كتبت بالأمس عن الدراسة الطريفة حول الفساد والرشوة التي تتناول علاقتهما بعضهما البعض، وتاريخهما المشترك، وارتباطهما ببعض الجرائم الأخري، وكيف أنهما الأوسع انتشارا والأقل في تلقي العقاب. واليوم أكمل الحديث عن تلك الدراسة وما جاء فيها. في أحد مستشفيات مدينة (بنجالور) بجنوب الهند، تدفع السيدات رشوة بالإجبار حتي يأتي الطبيب المتخصص ويقوم بمساعدتهن علي الولادة. وحوالي 70% منهن يضطررن لدفع رشوة أخري لرؤية أطفالهن الذين ولدنهم. والطريف أن تسعيرة رؤية الطفل الولد تختلف عن البنت؛ فقد يصل مبلغ الرشوة إلي 300 روبية من أجل الولد ولكنه لا يتعدي ال 200 لرؤية الابنة!! وهذا ما يسمي بالرشاوي الصغيرة. إذ إن هناك نوعين من الرشوة.. الكبيرة والصغيرة. الرشاوي الصغيرة هي ما يجعل الحياة اليومية للمواطن العادي حياة سوداء بكل معني الكلمة. إذ إنه لا يستطيع التحرك وقضاء مصالحه الشرعية اليومية العامة دون دفع رشوة صغيرة للموظف المختص. وتقول الدراسة إنه بالرغم من صغر مقدار النقود التي تدفع في هذا النوع من الرشاوي إلا أنها متعددة وممتدة، وتبدأ من استخراج الأوراق، إلي خروج السلع من الجمارك، إلي تمكين الناس من الهجرة بطريقة غير قانونية، إلي تسهيل الحصول علي خط تليفون، إلي رشاوي التعليم والحصول علي شهادات. والكارثة في هذا النوع من الرشاوي هو نتيجته في استبعاد الفقراء تماما وبصورة قطعية من تلك الخدمات التي اعتاد القائمون عليها علي تلقي الرشاوي. ومن لا يدفع، لا يأخذ! أما الرشاوي الكبيرة فهي التي تتم في شكل صفقات سرية ويكون المبلغ المدفوع أو مقدار المنحة المقدمة، أو العمولة المتفق عليها كبيرا جدا، وغالبا ما يكون طرفا الرشوة أحد الموظفين الكبار من أصحاب السلطة من ناحية، ورجال الأعمال المستفيدين من تلك الصفقة من ناحية أخري. وتقول الدراسة إن الرشاوي الكبيرة قد لا تنكشف، بل تبقي في الظلام والكتمان إلي الأبد ولا يعلم عنها شيء. علي عكس الرشاوي الصغيرة المعروفة لدي الجميع. بل قد يتدخل فيها في معظم الأحيان رجال الحسابات والأموال بحيث تتم تغطية مصدر النقود ويكاد يصبح من المستحيل معرفته. وقد لا يشعر المواطن العادي بتلك الصفقات الكبيرة إلا عندما تنكشف. وحتي حين يقرأ عنها في الصحف، قد لا يشعر شعورا مباشرا بمدي الضرر الذي تحدثه له هو وأسرته. لكنه بالتأكيد يعرف الفرق جيدا بين الرشاوي الصغيرة القانونية والرشاوي الصغيرة غير القانونية وأثر كل منهما عليه. بالطبع لا توجد رشوة قانونية ولكن المقصود بالتعبير هنا هو أن يقوم المواطن بدفع رشوة من أجل قضاء مصلحة قانونية وشرعية وليست ضد القواعد والقوانين. فقد يدفع رشوة لاستخراج ورقة قانونية ليسهل العملية ويقصر الوقت. وكثيرون يعتبرون أن هذا النوع من الرشاوي ليس عيبا ولا حراما لأنه لا ينتهك القانون ولا يعطي الراشي أكثر من حقه ولا يسلب حقوق غيره علي عكس الرشاوي التي تستهدف ما هو فوق القانون. تبقي الرشوة مع هذا أوضح صور الفساد في أي مجتمع كبيرة كانت أو صغيرة، قانونية أو فوق القانون.