال المؤلفان: إنه يدور حول الأغلبية الصامتة بالإكراه. جرى الاستطلاع خلال الفترة بين عامى 2001 و2007 وشمل عشرات الآلاف من المقابلات وجهًا لوجه مع المهتمين والمعنيين فى أكثر من 35 دولة أغلبها من المسلمين أو يعيش فيها قدر كبير من السكان المسلمين، تمثل العينة صغارًا وكبارًا متعلمين وأميين، ذكورًا وإناثًا، ومن المناطق الحضرية والريفية. وبناء على طريقة العينة العشوائية فإن النتائج سليمة من الناحية الإحصائية فى حدود هامش للخطأ يتراوح بين زيادة أو نقص 3 نقاط. وليست هناك مفارقة أكبر مما هو حاصل فى هذا الكتاب الذى وضعه مؤلفان وقدم له كاتبان، وهما الدكتور عزت شعلان، الذى نقل هذا العمل للغة العربية، وهو طبيب مصرى، حاصل على الدكتوراه من جامعة تكساس بالولاياتالمتحدةالأمريكية وترجم العديد من الكتب والأعمال الفكرية والعلمية ومن بينها: «موجز تاريخ العلم» و«الإسلام تحت الحصار» و«الحب والطب ومعجزات الشفاء». والثانى هو «فهمى هويدى» وهو كاتب غنى عن التعريف، بدأ تقديمه للكتاب بقوله: «مفاجأة، وصدمة للغربيين، وتعريفًا للعرب والمسلمين بما يعرفون». ويضيف: «مصدر المفاجأة والصدمة فيه أنه يمثل سباحة ضد التيار وخروجًا على المألوف وتمردًا على الصورة النمطية التى فرضت على العقل الغربى، وصنفت العرب والمسلمين بحسبانهم كائنات شاذة وغريبة مسكونة بالتعصب والتطرف ومهجوسة فى ذات الوقت بكراهية الغرب ومتطلعة إلى الانقضاض عليه وإفنائه». والحقيقة، أن هذه فكرة فيها قدر كبير من المبالغة فى الصورة الذهنية السلبية الموجودة لدى الغرب عن المسلمين، وفيها أيضًا اجتزاء من سياق تاريخى وموضوعى، لأن الغرب لا يصح وضعه فى مقابل الإسلام أو المسلمين، لأن الغرب تصنيف جغرافى حضارى والإسلام تصنيف دينى، وإذا كان هناك شىء فى مقابل الإسلام فإنه المسيحية أو اليهودية. فضلاً عن ذلك فإن الغربيين لم يكتشفوا الإسلام أو المسلمين فجأة، وكأنهم ظهروا قبل يومين على الجانب الآخر من العالم، وبالمقابل لم نعرف نحن من جانبنا الغرب بالأمس بل عرفناه منذ عقود طويلة، وهناك عشرات من الكتب والمؤلفات والترجمات بين الجانبين، وكذلك عشرات المعارك الطاحنة، الأهم من ذلك إذا كانت صورتنا لدى الغرب سلبية أو كما يقول هويدى «شاذة وغريبة مسكونة بالتعصب»، فأى صورة فى أذهاننا عن الغرب والغربيين، أليست هناك اعتقادات راسخة فى العالم العربى بأن الغرب هو مصدر الشرور وأنه مصدر الانحلال والرذيلة؟ لا شك أن أحداث 11 سبتمر 2001 سمحت للمتطرفين الغربيين بالظهور. ودفعت بهم إلى السطح، ومن الإنصاف أن نذكر أن نظرية صدام الحضارات التى وضعها «صامويل هانتنجتون» تجمع حولها الكثير من المؤيدين عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن التى نفذها تنظيم القاعدة، على الرغم من أن هويدى ينكر ذلك إذ يقول: «ليس صحيحًا أن تلك الصورة النمطية المنفرة التى تشوه العربى والمسلم وتنتقص من قدره هى من تداعيات أحداث 11 سبتمبر، والصدمة التى انتابت الجميع بسبب إقدام بعض الشبان المسلمين على الهجوم على برجى مركز التجارة العالمى، ذلك أن الثقافة السائدة فى الغرب قبل ذلك التاريخ مُحملة ببذور الحساسية والنفور من الإسلام والمسلمين، وعند