زعم الجاهليون -قديما وحديثا- أنه صلي الله عليه وسلم كان له من حدة الذكاء ونفاذ البصيرة وصفاء النفس وصدق التأمل ما يجعله يدرك مقاييس الخير والشر والحق والباطل ويتعرف علي خفايا الأمور بالكشف والوحي النفسي ولا يخرج القرآن عن أن يكون أثرا للاستنباط العقلي والإدراك الوجداني عبر عنه محمد بأسلوبه وبيانه! وأي شيء في القرآن يعتمد علي الذكاء والاستنباط والشعور؟: لقد ذكر القرآن أنباء من سبق من الأمم والجماعات والأنبياء والأحداث التاريخية وقائعها الصحيحة الدقيقة بما لا يدع مجالا لاعمال الفكر ودقة الفراسة ولم يعاصر محمد صلي الله عليه وسلم تلك الأمم وهذه الأحداث في قرونها المختلفة وحتي يشهدوقائعها وينقل أنباءها كما لم يتوارث كتبها ليدرس دقائقها ويروي أخبارها "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلي موسي الأمر وما كنت من الشاهدين". "وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون" ومنها أنباء دقيقة تناول الأرقام الحسابية التي لا يعلمها إلا الدارس البصير. ففي قصة نوح: "ولقد أرسلنا نوحا إلي قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون" وهذا موافق لما جاء في سفر التكوين من التوارة. وفي قصة أصحاب الكهف: "ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا" وهي عند أهل الكتاب ثلاثمائة سنة شمسية والسنون التسع هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية والقمرية فمن أين أتي محمد بهذه الدقائق الصحيحة لو لم يكن يوحي إليه وهو الرجل الأمي الذي عاش في أمة أمية لا تكتب ولا تحسب؟ هذا في الجانب الإخباري. أما في سائر العلوم التي تضمنها القرآن فإن قسم العقائد يتناول أمورا تفصيلية عن بدء الخلق ونهايته والحياة الآخرة وما فيها من الجنة ونعيمها والنار وعذابها وما يتبع ذلك من الملائكة وأوصافهم ووظائفهم وهذه معلومات لا مجال فيها لذكاء العقل وقوة الفراسة البتة ناهيك بما تضمنه القرآن من أحكام قاطعة عن أخبار المستقبل التي تجري علي سنن الله الاجتماعية في القوة والضعف والصعود والهبوط والبناء والدمار. أضف إلي هذا أن القرآن الكريم قد حكي عن رسول الله اتباعه للوحي. وأنه بشر لا يعلم الغيث ولا يملك من أمر نفسه شيئا "وإذ لم تأتهم بآية قالوا لولا أجتبيتها قل إنما اتبع ما يوحي إلي من ربي". وإن تعجب فعجب قولهم مع هذا كله وهكذا حكي لنا الله عن أسلافهم فإنهم لا يكذبوك "لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون".. ألا فقد قالوا ما لا يعلمون.