ولكن لماذا يحجم علماء الإسلام عن الاجتهاد في العصر الحديث؟ يرجع د. أحمد كمال أبوالمجد السبب إلي أمرين, الأول عجز بعض علماء المسلمين عن الاجتهاد, والثاني تردد البعض الآخر عن ممارسته والتردد في ممارسة الاجتهاد مرده أن الاجتهاد لابد أن يفضي إلي اختلاف العلماء,وذلك أن صاحب الرأي إن وافق برأيه فريقا فقد خالف فريقا, وأن أرضي طائفة فقد أسخط طائفة. وبعض الذين يسخطون في أمور الدين لايقولون كما أدب الإسلام أهله اجتهد صاحبنا فأخطأ فهو مأجور أو معذور, وإنما يسارعون إجهازا علي الرأي يعارضونه فيتهمون صاحبه بالإثم والخطيئة والعدوان فيقولون: ضل, ومرق من الدين, وكاد للإسلام والمسلمين..والخطر الحقيقي في هذا المنهج أو اللامنهج الغريب علي روح الإسلام وآدابه ومبادئه أن آثاره السيئة تصيب الجماعة كلها, فإنه إذا خاف أصحاب الرأي حبسوا رأيهم..وإذا أشفق العلماء علي أنفسهم كتموا علمهم وإذا افتقد الناس الرأي والعمل لم يبق لهم إلا الهوي الذي تتفرق به السبل وتختلط الأمور, أو التقليد الذي يجمد به الفكر ويعم الحرج وتتوقف عند قوالبه الصماء حركة الحياة.( نفسه, ص97) من أجل ذلك كان تصحيح منهج البحث والاتفاق علي قواعد الخلاف بين العلماء والمجتهدين مسألة أولية كما يقول المعاصرون لابد من حسمها حتي يقبل أولو العلم علي ممارسة الاجتهاد. بعد مئات السنين من إغلاق باب الاجتهاد, وبعد أن تحول الدين الي منطقة مغلقة يسعي بعضهم إلي الحيلولة دون المفكرين والدخول إلي ساحتها وطرح رؤي مغايرة للسائد المهيمن, يبدو ضروريا أن تتغير المعادلة, وأن يعاد النظر في كثير من القضايا والإشكالات التي ترفع فوقها رايات زائفة تحذر من خطورة الاقتراب والتفكير في طرح البدائل من منطلق اجتهادي مستنير. الدين لاينفصل عن الحياة ولاينبغي له أن يبتعد عن كل جديد يطرأ عليها, والدنيا التي نعيشها تقترن بكل ماهو جاد وخطير, وليس بالشكليات والسفاسف والمعالجات الهشة المتهافتة. إن الدين ضرورة اجتماعية, ولابد من التمييز الصارم الواضح بين مكانه ومكانته وبين جميع الأنشطة الإنسانية الأخري الفصل حتمي بين العقيدة الدينية ومايرتبط بها, وبين الاجتهادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية, ذلك أنها اجتهادات تستدعي الخلاف, وتعتمد علي البحث والتجربة, وتخضع للصواب والخطأ. الإيمان وليد التسليم والعاطفة, وهو في حاجة أيضا إلي مناخ من الحرية التي ترتقي بذلك الإيمان العاطفي وتسلحه بالمنطق والعقل.. لن يضير الدين مخالفة غير المؤمنين وليس من مبرر للإرغام علي الإيمان قهرا وإجبارا, فالقرآن الكريم يعلنها صريحة مدوية: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الكهف29. الإسلام عقيدة قوية, ولايستقيم أن يتحقق الإيمان الحقيقي به دون اقتناع عقلي, ولا مجال لهذا الاقتناع بمعزل عن معرفة مايقوله الآخرون, ومثل هذه المعرفة تتطلب إتاحة الفرصة لحق المخالفين في إبداء آرائهم والتعبير عن وجهات نظرهم, وهذا مانص عليه القرآن في أكثر من موضع ستأتي الإشارة إليها في القسم الأول عن الحديث عن القرآن وحرية الرأي والتعبير وهو عينه ما مارسه النبي( صلي