أغلب الباحثين فإن هذه الانطباعات المغلوطة لها جذورها الممتدة إلى مرحلة الحروب الصليبية فى القرنين العاشر والحادى عشر الميلاديين، حين استنهضت همم الأوروبيين لاجتياح العالم العربى بدعوى تخليص بيت المقدس من قبضة المسلمين! إن الصورة التى يضعها هويدى فيها الكثير من الظلم لنا وللغربيين، وإذا سلمنا جدلاً أن ما يقوله صواب، فكيف يفسر لنا وجود الأعداد الكبيرة والمتزايدة سنويًا للجاليات العربية والمسلمة تعيش وتنجح وتتقدم فى جميع أنحاء القارة الأوروبية، وكذلك فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك وجود آلاف من الطلاب والمبعوثين للدراسة والتعلم فى الجامعات الغربية وأعداد الوفود السياحية والاستكشافية القادمة يوميًا لبلادنا من الغرب. أما فيما يخص المقدمة الثانية التى تصدرت الكتاب، والتى وضعها المترجم وهو الدكتور عزت شعلان فى حوالى 30 صفحة، فقد حاول جاهدًا أن يدافع عن الدين الإسلامى ويُذكر بسماحته كدين سماوى وبعظمة تعاليمه، ويقول: «من الأباطيل الفاسدة والافتراءات الكاذبة ما يُوجه إلى الإسلام من حيث إنه دين ينتشر بالقوة والسيف ويدعو إلى الإرهاب والعنف، وإنه لا يتوافق بطبيعته مع الديمقراطية، ولا ينصف المرأة، بل يسلبها حقوقها الإنسانية». ثم يمضى فى نفى كل ذلك عن الإسلام مُذكرًا بأنه دين الرحمة والوسطية واحترام المرأة، مع العلم بأن الدراسة التى يتضمنها الكتاب لا تتعرض للإسلام بينما تتناول أفكار وآراء عينة من المسلمين فى القضايا الأساسية مثل الديمقراطية والنظرة للمرأة والإرهاب والموقف من الآخر. فى الفصل الثانى من الكتاب وهو بعنوان: ديمقراطية أم ثيوقراطية (تعنى الثيوقراطية الحكومة الدينية التى يتولاها رجال دين)؟ تستعرض الدراسة موقف قطاع واسع من المسلمين فى البلدان التى أجريت فيها الدراسة من الحكم الديمقراطى، وتظهر نتائج غاية فى الأهمية. يقول الكتاب: يختلف الكثيرون فى العالم والغرب حول الطرق للوصول للحكم الديمقراطى، وما زالت هناك أسئلة مهمة: كيف يمكن أن تزدهر الديمقراطية فى بلاد ثقافتها استبدادية؟ هل يمكن أن توجد الديمقراطية حيث يتشابك الدين والسياسة؟ إن الانتصارات الانتخابية للشيعة فى العراق وحماس فى فلسطين تبدو مخالفة للديمقراطية الغربية فى الفصل بين الدين والدولة، هل يمكن أن نحصل على الديمقراطية والشريعة؟ على الرغم من أن كثيرًا من المسلمين والحكومات العربية يتحدثون عن الديمقراطية، فإن حق تقرير المصير الفصل بين الدين والدولة، كما يفهمه أغلب أولئك المشاركين فى الاستفتاء. وتبين بيانات الاستفتاء أن أغلبية كبيرة من المشاركين فى البلاد التى جرى فيها الاستفتاء تذكر الأهمية المتساوية للإسلام والديمقراطية باعتبارهما من الأمور الأساسية من أجل رفعة حياتها ومستقبل التقدم فى العالم الإسلامى، كان الإسلام والسياسة مختلفين فى مصر والمغرب وتركيا والأردن إلى باكستان والملايو وإندونيسيا، حيث نجح المرشحون الإسلاميون والأحزاب الإسلامية فى الانتخابات القومية والمحلية. أظهرت الاستجابات فى الاستفتاءات كذلك دعمًا شائعًا للشريعة، بالإضافة إلى الدعم القوى للإسلام والديمقراطية، وتمثل الشريعة شيئًا مختلفًا جدًا عند كثير من