في ولاية فلوريدا الأمريكية أعلنت إحدي الكنائس عن تخصيص يوم الحادي عشر من سبتمبر كيوم عالمي لحرق المصاحف في واحدة من أسوأ الإساءات للقرآن الكريم والإسلام والمسلمين، ملصقات دعائية علي حافلات النقل في كبري المدن الأمريكية تدعو المسلمين للإرتداد عن دينهم ووقف مايسمي بأسلمة أمريكا، استجواب سبعة مسلمين أمريكيين لمجرد أدائهم للصلاة في إحدي محطات البنزين بولاية نيفادا، مقتل مسلم بريطاني مسن بصورة وحشية علي يد صبيين أمام أحد المساجد، واعتداء علي مسلمة في سكوتلندا ونزع حجابها بالقوة، إسبانيا تغلق بالشمع الأحمر مسجدا وتعتقل إمامه، برلمانات أوروبا وحدت جهودها لحظر الحجاب والنقاب وتقييد بناء المساجد والهجرة إليها . كل تلك الممارسات تأتي في إطار وقف المد الإسلامي في الوقت الذي تهتز فيه أركان الكنيسة الكاثوليكية جراء الفضائح الجنسية والمالية حول العالم وانتشار الإلحاد والمحاولات لاسترجاع ذاكرة وميراث العداء بين الغرب والإسلام ليتحول الغرب لساحة للتطرف والعداء للإسلام تحديدا أو العدو الأخضرالذي يهدد - كما يدعون- الهوية والحضارة الغربية. هناك تخوف حقيقي لدي الغرب من الزحف الإسلامي السلمي الهاديء والذي لايستخدم سوي سلاح الكلمة والحوار وفي أسباب إقبال الغربيين علي الإسلام تأتي أغلب الإجابات من المسلمين الجدد أنهم وجدوا إجابات منطقية عن أشياء حاروا فيها طويلا عن الوجود والكون في الإسلام كما أنهم عاشوا طويلا مع أفكار مغلوطة عن المسلمين استمدوها من مناهج التعليم ووسائل الإعلام مثل ربطهم بصور نمطية سلبية ومشوهة كالإرهاب والدموية وحرمان المرأة من حقوقها، كما أن الحملات العنيفة ضد الإسلام تأتي بنتائج عكسية لأنها تلقي بالمزيد من الأضواء علي الدين الجديد بالنسبة للكثيرين من أبناء الغرب الذين يسارعون لمحاولة معرفته وهو ماحدث بصفة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وتشيرالإحصاءات إلي أن نحو 20 ألف أمريكي يتحولون للإسلام سنويا معظمهم من طبقات تتمتع بثقافة ومستوي معيشة مرتفع (عدد المسلمين في أمريكا وصل إلي ثمانية ملايين نسمة) في الوقت الذي أعلن فيه ربع المسيحيين الكاثوليك في ألمانيا (5 ملايين مواطن) عن رغبتهم في الخروج من الكنيسة بسبب فضائح الاعتداء الجنسي علي الأطفال في ألمانيا وعدة دول أوروبية وأمريكية وتستر الكنيسة عليها كما صدر حكم مؤخرا بحبس قس ألماني عشرة أشهر بتهمة التحرش الجنسي بفتيات قاصرات والخوف من الإسلام تعكسه تصريحات بابا الفاتيكان التي كرر فيها إساءاته منذ محاضرته الشهيرة بإحدي الجامعات الألمانية عام2006 كما أقدم قس إنجيلي ألماني علي الانتحارحرقا خوفا من انتشار الإسلام وتزايد معتنقيه بصورة كبيرة في القارة الأوروبية. حملة عالمية المواجهة بين الغرب والإسلام تمتد علي مساحة الأرض وتتعدد أشكالها وصورها مابين سياسية وعسكرية واقتصادية ودينية فالحرب علي الإرهاب ماهي إلا صدام مباشرمع الإسلام وأكثر من مليار ونصف المليار مسلم في بقاع العالم أمريكا وريث الاستعمارالقديم الذي كان بدوره وريثا للحملات الصليبية علي المشرق العربي كل هؤلاء في معركة مستمرة عبر الزمن بين حضارتين وثقافتين من الصعوبة بمكان أن يجتمعا لاجغرافيا ولاتاريخيا واتسمت فصول الصراع بصدامات عنيفة عبر التاريخ تركت ميراثا من العداء بين الطرفين يبدو أنه سيشهد فصولا جديدة وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بعد الإعلان عن إطلاق حرب عالمية علي الإرهاب قادتها واشنطن وشاركها حلفاؤها وكانت أرض المعركة بطول وعرض العالم الإسلامي من أفغانستان إلي العراق ولم تقتصر الحرب علي العمل العسكري وإنما امتدت إلي ماوصف بتجفيف منابع الإرهاب بتصفية كافة مظاهر العمل الخيري الإسلامي والعمل علي تغيير المناهج التعليمية وملاحقة المسلمين في البلدان الغربية ووضعهم في قوائم الاشتباه، كما شهد العالم الإسلامي تكثيفا للنشاط التبشيري في أفريقيا وآسيا من الكنائس الكاثوليكية والإنجيلية اعتمادا علي فراغ الساحة من الجمعيات الإسلامية والكوارث التي حلت ببعض مناطق العالم (الزلازل والفيضانات في آسيا والفقر في أفريقيا) ويكفي القول أن النشاط التبشيري في منطقة حوض النيل هو أحد أسباب توتر العلاقات بين دول المنبع والمصب , وفي آسيا تشهد أندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية من حيث السكان (أكثر من مائتي مليون نسمة) حملات تنصير شاملة استغلالا للفقر والنتائج المأساوية للفيضانات يشارك فيها الآلاف من الجمعيات والمؤسسات المسيحية العالمية وسبق أن أصدر الفاتيكان عام 2007 اعتبر أن للكنيسة الكاثوليكية الحق في نشر رسالتها التبشيرية بين غيرالمسيحيين بينما كان الأولي بها أن تبشر في الداخل الغربي المهتريء دينيا والذي انقطعت صلته بشكل شبه كامل بالكنيسة والفضائح التي زكمت الأنوف في كافة مناطق العالم ولم يكتف بابا الفاتيكان المثير للجدل بمحاضرته الشهيرة للطعن في الإسلام ورسوله الكريم(صلي الله عليه وسلم) بل واصل نهجه العدائي بإطلاق تصريحات تحريضية واتهام العرب باضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط وقلقه علي مستقبلهم محذرا من اختفائهم بسبب الصراعات في المنطقة، كما تواصلت الإساءات عبر وسائل الإعلام الغربية من الرسوم الدنماركية إلي الأفلام وبذاءات مقدمي البرامج التليفزيونية وغيرهم ثم الحرب علي الحجاب في أوروبا والتي بدأت من فرنسا ثم تواصلت مع النقاب من خلال القوانين التي شرعتها البرلمانات الأوروبية لحظر كافة الرموز الإسلامية كما امتدت الحملة إلي المساجد وتقييد إقامتها بحظر المآذن في سويسرا والاحتجاج علي إقامة مساجد في مناطق بعينها (الجدل المثار حاليا حول إقامة مسجد بجوار برجي مركزالتجارة العالمي اللذين يجري إعادة إنشائهما) والاعتداء علي المقابرالإسلامية ثم المسلمين ومن أسوأ الحوادث مقتل (مروة الشربيني) علي يد متطرف ألماني داخل قاعة محكمة بمدينة (دريسدن) الألمانية في يوليو من العام الماضي والحكم عليه بالسجن مدي الحياة ثم مؤخرا قتل مسن مسلم علي يد صبيين بريطانيين أمام أحد المساجد بلندن كما اعترف مكتب التحقيقات الأمريكي بأن العام الماضي شهد وقوع أكثرمن مائة جريمة كراهية ضد المسلمين من جماعات متطرفة ولكن جاء الحدث الأبرز والأخطر في دعوة راعي ومالك كنيسة »دوف« في فلوريدا للاحتفال بالذكري التاسعة لأحداث 11 سبتمبرالحالي بجعله يوما عالميا لحرق القرآن الكريم ووضع لوحة أمام الكنيسة بأن (الإسلام من الشيطان) ثم قيام جماعة أمريكية تحمل شعار (أوقفوا أسلمة أمريكا) بوضع ملصقات علي الحافلات العامة في عدد من المدن الكبري في أمريكا تدعو المسلمين للارتداد عن دينهم بهدف إثارة الفزع من الإسلام. وهكذا تتواصل فصول العداء تجاه كل ماهو إسلامي في الغرب ليؤكد علي المخاوف التي تنتاب نخبه السياسية والثقافية من زحفه الوئيد لسحب البساط من تحت أقدام المناهضين له ولن تفلح محاولات ملاحقة أتباعه لأن ذلك يعمق من وجوده ويأتي خصما من الحريات العامة التي طالما تشدق الغرب بأنها أساس حضارته وازدهارها كما أن الهزائم المتوالية للمشروعات الاستعمارية للغرب في العالم الإسلامي تكرس لهزيمة منطق الغزو والقوة كأحد مرتكزات المشروع الغربي واستمرار موجات الهجوم علي الإسلام سيزيد من إقبال الغربيين عليه واعتناقه خاصة أن الدراسات تشير إلي أن العامل الديموغرافي خلال العقود الزمنية القادمة لن يعمل لصالح الغرب وإنما لصالح بلدان العالم الإسلامي التي تزيد فيها معدلات النمو السكاني بصورة كبيرة بينما تتناقص في الغرب فضلا عما تمتلكه البلدان الإسلامية من ثروات طبيعية وبشرية وآفاق للتطور والنمو. وإذا كان الغرب جادا في الحوار مع الشرق الإسلامي فإن البداية تكون باستبعاد لغة التعالي والعنصرية والغرورالتي طالما حكمت العلاقة بين الطرفين طويلا فتحت مظلة الإنسانية تتساوي الحقوق والأمان الوحيد لإنسان هذا العصرهو أن يعيش في سلام وأن يدع الآخرين يعيشون تحت نفس المظلة.