"سقوط هيبة الدولة" شبح يخيف المصريين وبخاصة مع انتشار العنف والبلطجة في أنحاء الجمهورية فالقائمون علي الأمر يتحركون من أرضية رد الفعل لا يتوقعون شيئا وتخاصمهم ملكة التخيل لما يمكن أن يحدث، دائما متفاجئون ودائما يتحركون بعد فوات الأوان. الأسبوع الماضي شهد وقوع حادثتين تكشفان تراجع هيبة الدولة، الأولي حين تعرض قصر الاتحادية الرئاسي لمحاولة اقتحام إحدي بواباته بواسطة ونش والثانية سرقة سيارة المهندس سعد الحسيني محافظ كفر الشيخ والاستيلاء علي السلاح الميري الذي كان يمتلكه أفراد حراسته. وقال الحسيني في أقواله لرئيس النيابة الكلية لشرق طنطا إنه تعرض لواقعة الاعتداء عليه، بعد قيام مجهولين باعتراضه علي الطريق الدائري بالمحلة الكبري وسرقة سيارته والعديد من متعلقاته وهواتفه المحمولة وحقيبة أوراق خاصة به، وسرقة السلاح الخاص بحارسه. مضيفا أن هناك أشخاصا مجهولين لا يعرفهم قاموا بالاتفاق مع المتهمين علي قتله مقابل الحصول علي 100 ألف جنيه وعند مشاهدة المتهمين له عدلوا عن قتله. وفيما يتعلق بواقعة الونش حاولت بعض العناصر من المتظاهرين في محيط قصر الاتحادية الرئاسي إسقاط باب القصر باستخدام سلك مربوط عبر أحد الأوناش بهدف اقتلاع الباب وإسقاطه أرضا. وقال شهود عيان إن قوات الحرس الجمهوري المتواجدة داخل القصر أدركت الأمر وقامت بقطع السلك ومطاردة المعتصمين أمام القصر وإبعادهم عن نطاق »الاتحادية« دون الدخول معهم في اشتباك. وأضاف الشهود أن قوات الحرس الجمهوري تحفظت علي السلك والونش المستخدم في محاولة اسقاط باب القصر. وقال الدكتور وائل علام رئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة المنوفية إن هيبة الدولة هي المانعة للفوضي والمعطلة للمتآمرين، لكنها ليست موجودة بدليل أن المعارك الأخيرة بين الأمن والمتظاهرين والتي شهدت تبادلا لإطلاق النار لم يحدث من قبل في مصر، من حيث كمية الذخيرة الحية وأنواع الأسلحة الآلية التي استخدمت خلالها. وأضاف أن هيبة الدولة يتولاها مسؤولون أقوياء بقبضات حديدية تطبق القانون، وليست حريرية تحوله إلي فوضي وقتل وتدمير، مشيرا الي أن السلاح يحمله المصريون الآن بلا خوف من شرطة أو جيش. وتساءل: من الذي حول المواطنين المصريين إلي ميليشيات مسلحة تتقاتل ولا تتورع عن القتل الجماعي بلا رحمة ومن أين جاءت كل تلك الأسلحة والذخيرة الحية التي ملأت سماء القاهرة والمحافظات خلال الأيام الماضية . وأشار إلي أنه بمجرد تراجع هيبة الدولة انطلقت الفوضي في أنحاء البلاد من دون أن يكون هناك عقاب رادع وستبقي إجراءات الحكومة حبراً علي ورق ما دامت ترتدي قبضتها الحريرية، معتبرا أن شرارة تراجع هيبة الدولة بدأت تتجلي مع وقوع مجزرة بورسعيد الأولي مطلع فبراير 2102 والتي راح ضحيتها 74 مواطناً مصرياً في مباراة كرة قدم لم يذهبوا ضحية شغب رياضي، بقدر ما قُتلوا بسبب غياب هيبة الدولة، وتجرّؤ الصغير والكبير علي القوانين، حتي أصبح انتهاكها حقاً مكتسباً تحت شعار 'حقي في الثورة". وأوضح أن الدولة هيبة فإن ضاعت هيبتها لن يستطيع أحد فرضها، فالقوانين يُلوح بها لكن لا يتم تطبيقها إلا نادراً، لا تجد في كل زاوية شرطي يمنع الناس من السرقة لكنهم يعلمون أن عاقبة السرقة ستكون قاسية وهكذا تفرض الدول نظامها بالخشية من مخالفتهاأكثر من مراقبة تطبيقها. وشدد رئيس قسم القانون الدولي بجامعة المنوفية علي أن الدول تعتمد في هيبتها علي احترام النظم والقوانين