لم يكد يفيق قطاع السياحة من حادث المنطاد الذي وقع في مدينة الأقصر الأسبوع الماضي وراح ضحيته 19 سائحا أجنبيا حتي وقع أخيرا حادث تصادم أتوبيس يقل فوجا سياحيا أثناء رحلته من "أسوان إلي أبوسمبل" راح ضحيته سائح صيني. جسد السياحة المصرية أصيب بالوهن بسبب كثرة الضربات الموجعة التي تعرض لها علي مدي العامين الأخيرين بداية من اختطاف السياح وحوادث التصادم وغرق الفنادق العائمة، وصولا إلي حادث المنطاد فلم تعد السياحة تتحمل كوارث أكثر من ذلك، فمن المظاهرات والاحتجاجات الفئوية والعنف المنتشر في محافظات عدة وحوادث الطرق المستمرة، كل هذا جعل موقف مصر ووضعها علي خريطة السياحة العالمية مأساويا خاصة مع دعوات إسرئيل لجذب السياح واستغلال الوضع الأمني وأخيرا الحوادث المتكررة.. فماذا تفعل السياحة وسط هذا التدهور وماهي الجهود التي تروج وتسوق لها، فما إن تقوم الوزارة بخطط وتحاول تنفيذها إلا وتقع كارثة أخري جديدة، وما علي وزير السياحة إلا أن يبدأ من نقطة الصفر ويراعي في ذلك أنه مطالب بمواجهة الإعلام الدولي وشركات السياحة العالمية ومنظمي الرحلات للسائحين. بالفعل نحن أمام أزمة جديدة تضاف إلي أزمة السياحة المصرية التي تراجعت حجوزاتها المستقبلية، وهنا تكمن الخطورة، فالحجوزات الجديدة لموسم الربيع والصيف ضعيفة للغاية بسبب حالة الانقسام السياسي التي تشهدها مصر راهنا، بخلاف اشتعال الأوضاع ميدانيا. ومن خلال هذا التحقيق نحاول التعرف علي التأثيرات السلبية التي وقعت علي السياحة جراء هذه الحوادث. يقول أبو علي (أحد المرشدين السياحيين بالأقصر): بعد مقتل 19 سائحا في حادث المنطاد المروع الذي راح ضحيته سياح من آسيا وأوروبا تعيش الأقصر حالة من الرعب والخوف علي لقمة العيش التي تهدد المدينة بأكملها حيث يتكسب غالبية سكان الأقصر قوتهم من الأفواج السياحية ولم يكن حادث المنطاد هو الوحيد الذي يؤثر علي لقمة العيش بل إن هناك العديد من الأسباب وعلي رأسها ما يحدث من تداعيات واضطرابات في القاهرة التي تبعد مئات الكيلومترات، فهناك الجميع يتصارع علي السلطة وهو ما سيسفر عن اندلاع العنف في شوارع القاهرة وباقي المحافظات وبالنهاية تأتي الكوارث فوق السياحة التي تعتبر هي المنفذ الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد الآن ولم يفهم أحد ذلك، فمع انهيارها يصعب الحصول علي العملة الصعبة وشراء احتياجات المواطنين فلم تعد مصر تصنع أي شيء، جميع الماكينات يتم استيرادها من الخارج لذلك فنحن بحاجة إلي الدولار الذي تلاشي تواجده مع هروب وخوف السياح من الأوضاع الأمنية في مصر فجميع المسئولين يهملون صناعة السياحة. يضيف أبوعلي: علي الرغم من أن السنوات الماضية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك لم تكن تشهد ازدهارا سياحيا إلا أنها كانت تشهد استقرارا نسبيا ففي عام 2010 كانت المعابد مكتظة وتباع التذاكر وزيارات المقابر الأثرية في غضون ساعات الآن الأماكن خالية تقريباً فبلغ عدد السياح الذين زاروا مصر عام 2010 نحو 14.7 مليون لكن بعد مرور عامين علي ثورة 25 يناير لاتزال أعداد السائحين أقل بكثير من أوقات الذروة كلما تزيد حدة التوتر في شوارع القاهرة والصراع السياسي المتكرر علي السلطة وتبث القنوات والشاشات في الدول الأوروبية والآسيوية التي يأتي منها غالبية السياح. وعلي الجانب الآخر يقول المهندس مجدي العباسي (صاحب إحدي القري السياحية بشرم الشيخ): تدهور وانهيار السياحة لم يكن منذ ثورة 25 يناير فقط بل شهد تراجعا طفيفا خلال العامين الأخيرين قبل ثورة يناير ولكن لم يأخذ المنحي المنحدر إلا في ثورة يناير والأخطر من ذلك أن السياسة التي يتبعها النظام الحالي تؤدي إلي تراجع نسبة السياحة بأكملها ولكنها تخطط إلي التركيز علي دول معينة ونوعية محددة من السياح خلال الفترة