ظل وضع النيابة الإدارية بمثابة هاجس يؤرق رئيسها المستشار عناني عبدالعزيز, وعلي مدي سنوات طويلة كان يراوده حلم إصلاح أوضاعها, وتحطمت أحلامه علي صخرة الحكومات السابقة. فلم تكن تريد منحها صلاحيات واسعة, وكبلتها بأغلال أضعفت موقفها, ووجد في المناخ السياسي الفرصة سانحة ليعيد ترتيب أوراقها, والتخلص من القيود التي حالت دون قيامها برقابة فاعلة علي الجهاز الإداري للدولة, واتخذ خطوات جادة صوب مسيرة الإصلاح, وبدأ من أعضاء الهيئة ليكتب لهم واقعا مختلفا يعينهم علي إنجاز التحقيقات في أسرع وقت ممكن. وأعاد إحياء التعاون مع الجهاز المركزي للمحاسبات, والرقابة الإدارية, وتبادل المعلومات بشأن وقائع الانحراف في أجهزة الدولة, وتمكن من إقناع النائب العام بتولي أعضاء النيابة الإدارية التحقيق في القضايا المستندية. ملفات كثيرة شائكة يتصدي لها المستشار عناني عبدالعزيز رئيس هيئة النيابة الإدارية في هذا الحوار: أول الملفات التي بدأت التصدي لها.. غياب تعاون الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية.. ماذا فعلت لبناء جسور التعاون معهما؟ درست الوضع الذي أدي إلي ذلك ولم أجد أسبابا واضحة يمكن الوقوف عليها, وتقريب وجهات النظر, وإن كنت أتصور وجود مسئولية تقع فوق عاتق النيابة الإدارية في مسألة غياب التعاون, واتخذت خطوات جادة لإيجاد تعاون مثمر بإحداث صحوة بين أعضاء النيابة الإدارية ودفعهم نحو التعاون مع المركزي للمحاسبات, والرقابة الإدارية, وبالفعل بدأ تطبيق ذلك علي أرض الواقع. قاطعته: هذا يتطلب تدريبا من نوع خاص لأعضاء النيابة الإدارية حتي يكون التعاون قائما علي أسس؟ لن أجزم بأن أعضاء النيابة الإدارية يؤدون أداء حسنا يرقي للطموح الذي نسعي إليه, أشعر بأن هناك حالة من الخمول والكسل قد ضربت أداء الهيئة ويحتاج الواقع في ضوئها الي دفعة قوية للعمل, لذلك أقمت منظومة تدريبية لجميع الأعضاء في كل المواقع لإكسابهم مزيدا من الخبرات في التعامل مع القضايا, والاستعانة بالجهات الأخري المعنية بالمساعدة في قضايا الفساد. ماذا ستفعل تجاه الوهن الذي أصاب مسيرة التحقيق في القضايا المعروضة علي النيابة الإدارية؟ تحركت في اتجاه مهم يقيني أنه سيكون له أبلغ الأثر في تحريك المياه الراكدة, وتنشيط التحقيقات في مختلف القضايا, ودفع الأعضاء لإنجاز المهام المكلفين بها, وذلك من خلال رقابة دقيقة يقوم بها جهاز التفتيش الذي أوكلت إليه مهمة المتابعة الميدانية لأعمال أعضاء النيابة, وقياس مدي كفاءة الأداء, والوقوف علي طبيعة العمل علي أرض الواقع. قلت له: سيتبع نظام عمل جهاز التفتيش قواعد ملزمة لأعضاء النيابة الإدارية لسرعة إنجاز التحقيقات؟ المهمة التي وضعتها في عنق جهاز التنفيش تقوم علي قياس معدلات الأداء, والوقوف فوق الأسباب التي تدعو لوجود عقبات تحول دون تحقيق أعضاء النيابة الإدارية للمعدلات المطلوبة في إنجاز القضايا, وفي ضوء ذلك قررت ربط عملية نقل أعضاء النيابة بين المحافظات المختلفة بما يقوم به كل عضو من إنجاز للمهام المسندة إليه, ولن نجيب طلبات النقل إلا في ضوء إنجاز حقيقي للعضو يحققه في الانتهاء من القضايا الموجودة لديه. النيابة الإدارية أصابها خلل جسيم حال دون إنجاز القضايا, مما أسهم في استشراء الفساد داخل الجهاز الإداري.. فماذا ستفعل لتصحيح الأوضاع؟ الإصلاح بدأ من جانبنا بوضع برامج تدريبية تهدف إلي الارتقاء بمستوي المهارات, ودعم القدرة علي التعامل مع مختلف القضايا, وسنلزم الجميع بدراسة هذه البرامج والتزود بالمعارف والخبرات, وسنضعها المعيار الأساسي في عملية الترقية.. خطوات انطلاق تطوير النيابة الإدارية بدأت تنطلق, وأتصور أنه في غضون6 أشهر سيتغير الوضع لتسير عمليات التحقيق أقوي مما كانت عليه. النظام الحاكم للجهاز الوظيفي للدولة يلقي بأعباء ثقيلة علي كاهل النيابة الإدارية؟ في الماضي كان الجهاز الوظيفي للدولة يتعامل بنوع من الاستهانة مع النيابة الإدارية, ويضرب بقراراتها عرض الحائط, وقد نتج عن ذلك واقع صعب رسخ للفساد, وتجاهل المقترحات التي كنا نقدمها من أجل التغلب علي حالة الفوضي السائدة, والإصلاح لن يتحقق من طرف واحد, وإنما الوضع يحتاج في المقابل إعادة النظر في الهيكل الوظيفي لأجهزة الدولة, لأنه أقيم علي نظام فاسد. ليست هناك قيمة لعمل النيابة الإدارية بينما هناك مناخ يشجع علي الانحراف وعدم الالتزام بالقانون, يتعين قبل كل شيء إيجاد مناخ مختلف يستطيع الجهاز الإداري للدولة العمل فيه. كيف ستتعامل مع صلف الجهة الإدارية عندما تتحدي تنفيذ القرارات؟ لم تعد جهة الإدارة تتعامل علي هذا النحو الذي كان سائدا من قبل.. فقد أصبحت تملك فكرا وثقافة مختلفة عن تلك التي كانت تعتنقها من قبل, وتخلصت بعض الشيء من كبريائها وصلفها, ولم تعد تعارض القرارات الصادرة من النيابة الإدارية, وإن كان يوجد بعض من التحايل علي طريقة التنفيذ. لن تصمت النيابة الإدارية تجاه تجاوزات الإدارة, وتحاول بشتي الوسائل اتخاذ التدابير والإجراءات التي تضمن تنفيذا فعليا للقرارات, وعدم تهرب الجهة الإدارية من الالتزام بها. القضية تحتاج الي وعي, وسنعمل علي نشر هذا الوعي, ولن نترك الأمور تسير علي غير هدي دون قواعد ملزمة. تقدم النيابة الإدارية تقريرا مفصلا عن حجم المخالفات الموجودة في مؤسسة يصاحبه مقترحات لعلاجها.. كيف تنظر إليها جهة الإدارة؟ المعضلة الأساسية رغم تغير نمط الإدارة واعتناقها لأفكار مختلفة تكمن في عدم تعامل القيادات الوظيفية العليا مع التقارير بنوع من الجدية والاهتمام بمحتواها وتنحيها جانبا في وقت تتضمن علاجات للمشكلات الموجودة. هل لديك تفسير لتجاهل الحكومات السابقة تحسين وضع النيابة الإدارية بصلاحيات واسعة؟ الحكومات لم تكن جادة في إصلاح هيئات ومؤسسات الدولة وتفضل التصرف في الانحرافات الموجودة فيها وفق الوسيلة التي تراها مناسبة وعملت علي تحجيم دور النيابة الإدارية ولم تشأ منحها صلاحيات واسعة وظلت ترفض إجراء التعديلات اللازمة علي القانون حتي لا تجد أجهزتها في موضع اتهام بل سعت للتربص بها وللإطاحة بما لديها من صلاحيات حتي قلصت دورها علي نحو مهين. هل ستلتزم الصمت تجاه استمرار إبعاد النيابة الإدارية عن ممارسة الرقابة علي شركات القطاع العام؟ الأوضاع السائدة في التعامل رقابيا مع الشركات المملوكة للدولة والشريكة فيها لن تستقيم في ظل غياب النيابة الإدارية عنها, ولذلك سأتقدم بمقترح هدفه العودة إلي متابعة أداء الشركات التي تندرج تحت مسمي المال العام, لأنه ليس من المنطقي في ظل الرغبة للتصدي للفساد أن تظل أوضاع شركات الدولة بعيدا عن يد النيابة الإدارية. كنت قد تقدمت إلي النائب العام تطالبه بإسناد مهمة التحقيق في القضايا المستندية لأعضاء النيابة الإدارية هل لقي اقتراحك القبول؟ خاطبته ووافق علي الاقتراح المقدم وأرسل جميع القضايا المستندية الحديثة للتحقيق فيها ويبلغ عددها20 قضية, وقد شرع المكتب الفني بالتحقيق فيها. واتخذت ذات المنهج علي الجهاز المركزي للمحاسبات وطالبت رئيسه المستشار هشام جنينة لوضع قواعد ومنهج عمل واتفقنا علي إرسال الوقائع التي فيها شبهة مخالفة للقانون للتحقيق فيها, كما ارسيت قاعدة في شأن التزود بمعلومات هيئة الرقابة الإدارية وأعطيت تعليمات واضحة لأعضاء النيابة الإدارية للاستعانة بالمعلومات التي توجد في حوزة الرقابة الإدارية للاستفادة بها في التحقيقات. هناك من بين القضايا التي أحالها إليك النائب العام ما يعكس وقائع فساد خطيرة؟ مازالت القضايا الواردة من مكتب النائب العام نقوم علي فحصها وكشف أبعاد الفساد الموجود فيها, وقد تصدي المكتب الفني لأهمها وأخطرها وتتعلق بواقعة حدثت في نقابة التجاريين بالكشف عن عجز في الموازنة الخاصة بها بمبلغ قيمته35 مليون جنيه, بالإضافة إلي التوقف عن سداد مستحقات التأمينات لعدة سنوات عن أعضاء النقابة وستعلن علي وجه السرعة نتائج التحقيقات بعد الانتهاء منها. هل تري ثمة منطقا فيما يطالب به البعض بضم النيابة الإدارية إلي العامة؟ وجود النيابة الإدارية كهيئة مستقلة ليس بدعة وتوجد في دول العالم بمسميات مختلفة ودمجها في النيابة العامة يشكل خطرا كبيرا علي ضبط إيقاع الجهاز الإداري نتيجة لاختلاف كامل في نظام العمل الذي يتبعه كل منهما. هناك وضع تسعي إليه النيابة الإدارية في الدستور الجديد يختلف حوله البعض.. من الممكن القبول بوضع آخر؟ نعلق الآمال علي الدستور الجديد, ولن نقبل بغير تحقيق كامل للاستقلال حتي نتمكن من وضع قانون للهيئة يصلح ما أفسده النظام السابق وأتصور أن الوقت المناسب قد حان ليصبح ذلك حقيقة وواقعا ولن نقبل بوضع يكبل النيابة الإدارية بقيود جديدة أو يسمح باستمرار الوضع القائم. ما الحقيقة فيما قيل بوجود مشكلات تحيط بقبول أعضاء جدد بالنيابة الإدارية؟ تم الانتهاء من إجراءات قبول دفعة2008 بالكامل أما2009 فتوجد بشأنها تظلمات كثيرة يبلغ عددها2000 تظلم وسيتم فحصها حتي نتمكن من إنهاء الإجراءات المتعلقة بها قبل نهاية العام الحالي وتبقي دفعتا2010 و2011 والإجراءات المتعلقة بهما لم تنته بعد ولن نستطيع الانتهاء منها إلا خلال العام المقبل, نحن لدينا مشكلة في زيادة أعداد خريجي الحقوق والنيابة الإدارية يفترض أنها تحتاج إلي150 عضوا جديدا لكن تحت الضغوط يرتفع العدد إلي250 عضوا وهذا يفوق الاحتياج الفعلي. تغيرت فلسفة قبول أعضاء جدد في النيابة الإدارية أم أنها مازالت تسير علي خطي الماضي؟ كانت التحريات التي تجري حول المتقدمين للاختبار تدفع لاستبعاد50% منهم علي اعتبار أنها تتضمن أشياء كثيرة أما الآن فقد وضعنا قواعد جديدة لنظام القبول والتحريات التي تجري بشأن المتقدمين لم تعد تقوم علي النشاط السياسي. لم نعد نعتد إلا بالجرائم الجنائية وقد طبقنا ذلك بالفعل, وأصبح الأمر متاحا لمن كانوا يعانون من قبل استبعادهم نتيجة العيوب السياسية.