عندما سعيت للقاء الدكتور أسامة القوصي الداعية الإسلامي المعروف المحسوب علي التيار السلفي لم أكن أدرك أن الرجل ثائر علي التيارات الإسلامية إلي هذه الدرجة وأنه يري أن مصر في خطر إذا استمرت تلك التيارات في طريقها.. ولم يكتف الرجل بهذا بل قدم أسبابه حول تشاؤمه من وجود التيارات الإسلامية علي رأس السلطة في مصر. يري د. القوصي أن المجتمع في حاجة ماسة لمشروع قومي يتبناه الأزهر الشريف لوأد الأفكار المدمرة التي تسيطر علي رءوس كثير من المنتمين للتيارات الإسلامية في مصر مشيراً إلي أنه يقول ذلك لأنه هو شخصياً كان ينتمي لتلك التيارات وصلت به إلي حد التطرف ورؤية أن الناس كلهم من الكافرين وأن من ينتمون لبعض هذه التيارات الإسلامية هم فقط المسلمين ولولا أن منَّ الله عليه لكان ومازال عند أفكاره القديمة. عقيدتي رصدت آراء الرجل من خلال الحوار التالي: * الإسلاميون يقولون إنهم كانوا مع الثورة منذ أول يوم.. بماذا تعلق علي ذلك؟ ** بعض الإسلاميين للأسف الشديد ركبوا الثورة هذه حقيقة لا جدال فيها وأنا أقول دائماً الثورة مستمرة وسرقة الثورة مستمرة. * وصول الإسلاميين إلي الحكم أخاف الكثيرين لدرجة الذعر فهل أنت مع الخائفين أم ضدهم؟ ** يحق للناس الخوف لأنهم للأسف يستخدمون في كلامهم نغمة الاستعلاء فأنت مسلم ونحن مسلمون ولكنك لاتمثل الإسلام فمن الذي أعطي السلفي الحق في أن يتكلم باسم دين يدين به أكثر من مليار ونصف المليار مسلم فهذه الفصائل التي تصف نفسها بالإسلاميين مهما بلغ أعضاؤها لا تمثل جميع المسلمين في مصر وكلمة إسلامي في حد ذاتها فيها نوع من التعالي وهي كلمة لم ترد لا في القرآن ولا في السنة النبوية فكلنا مسلمون فلماذا يميزون أنفسهم؟ وللأسف فهم لهم تصور معين للإسلام وهذا التصور لا يعتبرونه رأياً ولكنهم يعتبرونه الإسلام ذاته وهي مصيبة لأنهم يعتبرون من يخالفهم في هذا التصور مشركين وكفاراً وغير مسلمين ولابد أن يعي هؤلاء أن الإسلام موجود في مصر وليس غائباً كما يدعون قد تكون بعض الحدود معطلة ولكن هذا سببه الأحوال التي لا تسمح بإقامتها.. باختصار فإن بعض هؤلاء الناس يتاجرون بالدين ولا يرون أن الإسلام لم يصل إلا إذا وصلوا هم إلي الكراسي. * وكيف تري المستقبل؟ ** أنا متفائل خاصة وأن هناك جيلا من الشباب داخل تلك الجماعات والأحزاب بدأ يتمرد علي الأجيال القديمة المتشددة ففي الإخوان هناك حركة شباب الإخوان وفي الحركة السلفية هناك شباب السلفيين ولقد ضحكت كثيراً عندما سمعت عن جماعة شباب السلفيين قد وضعوا جروباً علي الإنترنت أسموه سلفي "كوستا" نسبة إلي المقهي الشهير في منطقة مصر الجديدة إذن هناك فكر متحرر بدأ يظهر في تلك الفصائل وهذا مؤشر جيد للغاية وعلينا أن نرعي هؤلاء وأن نساعدهم في تحقيق المستقبل الذي يأملون فيه وأنا أتصور ان المجلس العسكري لابد أن يتعامل مع الناس من هذا المنطلق الرعاية والحماية وليس من منطلق الوصاية. حق الخوف * هل تري مبرراً لخوف قطاعات السياحة والفن وغيرها؟ ** أقولها لك مرة أخري فهم لديهم كل الحق في الخوف بل إنني أنا شخصياً خائف علي مستقبلي الدعوي من هؤلاء الإسلاميين وأثق أنهم إذا ملكوا زمام الأمور فسوف يمنعونني من العمل الدعوي فهؤلاء الإسلاميون لم يتمكنوا بعد من السلطة ويمارسون كل هذا الاستعلاء والتكبر فماذا سيحدث عندما يصلون بالفعل لسدة الحكم وتستقيم لهم الأمور.. وأنا أقولها لهم بصراحة شديدة إنهم ينقصهم تصور حقيقي للواقع الاقتصادي والسياسي والتعليمي وكل شيء عندما يمسكون بالسلطة سيجدون أن الأمور مختلفة تماما ولهذا أنا أري أن سعيهم للسلطة توريط لهم بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه مصر حالياً. * يثور دوما سؤال.. هل السلفيون الذين يعيشون بيننا الآن يسيرون بالفعل علي نهج السلف الصالح؟ ** للأسف يتمسح اليوم في السلفيين من اساءوا للسلف رضوان الله عليهم خاصة وأن نسبة الواعين من هؤلاء قليلين للغاية نحن تم تدميرنا علي مدار تسعة وخمسين عاماً وتحديداً منذ ثورة يوليو فلم يكن هناك تعليم حقيقي ولا ثقافة حقيقية وأنا أقول للذين استغربوا من نتائج الانتخابات هذه نتيجة حتمية لشعب فيه ما فيه من أمية وجهل بلغت نسبة 40% وهكذا فإن نسبة الواعين قليلة للغاية ولهذا لابد من خطة استراتيجية لبناء الشخصية المصرية من جديد ونحن والحمد لله لدينا الخامة الجيدة والدليل نجاح المصري في الخارج نجاحاً باهراً والحل في رأي أيضاهو ضرورة العمل علي إنجاح الثورة وتخليصها من هؤلاء الذين سرقوها منذ يوم 28 يناير .2010 * بصراحة شديدة أنت تنتقد الإسلاميين بشدة فلما كل هذا الغضب حيالهم؟ ** الإسلاميون هم سبب رئيسي من أسباب مشكلات مصر السياسية والاجتماعية وأنا أدعو للإسلاميين ان يغفر الله لهم ما فعلوه في مصر ولابد أن يستيقظ الشعب ويحمي بلده من المتاجرين بالدين ولابد أن يدرك هؤلاء الذين يتاجرون باسم السلف الصالح ان جيل الصحابة لن يتكرر ونحن فقط نتلمس أن نسير علي نهجهم وخطاهم والموجود الآن علي الساحة ممن يقولون نحن سلفيون هم جماعات تعاني من خلافات كبيرة فيما بينهم. الخروج علي الحاكم * ولكنك أنت شخصياً لك خطبة شهيرة حرمت فيها الخروج علي حسني مبارك؟ ** نعم هذا حدث ولكنني أدركت خطأي وتراجعت عنه وأنا كان تصوري الأول أن الخروج علي الحاكم يشمل حتي الكلام عنهم من علي المنابر ويشمل المظاهرات السلمية والاعتصامات والاضطرابات كنت أري أن كل هذه الصور محرمة لكونها خروجاً علي الحاكم أما الآن أنا أقول لا الخروج المحرم علي الحاكم هو الخروج المسلح وهذا محرم في كل القوانين الدولية وهذا التصور خرجت به بعد تجارب عديدة مررت بها وأنا لم أغير المبدأ لأن الصحابة علمونا أن هذا المبدأ صحيح يحرم الخروج علي الحاكم سواء كان الحاكم مسلماً أو غير مسلم لأن الحاكم المسلم هناك عهد بين الحاكم المسلم والمحكومين وفقا للآية القرآنية التي قال الله تعالي فيها: "ياأيها الذين آمنوا اطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم.. إذا القرآن الكريم كان صريحاً في هذا الأمر ولهذا لا يحق لمسلم أن يخرج علي الحاكم المسلم خروجاً مسلحاً أما الحاكم غير المسلم فقد قال الله تعالي: "ياأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود" فالمسلم عندما يدخل دولة حاكمها غيرمسلم يدخل بتأشيرة وهذه التأشيرة عهد بينه وبين الحاكم غير المسلم فعليه أن يحترم هذا العهد وعلينا أن نتذكر أن سيدنا يوسف عاش في هذه البلاد وتولي منصباً رفيعاً فيها وكان الناس يعبدون الفرعون وكان يسمع لكلامه لأنه كان هناك بينه وبين هذا الفرعون عهد وميثاق ولم يخرج سيدنا يوسف علي هذا الحاكم رغم أنه غير مسلم وهذا يؤكد أن الإسلام دين غاية في الوفاء لا يعرف الغدر. * قلت في كلامك سابقاً أن الإسلاميين هم الذين تسببوا في كل مشاكلنا فهل قصدوا ما فعلوا أم حدث دون قصد منهم؟ ** دعني أوضح لك شيئاً وهو أن السلفيين وغيرهم من التيارات الإسلامية تأثروا بأفكار وكتب سيد قطب الذي خرب عقولهم دون أن يدروا وأنا شخصياً كنت قطبياً وأعي جيداً ما أقول. دعوة ودعاه * هل هذا يعني إنك تنتقد أداء بعض من يتصدون للدعوة الإسلامية؟ ** دعنا نعترف أن كثيرا ممن يتحدثون اليوم في الفضائيات باسم الإسلام يخطئون أكثر مما يصيبون فكثير من الدعاة لا يتحرون صحة المعلومة ولا يفهمون جيداً في مقاصد النصوص فالتيارات الإسلامية للأسف الشديد جرأت غير المتخصصين علي الحديث باسم الدين ونظرة مبسطة علي من يتحدثون باسم الإسلام في التيارات الإسلامية ستجد ان معظمهم إن لم يكن كلهم لا علاقة لهم بالدراسات الإسلامية بل حاصلون علي مؤهلاتهم في تخصصات حياتية بحتة ولا أحد يعلم من أين استقوا العلم الشرعي حتي يدرسونه علي شاشات الفضائيات وبالتالي يخرج كلامهم في كثير من الأحيان وهو يحتوي علي أخطاء وخطايا.