المقبلة لاسيما بعد زيارة الرئيس محمد مرسي إلي إيران وكان جميع العاملين في وزارة السياحة يعلمون قبل الزيارة أن لها تأثيرا بالغ الخطورة علي سياح الدول الأوربية وليس أمريكا لأنها تعلم جيدا كيف تحصل علي مصالحها في مصر . ويضيف مجدي: نستطيع القول إن زيارة الرئيس لإيران هي القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يخص السياحة وبالتالي الاقتصاد المصري الذي يرتبط بما يتبعه منها في حصوله علي العملات الصعبة التي تخلو منها البنوك الآن، وبالنسبة لشرم الشيخ فمن المعروف أن موسم السياحة بالنسبة لها شهر يناير حيث يأتي إليها جميع السياح من دول أوروبا وآسيا وهو ما شهد انخفاضا ملحوظا وركودا لم يسبق له مثيل علي مدار السنوات السابقة، فالفنادق خالية وبالتالي المحلات خالية والجميع في حالة ركود وإحباط والأصعب أن أصحاب الشركات السياحية والفنادق والقري الآن مدينون إلي العمال والحرس والمطاعم فهم لايملكون غلق الأماكن السياحية ولا العمل بها فالسياسة التي يتبعها النظام الحالي وضعت السياحة في مصر بين نارين وذلك من أجل الاتجاه إلي دول بعينها دون إدراك حجم الخسارة التي من الممكن أن تقع علي الاقتصاد المصري الذي كان مخططا له أن ينهض مع تولي رئيس مدني أمور البلاد . ويوافقه الرأي محسن عبدالقادر (صاحب أحد الفنادق بشرم الشيخ): السياسة التي يتبعها النظام الحالي، إما أنها لاتدرك أبعاد ما تفعل من مخاطر أو أنها تقصد السير علي خطة متبعة تجاه دول بعينها ولكنها تجذب السفينة بشدة وبالنهاية المخاطر والخسائر الاقتصادية خطيرة والجميع يدرك أن هناك خطة متبعة ولكنها ليست مدروسة بشكل صحيح فقبل أن تنفذ خطة ما يجب أولا أن تدرس مخاطرها ومكاسبها ولا تكون أنانيا في الحصول علي ما تريد دون النظر إلي باقي الخسائر التي تقع علي مؤسسات الدولة بالإضافة إلي أن السياحة مؤسسة مهمة يجب أن تضعها في الصورة وتوضح لها ما تريد أن تفعل حتي تساعدك علي خطتك إذا كانت صحيحة ومن ناحية أخري تستغل إسرائيل الأوضاع الأمنية بمصر وتعمل علي جذب السياح لها، ويكشف تقرير أعدته وزارة السياحة الإسرائيلية زيادة قدرها 10٪ في عدد السائحين الذين وصلوا إلي إسرائيل في الفترة الأخيرة وأن متوسط مدة إقامة السائح تصل إلي 82 ليلة وتبين أن حوالي 71٪ يقيمون في فنادق أو قري سياحية، بالإضافة إلي أنها خلال الفترة الأخيرة أقامت معرضا للسياحة وهو يقام للعام التاسع عشر علي التوالي شارك فيه للمرة الأولي ممثلون عن دولتي تايوان والفلبين بخلاف 150 وكيلا سياحيا يمثلون 30 دولة وشاركت فيه أيضا كل من اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا والدول الإسكندنافية، إضافة إلي الهند وأسبانيا وكرواتيا وجورجيا والمجر ولاتفيا وكينيا وغانا ومولدوفيا وكولومبيا وسلوفينيا وتنزانيا وفيتنام وبلغاريا وإيطاليا واليونان وقبرص والإكوادور وبنما والتشيك ومالطا وصربيا وبيلاروسيا ودول أخري، وكان الهدف الرئيسي غير المعلن لهذا المعرض في دورته الحالية خطف السائحين من مصر بحجة ضعف الوضع الأمني فيها. يعلق علي مستوي تدهور السياحة في مصر عادل عبدالرازق عضو اتحاد الغرف السياحية، ويقول إن القطاع السياحي يمر الآن بأسوأ حالاته خاصة بعد حادث المنطاد والحوادث المتكررة من تصادم الأتوبيسات إضافة إلي أنه يعاني من مرض خطير قد يودي به إذا لم تلتفت إليه الدولة وتقدم له العلاج المناسب المتمثل في الاستقرار السياسي ووضع خطط لتنشيط السياحة. يضيف عبد الرازق أن هناك نسبة تراجعات كبيرة في حجوزات العديد من المدن السياحية حيث لم تتجاوز بها نسبة الإشغالات في الأقصروأسوان 10٪ و، تراجعت في شرم الشيخ إلي 30٪، موضحا أن نسب الإشغالات ليست الأهم الآن إنما ضعف الطلب علي المقصد السياحي خارجيا هو الأهم والمشكلة الأصعب التي تواجه مصر حالياً.