واختيار الإنسان لدينه ومعتقده اختيار حر لا يجوز الإكراه عليه. ومن هنا قرر الإسلام مبدأ حرية العقيدة بشكل صريح لا يقبل التأويل: "لا إكراه في الدين" البقرة: 256. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر سورة الكهف آية: 29. فإكراه الناس علي الإيمان بدين من الأديان من شأنه أن يولد منافقين لا مؤمنين. وإذا كان صاحب كل دين من حقه أن يدعو إلي دينه فإنه ليس من حقه أن يلجأ إلي وسائل غير مشروعة لمحاولة تحويل الناس عن عقائدهم الدينية. فالغاية لا تبرر الوسيلة بأي حال من الأحوال ومن أجل ذلك يرسم القرآن الكريم المنهج الذي يجب الالتزام به في الدعوة إلي الدين في قوله تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" سورة النحل: .125 ولم يلجأ الإسلام إطلاقاً إلي إجبار الآخرين من أصحاب الديانات الأخري علي الدخول في الإسلام. وقد لفت القرآن الكريم نظر النبي صلي الله عليه وسلم إلي أن مهمته تنحصر في التبليغ فقط فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد سورة آل عمران آية: 20. وهناك آيات عديدة في هذا الشأن مثل قوله تعالي: "أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين" يونس آية: 99. وذلك كله يأتي انطلاقاً من مبدأ ثابت من شريعة الإسلام علي جعل حفظ الدين للإنسان وحمايته ومنع العدوان عليه حقاً أصيلاً ومقصداً أساسياً من مقاصد الشريعة الإسلامية التي ترفع لواء التسامح الذي لا نظير له في التسابق ولا في اللاحق. * حفظ النسل: حصر الإسلام أشد الحرص علي سلامة المجتمع وقوة أفراده لينهض كل فرد بمسئوليته الملقاة علي عاقته من أجل النهوض بالحياة والأحياء. وحفظ النسل يعد من أهم الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للإنسان. لأن هذا يعني المحافظة علي النوع الإنساني. كما يعني بصفة خاصة المحافظة علي الأسرة التي تعد الخلية الأولي في تكوين أي مجتمع إنساني سليم. ومن هنا يهتم الإسلام بحفظ الأنساب وحمايتها من الاختلاط. ويحرم زواج المحارم. وهذا كله يدخل في إطار "جلب المصالح ودرء المفاسد" عن النوع الإنساني. فإذا كانت الأسرة هي الخلية الأولي والعنصر الأساسي في تكوين المجتمع. فإن الزواج هو السبيل الوحيد لتكوين الأسرة في الإسلام. وحتي تنشأ الأسرة في جو من الطمأنينة والاستقرار جعل الإسلام الزواج يقوم علي علاقة المودة والرحمة. قال تعالي: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" سورة الروم آية: 21. حتي يتهيأ للأطفال مناخ صحي لتربيتهم تربية سليمة ليكونوا بعد ذلك عناصر قوية وفعالة في المجتمع. ولقد حرم الإسلام الاعتداء علي الحياة الزوجية. كما حرم الاعتداء علي الأعراض سواء بالقذف أو بالفاحشة. وقرر العقوبات المناسبة لهذه الجرائم حماية النسل. وحرم الإسلام الممارسات الجنسية خارج إطار العلاقات الزوجية. لما يترتب عليها من أمراض فتاكة تهدد النوع الإنساني كمرض "الإيدز" الذي يهدد اليوم حياة عشرات الملايين من البشر في العالم وهو ناتج عن الفوضي الجنسية خارج نطاق العلاقة الزوجية. وما يحدث اليوم في دول العالم المتقدم من الميل إلي التخلي عن هذه الرابطة المقدسة في العلاقات الزوجية القائمة علي "المودة والرحمة" والاستعاضة عن ذلك بعلاقات أو ارتباطات حرة بين الرجل والمرأة سيكون له تأثيره الكبير الضار علي العلاقات الإنسانية. ويعتد اعتداء علي حق الأطفال الناتجين عن هذه العلاقات غير الشرعية في أن يتمتعوا بحياة آمنة مستقرة وفي ظل أسرة ترعاهم وتوفر لهم الحنان والاطمئنان. ومما يزيد الطين بلة تلك الظواهر التي أطلت برأسها في المجتمعات الغربية وبدأت تجد قبولاً لدي بعض هذه المجتمعات وتكتسب شرعية. وهي زواج المثليين. فالرجل يتزوج رجلاً والمرأة تتزوج امرأة. فماذا يبقي بعد ذلك من حماية للأسرة وللنسل وللنوع الإنساني؟. * حفظ المال: المال في الحقيقة هو مال الله. والإنسان مستخلف فيه بوصفه خليفة في الأرض. ومن هنا يأمرنا القرآن الكريم بالإنفاق مما جعلنا الله مستخلفين فيه: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه سورة الحديد: 7. فالملكية الأصلية لكل شئ هي الله. وملكية الإنسان للمال لا تعدو أن تكون تفويضاً من الله وقد جبل الإنسان علي حب المال وامتلاكه. ويشمل المال كل ما تملك. سواء كان مالاً نقدياً أو عقاراً أو أرضاً زراعية أو غير ذلك من أشياء أخري يملكها الإنسان. ويعد المال عصب الحياة. ولا يمكن أن تتقدم حياة الإنسان بدون المال. وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال: بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبن ملك علي جهل وإقلال وقد حرصت الشريعة الإسلامية علي جعل حفظ المال أحد حقوق الإنسان الأساسية لأنه الثروة التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق الكثير من الخير لنفسه ولمجتمعه. والدفاع عن المال الذي يملكه الإنسان دفاع مشروع. بل إن الذي يقتل دفاعاً عن ماله يعد شهيداً في الإسلام. كما ورد في الحديث الشريف: "من قتل دون ماله فهو شهيد". لأنه إذ يدافع عن ماله في نفس الوقت يدافع عن مال الله ويدافع عن حق المجتمع فيه. فالمال وإن كانت ملكيته خاصة فإن منفعته عامة. لأن المجتمع حقاً فيه. وللفقراء والمساكين حق فيه أيضاً. قال تعالي: "والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم" سورة المعارج: 24. .25 إن الإنسان ليس مادة فقط وليس روحاً فقط وإنما هو مزيج منهما. والشريعة تشبع حاجات الإنسان الدنيوية والأخروية في وسيطة رائعة. والدنيا في الإسلام ليست مرفوضة. وإنما هي المجال الذي حدده الخالق للإنسان لإعماره والاهتمام به. والقيام بهذه المهمة وتحمل هذه المسئولية في عمارة الأرض يعد استجابة لأمره سبحانه في قوله تعالي: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" سورة هود آية: 61. أي طلب منكم عمارتها فهذا أمر إلهي وفريضة إسلامية لا تقل شأناً عن بقية الفرائض الإسلامية الأخري. والتعمير المشار إليه تعمير علي المستويات المادية والعقلية والروحية والأخلاقية والاجتماعية. إنه يعني صنع الحضارة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني.