»الرغيف قبل الكمبيوتر«.. هذا الشعار العبقري يلخص احتياجات البشر في زمن الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم وتعتصرنا بشكل خاص، حتي أننا صرنا علي أعتاب ثورة جياع بدأت بالفعل.. المهم أن الكمبيوتر الذي يتصدر الجملة السابقة هو رمز لمصادر المعرفة الحديثة التي تتضمن القراءة عبر صفحاته أو صفحات المطبوعات الورقية التي صارت تعاني نقص الإقبال عليها بصورة متفاقمة، فقد كاد الكتاب يصبح من الآثار الدالة علي ثقافة زمن ماض قبل أن تقتحمه الفضائيات وتزلزل كيانه، كذلك أجهزت الأسعار المرتفعة للكتاب علي ماتبقي له من شعبية بين البسطاء الشغوفين بالثقافة والذين أصبحت أولوياتهم غذائية نتيجة تفاقم الغلاء وشيوع الفقر، فمن الذي يملك أن يستنزف ثمن الطعام لشراء كتاب مهما كانت أهميته المعرفية؟! أعرف وأسمع عن كثيرين من ورثة المكتبات الخاصة النفيسة التي أفني أصحابها أعمارهم في تكوينها بينما قام هؤلاء الورثة بعرضها للبيع لأنها لن تملأ بطونهم الخاوية ولن تزيح عنهم الجوع الكافر فهي الآن رفاهية لمن يملك قوت يومه وقد قام أصحابها بتكوينها في زمن الرخاء عندما كان الكتاب رخيصا والرغيف في متناول الجميع وبمواصفات آدمية... يعني كان السابقون يملأون البطون والعقول بالتساوي أما الآن فالجياع لايملكون رفاهية البحث عن المعرفة والثقافة.. وفي خبر مثير بجريدة أخبار الأدب (3 مارس الحالي) يقول محتواه إن الغرب بدأ يبتعد تدريجيا عن القراءة وأن هناك أربعة ملايين شخص لايلتقطون كتابا لقراءته وذلك لضيق الوقت وهو سبب مغاير لأسبابنا التي ترتبط بالفقر والإنفاق الموجه للغذاء كأولوية قصوي وهم رئيسي، فمن من فقرائنا الجياع يستطيع أن يتجاوز الغذاء إلي الثقافة والقراءة التي تعتبر بحق رفاهية لايقدر عليها سوي الميسورين، وحتي المكتبات العامة أو مابقي منها، والتي تمنح الناس حق استعارة الكتب هي أيضا في مأزق طاحن بسبب تدني مستوي التعليم وبالتالي اندحار مستوي الثقافة وعزوف الناس عنها.. فالجيل الجديد يعتمد معرفيا علي الفضائيات التي تضخ الغث فتملأ الرؤوس الخاوية بالخلل الفكري! إن إحدي أهم وظائف الإعلام هي دعم الثقافة بالبرامج المدروسة الهادفة.. أما وظيفة الدولة والحكومة فهي القضاء علي الجوع حتي ينمو المجتمع بصورة صحية تدرأ عنه الخلل الأمني وتقضي علي ثورة الجياع بإحلال ثورة المعرفة والتقدم مكانها.