من قبل الجميع فتبث في نفوسهم شعوراً بالتهيب والوجل ما يمنعهم من تحديها وانتهاك هذه الأنظمة ومتي ما اقتنعوا أنهم بتجاوزهم سيجدون عقاباً رادعاً فإذا تجرّأوا وآمنوا بأنهم في حل من تلك العقوبة، استمرأوا هذه التصرفات لتصبح عادة لهم وتزداد شريحة المتحدين لقوانين الدولة وأنظمتها وتكون استباحتها مشروعة تحت مسميات عدة. من جانبه قال الدكتور محمد عبدالسلام الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن هناك من يظن خطأ أن تطبيق القانون أمر يعارض الحرية والديمقراطية وأن التعدي المتكرر علي أجهزة الدولة الرئيسة كما يحدث في مصر راهنا من هجوم علي قصر الاتحادية يندرج تحت باب التعبير عن الرأي لمخالفات تحدث هنا وهناك، متناسين أن سقوط هيبة مقر رئيس الدولة هو سقوط للدولة نفسها، وبالتالي يصبح الشارع هو الذي يحكم لا القانون وهناك فارق كبير بين إصلاح أجهزة الدولة وتحديها. وأشار إلي أن الاعتداءات المتكررة علي قصر الاتحادية مؤشر خطير علي أن الديمقراطية حتي الآن لم تفعل فعلتها في مصر وبخاصة بعد وصول رئيس منتخب من قبل الشعب إلي سدة الحكم. وأوضح أن سقوط هيبة الدولة خطير جدا، وتجرؤ المواطنين علي النظم والقوانين لا يمكن إصلاحه بسهولة، فالدول تحكم بهيبتها لا بأجهزتها الأمنية وهيبة الدول هي التي تمنع الفوضي فإذا سقطت عاشت الدولة في فوضي إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. في السياق، قالت الدكتورة إيمان محمد صبري أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة إن أبرز التغيرات التي أصابت الشخصية المصرية بعد ثورة يناير 1102 هي سهولة تعرضها للإثارة العصبية لأتفه الأسباب وأن التحكم في الغضب مستحيل مع عدم وجود هيبة للدولة واحترام القانون مشيرة إلي أن سقوط حاجز الخوف لدي المواطن المصري أتاح الفرص الانفلات والفوضي. وأضافت أن المواطن المصري قبل الثورة كانت تغلب عليه حالة من الإحباط المقترن بالخوف تحول تدريجيا إلي مشاعر من السلبية واللامبالاة والخضوع غير أنه بعد الثورة ارتفع سقف الطموحات في عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية. وتابعت: مع مرور الأيام والشهور تجاوزت 24 شهرا لم يتحقق أمر واحد منها فأصابته بالإحباط الشديد الذي تحول إلي الغضب ومنة إلي العنف أوصلتنا إلي ما شهدناه في الأسبوعين الماضيين. ومن جانبه حذر الداعية الإسلامي، الشيخ محمد حسان، في خطبة ألقاها قبل أيام من أنه لو سقطت هيبة الدولة فسوف يكون السقوط علي الجميع وسيدفع الثمن الجميع، ودعا إلي حوار وطني شامل، تكون أولي خطواته صدق النية، مطالباً الحكماء من الإسلاميين والقوي المدنية بالعمل علي لم شمل الأمة. وحذّر الشيخ حسّان في خطبته من انقسام الشعب بين مؤيد ومعارض ودعا إلي حوار وطني شامل تغيب فيه المصالح الخاصة وتخلص فيه النيّات من أجل مصر متسائلاً: "ماذا يحدث الآن في الساحة المصرية؟، اختلاف القلوب داء واختلاف العقول ثراء فلم الصدام إذن؟، ولم الشقاق إذن؟، ولماذا تُسفك قطرة دم واحدة بين أبنائها المؤيدين والمعارضين؟ فكلهم أبناء شعب مصر، ولا يجوز أن تسفك قطرة دم واحدة علي أرض مصر". وأضاف في سياق خطبته، "صبراً يا مصر لا تحزني فلن ينسي التاريخ قيادتك للأمة العربية والإسلامية لأكثر من 300 عام، ولن ينسي التاريخ قيامك بكسوة الكعبة الشريفة طوال ألف عام، يا مصر بكِ خزائن الأرض، كما قال النبي يوسف عليه السلام، وعلي ترابك مشي الأنبياء.