حدثت هذه القصة في خلافة عبدالملك بن مروان، وكان هذا الخليفة من أقوي خلفاء بني أمية، ولد في خلافة ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، وعاش في المدينة وتتلمذ علي يد بعض كبار الصحابة، حتي قيل عنه إنه كان من أفقه خلفاء بني أمية، واستطاع بعد أن تولي الخلافة عام 56ه أن يقضي علي كل من خرج علي الدولة الأموية، ويعيد للخلافة قوتها وسطوتها، حتي اعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الأموية بعد معاوية بن أبي سفيان. وأراد هذا الخليفة أن يؤدي فريضة الحج، فأصطحب معه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان خالد هذا قريبا من قلب الخليفة لرجاحة عقله، وأثناء الحج لفت نظر خالد بن يزيد فتاة بارعة الجمال، وتأثر بهذا الجمال حتي أنها استولت علي تفكيره، وسأل عنها وعرف أنها رملة بنت الزبير بن العوام. وعندما انتهت مناسك الحج، استأذن خالد من الخليفة أن يظل بمكة بعض الوقت، وألا يعود مع الخليفة إلي الشام وكان لابد أن يعرف الخليفة السبب وراء تخلفه في مكة، وعرف أنه وقع في حب رملة، وأنه يريد أن يتزوجها، وألا يعود إلي الشام إلا وهي معه كزوجة له. وسأل الخليفة خالدا عن هذا الحب الذي ملأ عليه جوانب نفسه، وقال له: ماكنت أقول إن الهوي يستأثر مثلك؟ فقال خالد ما ملخصه: إنه كان يتصور أن الحب لم يخلق إلا للشعراء والأعراب، الشعراء لأن حرفتهم تدفعهم إلي السير وراء الخيال، ولأنهم يتغزلون، وإن غزلهم مغرق في الخيال، وذلك يجعلهم يقعون في الحب، وكذلك الأعراب الذين لا يستطيعون دفع الهوي عنهم. وابتسم الخليفة وهو يستمع لخالد وقال له: أفكل هذا قد بلغ بك؟ فقال خالد والله ما غشيتني هذه البلية قبل وقتي هذا. وذهب خالد إلي بيت رملة، طالبا الزواج منها، وتزوجها بالفعل، ورحل بها عائدا إلي الشام.. وكان يردد أبياتا من الشعر منها: أحب بني العوام طرا لحبها ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا تجول خلاخيل النساء ولا أري لرملة خلخالا يجول ولا قلبا والمعني أنه يحب بني العوام وأخوال رملة لحبه لها، وأن زوجته جميلة، وليست نحيفة ولذلك لاتتحرك خلاخيل النساء، ولا سوار معصمها لامتلاء جسمها فليست من النحيفات.. إنه منطق المحبين في كل العصور.. إنه سلطان القلب!