الله عليه وسلم) في دولة المدينة كما سيتضح لنا بعد قراءتنا للقسم الثاني من هذه الدراسة الذي خصصناه لهذا الغرض. وفي السياق نفسه, يسعي القسم الثالث الي البرهنة علي أن قافلة الاجتهاد لم تتوقف عبر العصور فما أكثر وأعظم المجتهدين الذين قالوا كلمتهم, وأرضوا ضمائرهم. توقفنا في الحلقة السابقة أمام ثلاث مسائل والمحصلة النهائية نوجزها فيما يلي: أولا: يحظي الإنسان بالاحترام والإجلال والتقدير في الآيات القرآنية الكريمة, ومثل هذه المكانة الشامخة السامية تعني, بالمنطق والضرورة, الحق الكامل للإنسان في ممارسة إنسانية, والتعبير عن ذاته, وإعمال عقله وهو هبة إلهية فيما يواجهه من قضايا وهموم. ثانيا: ثنائية الجبر والاختيار استهلكت كثيرا من الجهد في غير طائل ذلك أن الإسلام في أصوله الواجب اتباعها يعلي من شأن الإرادة, ويعامل الإنسان من منطلق أنه كائن حر مسئول, وليس محكوما عليه منذ البدء بالوصول إلي نهاية محددة سلفا. ثالثا: الاجتهاد فريضة غائبة, لابد من العمل علي إعادتها إلي المكانة التي تجعل التصالح بين الدين والدنيا واقعا بديلا, ومن العقل هاديا ومرشدا لما فيه خير الإنسان ومصلحته, وإذا كان بعض المجتهدين قد أغلقوا قبل قرون باب الاجتهاد, لأسباب قد تكون وجيهة ومبررة في إطار مرحلتها التاريخية, فإن المطلب الذي يلح عليه العلماء المجتهدون في العصر الحديث هو إعادة فتح باب الاجتهاد والسعي إلي التسلح بالنظرة العصرية العقلانية في مواجهة مايجد علي الواقع من قضايا ومتغيرات. القسم الأول: القرآن وحرية الرأي والتعبير: قرب نهاية القرن التاسع عشر, كتب الإمام محمد عبده مؤكدا أن المنهج الإسلامي لايعتمد إلا علي الدليل العقلي, ولايعرف الخوارق والمعجزات. ويعلن الإمام الرائد أن الإيمان بالله سابق للاعتقاد في الرسل والإيمان بما أنزل عليهم من الكتاب والحكمة. وبذلك يعلي محمد عبده من شأن العقل, ويجعل منه مرشدا وهاديا. الإيمان لاينبع من القهر والإجبار فهو وليد المعاناة والتأمل والنظر, وحصيلة منطقية لإجهاد الذهن في إطار من الحرية والاتكاء علي الإرادة الواعية.( محمد عبده: الإسلام بين العلم والمدنية ص74). الخطاب الذي يقدمه محمد عبده يبدو مختلفا عن السائد في عقود عديدة, بل في قرون طويلة سابقة له ولا يعني هذا أنه يضيف إلي الإسلام ماليس فيه, بل إنه في حقيقة الأمر يحاول إزالة الكثير من الصدأ المتراكم عبر عصور الانحطاط والانغلاق والتزمت, حيث إيثار السلامة والكسل العقلي باختيار الإيمان الموروث, دون اعتماد علي الدليل العقلي والتأمل الحر. من هنا يتسم محمد عبده بريادة التجديد, الذي استمرت مسيرته خلال عقود متتالية من القرن العشرين, وهو تجديد يقابله تعنت وجمود المحافظين, ممن يقدمون خطابا مضادا أكثر سهولة, وأقل إرهاقا ومن ثم فهو الأوفر في شعبيته وقدرته علي التأثير في عوام المسلمين. ينتمي محمد عبده الي تلك الطائفة من الأئمة المستنيرين, الذين يؤمنون بأن النظر العقلي هو الأصل في الإسلام, والعقل عنده مقدم علي ظاهر الشرع عند التعارض. يقول الشيخ: إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل, وبقي