المسلمين، تعنى الشريعة حرفيًا «الطريق إلى الماء»، ولكن معناها «السبيل إلى الله» عند استخدامها فى نطاق دينى وهى تمثل سبيلاً إلى الهداية الروحية والاجتماعية معًا، إن الشريعة تمثل البوصلة الأخلاقية للحياة الشخصية والحياة العامة للمسلم.. ما الذى يطلبه المسلمون على ذلك حين يقولون إنهم يريدون الشريعة مصدرًا للتشريع؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تبلغ من التنوع مثل ما يبلغه المجتمع الإسلامى. وحسب استطلاعات الرأى فإن الأغلبية فى بلاد مثل الأردن ومصر وباكستان وأفغانستان وبنجلاديش تريد أن تكون الشريعة «المصدر الوحيد» للتشريع. وأدعى الأمور إلى الدهشة غياب الفوارق المنظمة فى دول عديدة بين الذكور والإناث فى دعمهم الشريعة بوصفها المصدر الوحيد للتشريع، ففى الأردن مثلاً يريد 54٪ من الرجال، و55٪ من النساء أن تكون الشريعة مصدراً وحيداً للتشريع، وفى مصر تبلغ النسبة 70٪ من الرجال و62٪ من النساء وفى إيران 12٪ من الرجال و14٪ من النساء وفى إندونيسيا 14٪ من الرجال و14٪ من النساء. لا شك أن من فضائل الكتاب الذى بين أيدينا أنه يضع الأمور فى نصابها الصحيح، ويقدم تحليلاً مهماً مدعوماً بالإحصاءات والأرقام، لأبعاد العلاقة بين العرب والمسلمين من جانب والغربيين من جانب آخر. وتحت عنوان: لماذا يكرهوننا إذاً؟ يقول الكتاب، إن السبب الأولى فى الغضب والروح المعادية للسياسة الأمريكية على نطاق واسع - كما أظهرت بياناتنا - ليس صدام الحضارات، ولكنه التأثير المتصور للسياسة الخارجية للولايات المتحدة فى العالم الإسلامى، ولا هو الكراهية العمياء للغرب، وإنما لحالة الاستعلاء التى يتعامل به كثير من الغربيين. ويضيف الكتاب أن الغضب الواسع بين المسلمين فى بعض الأحيان له مبرراته ودوافعه ويضرب مثلاً بذلك، الكلمة التى ألقاها «بنديكت السادس عشر» فى 12 سبتمبر عام 2006، فى جامعة «ريجنسيرج» فى ألمانيا، التى أثارت احتجاجات كبيرة فى العالم الإسلامى وكان ما أثار المسلمين بصفة خاصة هو ذكر البابا لملاحظات إمبراطور بيزنطى فى القرن الرابع عشر عن النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) «أرنى فقط ما جاء به محمد من جديد وسوف تجد هناك أشياء شريرة لا إنسانية، مثل أمره بنشر العقيدة التى دعا إليها بالسيف». كذلك كان من دواعى الغضب وعدم الدقة تصريح «بنديكت» بأن الآية القرآنية «لا إكراه فى الدين».. قد نزلت فى السنوات الباكرة من نبوة «محمد» فى مكة، وهى فترة كان فيها نبى الإسلام مهدداً لا حول له. وتؤكد استفتاءات «جالوب» من البلاد التى غالبية سكانها مسلمون (98٪ فى مصر و96٪ فى إندونيسيا و86٪ فى تركيا) يقولون إن الدين عنصر مهم فى حياتهم اليومية، فيما عدا كازاخستان. وينظر المسلمون إلى النبى «محمد» باعتباره النموذج المثالى الإنسانى للحياة، وبالتالى فإن الكلام عنه وعن الإسلام بهذه الطريقة التى تحدث بها البابا من شأنه أن يُثير غضباً واسعاً فى نفوس المسلمين، كما حدث أيضاً عندما تم نشر الرسومات الدنماركية. الكتاب: من يتحدث باسم الإسلام كيف يفكر - حقا- مليار مسلم؟ المؤلف: «جون إسبوزيتو» و«داليا مجاهد» ترجمة: د.عزت شعلان عدد الصفحات:239 الناشر: دار الشروق