المستشار عنانى عبدالعزيز عنانى أعدنا جسور التلاقي مع »المركزي للمحاسبات« و»الرقابة الإدارية« في وقائع الفساد العقوبات غير الرادعة سبب انتشار الفساد المالي والإداري في الدولة ظل وضع هيئة النيابة الإدارية بمثابة هاجس يؤرق كل رؤسائها وظل الحلم يراودهم لتحسين أوضاعها.. ولكن الحكومات كانت تقف حجر عثرة في سبيل ذلك لعدم رغبتها في منحها صلاحيات واسعة، وكبلتها بأغلال أضعفت موقفها، وحمل المناخ السياسي فرصة لإعادة ترتيب أوراقها، والتخلص من القيود التي حالت دون قيامها برقابة فاعلة علي الجهاز الإداري للدولة. وتم سحب البساط من تحت قدميها فانتشر الفساد المالي والإداري في الدولة بين الموظفين لعدم وجود رادع والآن اتخذت خطوات لتصحيح مسارها في الدستور الجديد الذي تأمل أن يعطيها الحرية ويقيم جسور التلاقي مع الجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية، وتبادل المعلومات بشأن وقائع الانحراف في أجهزة الدولة، وتمكنت من إقناع النائب العام بتولي أعضاء النيابة الإدارية التحقيق في القضايا المستندية. ملفات كثيرة شائكة من طريقة القبول للأعضاء وكيفية إصلاح الجهاز الإداري للدولة من الفساد يتصدي لها المستشار عناني عبدالعزيز عناني رئيس هيئة النيابة الإدارية في هذا الحوار.. أحمد دياب يحاور المستشار عناني كيف بدأت الهيئة استعادة التعاون مجددا مع الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية.؟ - درست الوضع الذي أدي إلي ذلك ولم أجد أسبابا واضحة يمكن الوقوف عليها، وتقريب وجهات النظر، وإن كنت أتصور وجود مسئولية تقع فوق عاتق النيابة الإدارية في مسألة غياب التعاون، واتخذت خطوات جادة لإيجاد تعاون مثمر بإحداث صحوة بين أعضاء النيابة الإدارية ودفعهم نحو التعاون مع المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية، وبالفعل بدأ تطبيق ذلك علي أرض الواقع هل يتطلب هذا نوعا خاصاً من أعضاء الهيئة حتي يكون التعاون قائما علي منهج ؟ - أعضاء النيابة الإدارية يؤدون أداء حسنا يرقي للطموح الذي نسعي إليه، أشعر بأن هناك حالة من الخمول والكسل قد ضربت أداء الهيئة ويحتاج الواقع في ضوئها إلي دفعة قوية للعمل، لذلك أقمت منظومة تدريبية لجميع الأعضاء في كل المواقع لإكسابهم مزيدا من الخبرات في التعامل مع القضايا، والاستعانة بالجهات الأخري المعنية بالمساعدة في قضايا الفساد. ماذا ستفعل تجاه الوهن الذي أصاب مسيرة التحقيق في القضايا المعروضة علي النيابة الإدارية؟ - تحركت في اتجاه مهم يقيني أنه سيكون له أبلغ الأثر في تحريك المياه الراكدة، وتنشيط التحقيقات في مختلف القضايا، ودفع الأعضاء لإنجاز المهام المكلفين بها، وذلك من خلال رقابة دقيقة يقوم بها جهاز التفتيش الذي أوكلت إليه مهمة المتابعة الميدانية لأعمال أعضاء النيابة، وقياس مدي كفاءة الأداء. النيابة الإدارية أصابها خلل جسيم حال دون إنجاز القضايا، ماذا ستفعل لتصحيح الأوضاع؟ - الإصلاح بدأ من جانبنا بوضع برامج تدريبية تهدف إلي الارتقاء بمستوي المهارات، ودعم القدرة علي التعامل مع مختلف القضايا، وسنلزم الجميع بدراسة هذه البرامج والتزود بالمعارف والخبرات، وسنضعها كمعيار أساسي في عملية الترقية.. خطوات انطلاق تطوير النيابة الإدارية بدأت تنطلق، وأتصور أنه في غضون 6 أشهر سيتغير الوضع لتسير عمليات التحقيق أقوي مما كانت عليه. النظام الحاكم للجهاز الوظيفي للدولة يلقي بأعباء ثقيلة علي كاهل النيابة الإدارية؟ - في الماضي كان الجهاز الوظيفي للدولة يتعامل بنوع من الاستهانة مع النيابة الإدارية، ويضرب بقراراتها عرض الحائط، وقد نتج عن ذلك واقع صعب رسخ للفساد، وتجاهل المقترحات التي كنا نقدمها من أجل التغلب علي حالة الفوضي السائدة، والإصلاح لن يتحقق من طرف واحد، وإنما الوضع يحتاج في المقابل إلي إعادة النظر في الهيكل الوظيفي لأجهزة الدولة، لأنه أقيم علي نظام فاسد. ليست هناك قيمة لعمل النيابة الإدارية بينما هناك مناخ يشجع علي الانحراف وعدم الالتزام بالقانون، يتعين قبل كل شيء إيجاد مناخ مختلف يستطيع الجهاز الإداري للدولة العمل فيه كيف ستتعامل مع صلف الجهة الإدارية عندما تتحدي تنفيذ القرارات؟ - لم تعد جهة الإدارة تتعامل علي هذا النحو الذي كان سائدا من قبل.. فقد أصبحت تملك فكرا وثقافة مختلفة عن تلك التي كانت تعتنقها من قبل، وتخلصت بعض الشيء من كبريائها وصلفها، ولم تعد تعارض القرارات الصادرة من النيابة الإدارية، وإن كان يوجد بعض من التحايل علي طريقة التنفيذ. لن تصمت النيابة الإدارية تجاه تجاوزات الإدارة، وتحاول بشتي الوسائل اتخاذ التدابير والإجراءات التي تضمن تنفيذا فعليا للقرارات، وعدم تهرب الجهة الإدارية من الالتزام بها. القضية تحتاج الي وعي، وسنعمل علي نشر هذا الوعي، ولن نترك الأمور تسير علي غير هدي دون قواعد ملزمة. تقدم النيابة الإدارية تقريرا عن حجم المخالفات الموجودة في مؤسسة يصاحبه مقترحات لعلاجها.. كيف تنظر إليها جهة الإدارة؟ - المعضلة الأساسية رغم تغير نمط الإدارة واعتناقها لأفكار مختلفة تكمن في عدم تعامل القيادات الوظيفية العليا مع التقارير بنوع من الجدية والاهتمام بمحتواها وتنحيها جانبا في وقت يتطلب علاجات للمشكلات الموجودة هل لديك تفسير لتجاهل الحكومات السابقة تحسين وضع النيابة الإدارية بصلاحيات واسعة؟ - الحكومات لم تكن جادة في إصلاح هيئات ومؤسسات الدولة وتفضل التصرف في الانحرافات الموجودة فيها وفق الوسيلة التي تراها مناسبة وعملت علي تحجيم دور النيابة الإدارية ولم تشأ منحها صلاحيات واسعة وظلت ترفض إجراء التعديلات اللازمة علي القانون حتي لا تجد أجهزتها في موضع اتهام بل سعت للتربص بها وللإطاحة بما لديها من صلاحيات حتي قلصت دورها علي نحو مهين. هل ستلتزم الصمت تجاه استمرار إبعاد النيابة الإدارية عن ممارسة الرقابة علي شركات القطاع العام؟ - الأوضاع السائدة في التعامل رقابيا مع الشركات المملوكة للدولة والشريكة فيها لن تستقيم في ظل غياب النيابة الإدارية عنها، ولذلك سأتقدم بمقترح هدفه العودة إلي متابعة أداء الشركات التي تندرج تحت مسمي المال العام، لأنه ليس منطقيا في ظل الرغبة للتصدي للفساد أن تظل أوضاع شركات الدولة بعيدا عن يد النيابة الإدارية. تقدمت للنائب العام بطلب إسناد مهمة التحقيق في القضايا المستندية لأعضاء النيابة الإدارية هل لقي اقتراحك القبول؟ - خاطبته ووافق علي الاقتراح المقدم وأرسل جميع القضايا المستندية الحديثة للتحقيق فيها ويبلغ عددها20 قضية، وقد شرع المكتب الفني بالتحقيق فيها. واتخذت ذات المنهج مع الجهاز المركزي للمحاسبات وطالبت رئيسه المستشار هشام جنينة بوضع قواعد ومنهج عمل واتفقنا علي إرسال الوقائع التي فيها شبهة مخالفة للقانون للتحقيق فيها، كما أرسيت قاعدة في شأن التزود بمعلومات هيئة الرقابة الإدارية وأعطيت تعليمات واضحة لأعضاء النيابة الإدارية للاستعانة بالمعلومات التي توجد في حوزة الرقابة الإدارية للاستفادة بها في التحقيقات. هل تري إمكانية تحقيق ما يطالب به البعض بضم النيابة الإدارية إلي العامة؟ - وجود النيابة الإدارية كهيئة مستقلة ليس بدعة وتوجد في دول العالم بمسميات مختلفة ودمجها في النيابة العامة يشكل خطرا كبيرا علي ضبط إيقاع الجهاز الإداري نتيجة لاختلاف كامل في نظام العمل الذي يتبعه كل منهما. هل تغيرت فلسفة قبول أعضاء جدد في النيابة الإدارية؟ - كانت التحريات التي تجري حول المتقدمين للاختبار تدفع لاستبعاد 50٪ منهم علي اعتبار أنها تتضمن أشياء كثيرة أما الآن فقد وضعنا قواعد جديدة لنظام القبول والتحريات التي تجري بشأن المتقدمين لم تعد تقوم علي النشاط السياسي. لم نعد نعتد إلا بالجرائم الجنائية وقد طبقنا ذلك بالفعل، وأصبح الأمر متاحا لمن كانوا يعانون من قبل استبعادهم نتيجة العيوب السياسية. بماذا تفسر انتشار الفساد المالي والإداري في الجهاز الحكومي؟ - السبب العقوبات غير الرادعة التي تصدرها المحاكم التأديبية علي المتهمين رغم جسامة المخالفات، فلابد من تغليظ العقوبات علي جرائم الرشوة والاختلاس والاستيلاء علي المال العام وجرائم هتك العرض وإفساد الأخلاق، بالإضافة إلي إعادة النظر في نظام محو الجزاءات التأديبية بما يكفل أن يكون ملف الموظف معبرًا عن خط سيره في العمل، مع تشديد العقوبات في حالة العودة أو الاعتياد علي ارتكاب الجرائم التأديبية، وإعادة النظر في العقوبات التأديبية التي توقع علي المحالين للمعاش؛ لأن العقوبات الحالية ضعيفة الأثر، حيث يتعين أن تكون الغرامة المحكوم بها علي المخالف مساوية لقيمة الضرر المالي. هل من وسيلة للقضاء علي الرشوة وخاصة في المحليات ؟ - لابد من رفع الحد الأدني لأجور الموظفين بما يكفل لهم العيش الكريم، وتفعيل نظم الرقابة الداخلية والمسئولية الإشرافية، مع فصل تلقي الطلبات عن أداء الخدمة، علي أن يكون التعامل المباشر مع الجمهور في أضيق الحدود، وتشديد العقوبات في تلك الجرائم، بحيث يتقرر لها عقوبة الفصل من الخدمة أو الحرمان من المعاش. هل يوجد قصور في القوانين المتبعة لبيع أراضي وأملاك الدولة؟ - طبعا فجميع قوانين بيع أملاك الدولة تحتاج إلي إعادة نظر، لأنها هي التي كان ينفذ منها الفاسدون إلي ارتكاب جرائمهم وتجريف أصول وأملاك الدولة، في ضوء فساد مقنن تشريعيًا، ومن هذه القوانين قانون بيع أراضي الدولة الصحراوية، حيث يقرر المشرع القاعدة ثم يضع الاستثناء عليها، فأصبحت القاعدة تطبق علي من لا حظ لهم، والاستثناء يطبق علي المحظوظين، ومن ذلك مثلا أن المشرع وضع قاعدة عامة بأن يكون الأصل في البيع بالمزاد العلني وبالسعر الذي تحدده اللجنة الفنية المنصوص عليها في المادة 15 من القانون، وهي اللجنة العليا لتنمية الأراضي، وحدد الحد الأقصي للملكية إلا أن المشرع نص في المادة 14 من ذات القانون علي أن يجوز التصرف أو التأجير بغير طريق المزاد العلني للمشروعات التي تفيد بحسب طبيعتها وحجمها في الاقتصاد القومي، وذلك بموافقة مجلس الوزراء بناء علي اقتراح الوزير أو رئيس هيئة تنمية المشروعات الزراعية، ويحدد مجلس إدارة الهيئة الشروط والضوابط الخاصة بهذا البيع بما فيها ثمن البيع، وهو ما تم في قضية بيع 26 ألف فدان بالعياط للشركة الكويتية. كيف يمكن تلافي عيوب قانون بيع أراضي الدولة الصحراوية؟ - بإصدار قانون جديد يتلافي أوجه القصور، ويتعين فيه أن يكون بيع أو تأجير أو انتفاع أو استغلال الأراضي الصحراوية للدولة وفقًا لقانون المناقصات والمزايدات. ما تصوركم لتنظيم عمل الهيئة في ضوء مطالبات الأعضاء باستقلالها عن الجهة التنفيذية؟ - نحن كهيئة قضائية شأننا شأن جميع الأجهزة في الدولة ننتظر الدستور الجديد فنحن ننتظر ما سيسفر عنه الدستور الجديد وحينما تعلن المسودة الأولية التي ستطرح للنقاش المجتمعي فسيكون لنا حديث آخر وفق ما سنقرأه فيه.. ومن حقنا كجهة قضائية إبداء الرأي في صياغته وفي وضعنا فيه خاصة وأن الدستور ينص علي أن كل جهة ينظمها قانونها ولدينا معلومات بأن الدستور الجديد سيكفل صلاحيات أوسع للنيابة الإدارية. هيئة الرقابة الإدارية هل سيتم الغاؤها بالفعل في الدستور الجديد كما يردد البعض؟ - هذا كلام عار تماما من الصحة فالهيئة لن يتم إلغاؤها بل إنها أعدت قانونا جديدا لتنظيم عملها.. لأن الهيئة جهاز رقابي مهم جدا في الدولة ولو أحسن استغلالها في إطار الدور المنوط بها فسوف تكون جهازا في غاية الروعة لأنه سيكشف كل المفاسد التي تمارس في الجهاز الإداري للدولة. وكيف سيكون دورها بعد إقرار الدستور الجديد؟ - الدولة ستدعم الرقابة الإدارية بشدة في الفترة المقبلة وهو جهاز يكمله الجهاز المركزي للمحاسبات فالهيئة ذات طابع بوليسي أما المحاسبات فذو طابع مستندي إذ يوثق الفساد بالمستندات وبالتالي فالجهازان لا غني عنهما.. ونحن كهيئة نيابة إدارية سنحقق في كل ما يتوصلان اليه. هل من الممكن معرفة القضايا التي يتم التحقيق فيها الآن بالهيئة؟ - سنعلن احصائية وبيانا تفصيليا في نهاية العام الجاري بكل القضايا التي تولت الهيئة التحقيق فيها وأحالتها إلي الجهات والمحاكم المختصة وكذلك القضايا التي مازالت قيد التحقيقات وعموما فإن نسبة إنجاز القضايا تخطت ال60٪ كما يتم الانتهاء حاليا من القضايا التي نتولاها بالسرعة المطلوبة. وما أهم تلك القضايا التي تمس المواطنين ؟ - هناك قضايا مازالت علامات الاستفهام مثارة بشأنها ومنها ما يتعلق بتسهيل بيع أرض بالعياط للشركة الكويتية المصرية عام 1995 بسعر 200 جنيه للفدان كأرض زراعية ثم تم استغلال الأرض للبناء وبالتالي هناك شبهة فساد وإهدار للمال العام لكن وظيفتنا هنا مثلا ليست الوصول للمخطئين ففي قضية كهذه سيكونون بالمئات ومن صغار الموظفين ولكن هدفنا الوصول إلي فرق سعر البيع من زراعي إلي مبان وقيمة الفدان الفعلية لأنه سيكون بالمليارات وبذلك نكون قد قدمنا خدمة جليلة للوطن وللقائمين علي إدارة البلاد. وماذا عن أبرز الشخصيات والهيئات الخاضعة للتحقيق في هذه القضايا؟ - نتولي حاليا التحقيق مثلا في شبهة إهدار للمال في عهد د.عبدالله الحسيني وزير الأوقاف الأسبق ومخالفات مالية في ترميم قصر محمد علي تقدر ب200 مليون جنيه كما أننا تلقينا مؤخرا تقريرا مهما من الجهاز المركزي للمحاسبات يؤكد وجود عجز مالي بنقابة التجاريين يقدر ب36مليون جنيه وأنها لم تقم بسداد التأمينات طوال سنوات وإذا صحت هذه الاتهامات فستكون كارثة.. وأود أن أذكر ان النيابة الإدارية تولت التحقيق في قضية سرقة لوحة زهرة الخشخاش التي أثيرت قبل الثورة وفي الوقت الذي أدانت فيه الهيئة 20 مسئولا وإبعاد الكثيرين من الخدمة بالفصل أمرت النيابة العامة بإحالة 4 فقط إلي المحاكمة ومحاكمة بعض الموظفين بالخارجية في تزوير أذون بالوزارة.