في النقل طريقان: طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه, وتفويض الأمر الي الله في علمه, وطريق تأويل النقل مع المحافظة علي قوانين اللغة حتي يتفق معناه مع ما أثبته العقل( المرجع السابق ص76). التصالح مع العقل هو الأصل الثاني من أصول المنهج الإسلامي في الدعوة والحياة, وكل تعارض معه يصبح بمثابة العقبة التي ينبغي العمل علي إزالتها. وانطلاقا من هذين الأصلين المتكاملين والمتشابكين, يمكننا أن نصل إلي الأصل الثالث الذي ننشغل به في دراستنا هذه, وبلغة الإمام محمد عبده: البعد عن التكفير فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الايمان من وجه واحد حمل علي الإيمان, ولايجوز حمله علي الكفر( نفسه77) الاختلاف بين البشر هو القاعدة السائدة والغالبة, وليس لأحد من المختلفين في الرأي أو الرؤية أن يدعي احتكار اليقين او امتلاك الحقيقة المطلقة. وفي هذا السياق يمكن لنا أن نقرأ القرآن الكريم لنري كيف أن كثيرا من آياته تحتم حرية الرأي وتبيح الحق في اللتعبير دون قيد. الحرية أساس الوجود الإنساني: إن الحرية هي الأساس في وجود الإنسان في هذه الدنيا, بل هي الأساس في خلق الله تعالي للكون, وهي الأساس في فكرة اليوم الآخر. الإنسان مأمور بالتفكر في الحكمة من خلق السماوات والأرض: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار آل عمران:191 فالله تعالي لم يخلق السماوات والأرض عبثا, لقد خلقهما لهدف حق وجعل لهما أجلا معينا يلحقهما التدمير بعده: ماخلقنا السماوات والأرص ومابينهما إلا بالحق وأجل مسمي والذين كفروا عما أنذروا معرضون الأحقاف:3 وكل إنسان له اختياره حين يوجد علي هذه الإرض, ويعيش فيها فترة عمره المقدرة له سلفا, وبعد هذه الحياة يموت ويعود الي البرزخ الذي منه جاء. مطلوب من الإنسان في تلك الحياة أن يعرف أن الله أوجده في الدنيا لاختبار موعده في الحياة الأخري: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( الملك:2) اللافت للنظر أن الله تعالي قد جعل عناصر الاختبار متوازنة وعادلة, فقد خلق الإنسان علي الفطرة النقية, أي الميزان الحساس الداخلي الذي يميز بين الخير والشر, والذي يؤمن بالله وحده. وفي مقابل هذه الفطرة, سلط عليه الشيطان للغواية, وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب السماوية. وفوق ذلك كله, خلقه حرا في أن يطيع وأن يعصي, وفي أن يؤمن وأن يكفر. وجعل له سريرة يحتفظ فيها بكل أسراره ونوازعه ومشاعره وهواجسه وأفكاره بعيدة عن متناول كل مخلوق سواه لتكون له ذاتيته المستقلة, فإذا أراد أن يكون حرا كان حرا, وإذا أراد بمحض اختياره أن يكون عبدا لغيره من البشر ومن الأفكار كان كذلك. المهم أن الاختيار في يده هو, وعن طريق هذا الاختيار يستعمل الإنسان حريته كما يشاء, فإذا تسلط الآخرون عليه بقوانين غير إلهية وصادروا حقه في الكفر اختار هو في سريرته أن يكفر بل أن ينكر الفطرة في داخله, وينكر وجود الله الذي خلقه. إلي هذا الحد خلق الله تعالي الإنسان حر الإرادة إلي الدرجة التي يصل فيها بتفكيره الحر إلي إنكار وجود الخالق ذاته (أحمد صبحي منصور: حرية الرأي بين الإسلام والمسلمين ص43) لقد أعطانا الله تعالي حرية الإرادة في الدنيا ليختبرنا, وأنزل الدين الذي أمرنا باتباعه, وأنزل مع ذلك الدين كتبا سماوية ولم ينزل معها سيفا وملائكة تأمر الناس باتباع ذلك الدين ولم يجعل الجحيم في هذه الدنيا, بحيث أن من يكفر ويعصي يؤتي به ليلقي في الجحيم أمام أعين البقية من البشر, ولو فعل ذلك ماكان هناك اختبار أو امتحان, والله تعالي لم يعط سلطته في الدنيا لبعض الناس ليعاقبوا باسمه من اختلف معهم في الرأي, أو من كفر بالله. والذين يدعون لأنفسهم هذا الحق المزعوم, إنما يفسدون القضية من جذورها, ويتقمصون دور الإله حيث لا إله إلا الله, ويتحكمون فيما رغب التحكم فيه رب العزة حين ترك العقل الإنساني حرا بلا قيد, ويفكر بلا حدود ويؤمن إذا شاء ويكفر إذا أراد, ويعلن ذلك بجوارحه كيف أراد. هذه الفئة من البشر, علاوة علي أنها تزيف دين الله وتغتصب سلطاته التي ادخرها لذاته يوم الدين, فإنها أيضا تعطي الحجة لمن ينكر حساب الآخرة وعذاب النار, وحجتهم أنه إذا كان هناك إرغام علي الإيمان, وإذا كان هناك إكراه في الدين,فلا مجال حينئذ لأن يكون هناك حساب وعقاب يوم الدين. بل إنهم يعطون دين الله تعالي وجها قبيحا متشددا دمويا متحجرا متأخرا, ويسهمون في إبعاد أغلبية الناس عنه, وهذا الوجه القبيح لا علاقة له بدين الله تعالي, بل هو وجههم هم وهو دينهم هم الذي يناقض دين الله تعالي جملة وتفصيلا( المرجع السابق44) إن الإسلام لايغلق باب التفكر الحر في وجه الإنسان, بل يفتحه أمامه علي مصراعيه, والمجتهد في الدين الإسلامي لا إثم عليه فيما اجتهد فيه ولو أخطأ طريق الصواب, بل من اجتهد عنده وأصاب فله أجران, ومن اجتهد عنده وأخطأ فله أجر واحد, فالمصيب يأخذ أجرين علي اجتهاده وصوابه, والمخطئ يأخذ أجرا واحدا فقط علي اجتهاده, ولايثاب علي خطئه بل يعذر فيه فقط. وهناك فريق, علي رأسه الجاحظ والعنبري من أئمة المعتزلة, يري أنه لا إثم علي المجتهد مطلقا, وإنما الإثم علي المعاند فقط, وهو الذي يعرف الحق ولايؤمن به عنادا واستكبارا, فالمجتهد المخطئ عند هذا الفريق غير آثم, ولو أداه اجتهاده الي الكفر الصريح, لأن تكليفه عندهم بنقيض اجتهاده تكليف بما لايطاق, والتكليف بما لايطاق ممتنع شرعا وعقلا. وكل آيات القتال في القرآن ظاهرة في أن قتالنا الكفار مسوق بقتالهم لنا, فنحن نقاتلهم علي قتالهم لنا لا علي كفرهم. (عبد المتعال الصعيدي: حرية الفكر في الإسلام ص18) ويذهب الشيخ محمود شلتوت إلي أن من لم يؤمن بالله ولابرسله ولابنحو ذلك لايكون كافرا عند الله يخلد في النار, وإنما لاتجري عليه في الدنيا أحكام الإسلام, فلا يطالب بما فرضه الله علي المسلمين من العبادات, ولايمنع مما حرمه الإسلام كشرب الخمر وأكل الخنزير والاتجار بهما, ولا يغسله المسلمون إذا مات ولايصلون عليه, ولا يرثه قريبه المسلم في ماله, كما لايرث هو قريبه المسلم إذا مات( محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة ص112) أما الحكم بكفره عند الله فهو يتوقف عند أن يكون إنكاره لتلك العقائد أو لشيء منها بعد أن بلغته الدعوة