لا أحد ينكر أن الفساد بأشكاله المختلفة استشري بمجتمعنا حتي أضحي كالسوس الذي ينخر في العظام طيلة الثلاثين عاما الماضية فهناك قضية فساد كل دقيقتين وكان المواطن البسيط هو أول ضحاياه مما دفعه لأن يثور علي الفرعون وزبانيته الذين ساهموا في ترسيخ الفساد في كافة قطاعات الدولة وتعتبر الرشوة أحد أشكال الفساد بمسمياتها المختلفة (كالدخان والشاي والبقشيش). ومن الصعوبة أن يتم إنجاز الخدمات الجماهيرية للمواطنين في المصالح الحكومية دون دفع تلك الجنيهات والغريب أن تجد ذلك الموظف يطلبها منك بكل جرأة ووقاحة ونادرا ما تجد موظفا يتمتع بالنزاهة وينجز عمله دون اللجوء لتلك الأساليب الفاسدة. وحتي بعد قيام ثورة يناير لم تختف تلك العادات بل إنها استفحلت نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد علي حد زعم المرتشين ولا يمر يوم إلا ويتهم موظف كبير أو مسئول بتقاضي رشوة ما فبحسب الدراسة الأخيرة التي أعدتها منظمة النزاهة والشفافية الدولية أشارت إلي أن الرشاوي المتجذرة في المجتمع تلتهم أكثر من 6 مليارات دولار سنويا وهذا المبلغ كفيل بالقضاء علي الأمية في القري والنجوع المختلفة ويعتبر من أسباب تفاقم ظاهرة الفقر ويتمركز انتشار الظاهرة في قطاعات بعينها أبرزها الكهرباء والتموين. كما تراجعت مصر إلي المرتبة ال 011 بين الدول المحاربة للفساد ولم تكن تلك الدراسة وحدها التي تحدثت عن الرشوة بل إن الدراسة التي أعدها الدكتورعبد المحسن جودة الأستاذ بجامعة المنصورة أكدت أن أكثر من 06٪ من المواطنين يقبلون الرشاوي تحت بند الإكراميات والعمولات ولا عزاء للأخلاق وبالطبع يضع هذا التقرير حكومات مابعد الثورة في موقف حرج ويدفعها لاتخاذ القرارات اللازمة لدحض الفساد. فهل ستنظر الحكومة الحالية بعين الاعتبار لمثل تلك الدراسات والتقارير وتحاول طرح حلول جدية لمثل تلك المشكلات كسبيل لنهضة وطننا وتعاقب المرتشين بالفعل؟ أم ستظل في طي النسيان وحبرا علي ورق ولاتعيرها أي انتباه كما كان النظام البائد يفعل؟هذا ماننتظره لاحقا وستكشف عنه التقارير الدولية القادمة. ويعلق علي تلك الظاهرة من الناحية القانونية الدكتور مدحت رمضان أستاذ القانون الجنائي: بكلية الحقوق جامعة القاهرة قائلا إن المشرع يعاقب علي جريمة الرشوة في المواد من (301 - 111) من قانون العقوبات وتنص علي "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة يعد مرتشيا"ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن 0001 جنيه ولا تزيد علي ما أعطي أو وعد به. ويؤكد د.رمضان أن الوقاية خير من العلاج لأن تكدس الإدارات الحكومية بالموظفين ليس لهم فائدة، فيجب تقليل أعدادهم ورفع كفاءة الباقين منهم ورفع مرتباتهم وعمل دورات تدريبية لهم كذلك لابد من وجود سياسة الورقة الواحدة من خلال عمليات إرشادية توضح حقوق وواجبات المواطن والخطوات التي يجب أن يتبعها عند الرغبة في إنهاء مصلحة معينة. وعن رأي أساتذة الاجتماع في تلك الظاهرة تقول الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع:مما لاشك فيه أن النظام البائد نشر الفساد في كافة أرجاء البلاد وساعد في توغله خاصة أن كبار المسئولين بالنظام استفحلت ثرواتهم واتهموا بالكسب غير المشروع. ولعل "رشوة المرسيدس"آخر ماتم كشف النقاب عنه فاذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص. وعن رأي الدين في ظاهرة الرشاوي ومدي تأثيرها السلبي علي المجتمع تقول الدكتورة آمنة نصير عميدة كلية الدراسات الإسلامية السابقة بجامعة الأزهر: لاشك أن الرسول([) وضع الأساس المتين لبناء المجتمع السليم وتحدث فيما يتصل بقضية الرشوة فقال عنها "الراشي والمرتشي في النار" فهي عمل لا أخلاقي ويتنافي مع الدين ومع صالح المجتمع.