كنت أقرأ كتاب ( أبو حنيفة بطل الحرية والتسامح في الإسلام) للمستشار عبد الحليم الجندي، واستوقفني حديثه عن القضاء ومكانته في الإسلام. فالرسول (ص) قال: القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار، قاض عمل بالحق في قضائه فهو في الجنة، وقاض علم الحق فجار متعمدا فذلك في النار، وقاض قضي بغير علم واستحيا أن يقول لا أعلم فهذا في النار«. ويورد كيف نادي عثمان بن عفان رضي الله عنه عبد الله بن عمر وقال له: »اذهب فاقض بين الناس« قال: أتعافيني يا أمير المؤمنين؟ قال: وماتكره من ذلك وكان أبوك يقضي؟ قال: إن أبي كان يقضي فإن أشكل عليه شيء سأل رسول الله (ص) فإن أشكل علي رسول الله (ص) شيء سأل جبريل، وإني لا أجد من أسأله«. فالقضاء مهنة جليلة تستوجب العدل، وتحري الدقة في الأحكام، ومن هنا كان للقاضي مكانة عظيمة في الإسلام. ويروي لنا الكتاب أنه دخل علي (الشعبي) في مجلس القضاء زوجان، فأدلت الزوجة بحجتها وكانت بارعة الجمال، فلما فرغت من بيانها التفت القاضي إلي المدعي عليه يسأله: وما دفاعك؟ فرد الشيطان علي غير استحياء بهذه الأبيات: فتن الشعبي لما رفع الطرف إليها فتنته بدلال وبخطي حاجبيها قال للجلواز قربها وأحضر شاهديها فقضي جورا علي الخصم ولم يقض عليها والجلواز في الفارسية، هو الحاجب في العربية أو الشرطي. وسمع عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي بهذه الواقعة.. ومرت الأيام وجاء القاضي إلي دمشق ودخل علي أمير المؤمنين، وتذكر أمير المؤمنين أبيات الرجل وضحك وقال: فتن الشعبي لما رفع الطرف إليها.. وسأل القاضي: ماذا فعلت بالرجل؟ قال : أوجعته ضربا يا أمير المؤمنين بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة وما افتري به عليَ. قال عبد الملك بن مروان له: أحسنت..