علي وجهها الصحيح,واقتنع بها فيما بينه وبين نفسه, ولكنه أبي أن يعتنقها ويشهد بها عنادا واستكبارا, أو طمعا في مال زائل أو جاه زائف, أو خوفا من لوم فاسد, فإذا لم تبلغه تلك العقائد, أو بلغته بصورة منفرة, أو صورة صحيحة ولم يكن من أهل النظر, أو كان من أهل النظر ولكن لم يوفق إليها, وظل ينظر ويفكر طلبا للحق حتي أدركه الموت أثناء نظره, فإنه لايكون كافرا يستحق الخلود في النار عند الله( المرجع السابق ص20) وعلينا, علي ضوء هذا الفهم, أن نعيد النظر في جميع الآيات الواردة في القتال في القرآن, والآيات الواردة في الحرية الدينية, لنعي أن القتال لم يشرع لإكراه الناس علي اعتناق الإسلام كما يذهب البعض ممن أساءوا فهم آيات هذا الدين الحنيف, وإنما شرع لحماية الدعوة ومنع الفتنة في الدين كما قرر الجمع الأكبر من علماء المسلمين الثقاة. الأزمة الحقيقية أن بعض الدعاة يرددون بلا تبصر المفاهيم الفقهية التي تصادفهم في كتب أسلافنا العظماء دون أن يتبينوا أن لهذه المفاهيم أصولا تاريخية تعود إليها, وظروفا موضوعية سببت نشأتها, وسوغت وجودها, وأدت في ظلها وظيفتها. يتضمن القرآن الكريم عشرات الآيات الدالة, بشكل صريح مباشر, علي أن الإسلام يناصر حرية الرأي وحق التعبير وضرورة الاجتهاد وأهمية إعمال العقل. وغني عن البيان أن الأمر في حاجة إلي قراءة واعية مسلحة بروح العصر ومتمكنة من الإدراك الصحيح لجوهر القرآن. يقرر القرآن أن الله تعالي لو شاء لجعل الناس جميعا أمة واحدة أي خلقهم بلا اختيار منهم, يولدون مهتدين كالآلات المبرمجة علي الطاعة المطلقة, ولكن الله تعالي شاء أن يجعلهم أحرارا مختلفي الرأي منهم المؤمن ومنهم الكافر, منهم المهتدي ومنهم الضال, وكل منهم حسب اختياره وحسب مشيئته( أحمد صبحي منصور مرجع سابق45) يقول تعالي:( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين الأنعام:149 أي أن مشيئته تعالي تتدخل لحمل الناس علي الإيمان,ولو شاء لكان الناس جميعا مؤمنين إذ لايقف أمام مشيئته أحد, والدليل علي عدم تدخلها هو اختلاف الناس وحريتهم في الإيمان والكفر, وسيظلون مختلفين لأنها مشيئته تعالي التي لايعوقها شيء يقول تعالي ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين(118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين( هود:119) أمام البشر خيارات مختلفة,والله تعالي ينزل الكتاب ويبعث الأنبياء لتوضيح الحق من الباطل والعدل من الجور, ويترك للبشر حرية الاختيار بين هذا وذاك. يقول تعالي: وعلي الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين( النحل:9) والله تعالي, حيث يدعو للحق ويذكر الناس به, فإنه يقرر حريتهم في الاختيار ويسميها مشيئة أيضا, أي يعلي من قدر هذه الحرية. يقول تعالي: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلي ربه سبيلا المزمل:19 إذن فالهداية أمام الجميع, ومن شاء فليهتدي ومن شاء فليكفر. وفي النهاية, فكل نفس تهتدي لنفسها وتضل علي نفسها كل نفس بما كسبت رهينة( المدثر:38) هل بعد هذا تأكيد علي حرية البشر في الإيمان وحريتهم في الكفر أو اعتناق أي دين يشاءون؟