لنا جار عاش موظفا روتينيا منغلقا صابرا ، مطيعا لرؤسائه وللقانون ، راضيا بقليله .. خرج علي المعاش منذ أكثر من عشرين سنة ناقما من ظلم ما لا نعرف تفاصيله .. لا أعرف ملامح جارنا عن قرب ، لكن مربع العمارات بات يميّزه من صوته الاذاعي الصباحي الجهوري .. يبدأ يومه وينتهي ، بنفس تفاصيل الروتين منذ المعاش .. يبكر لقراءة كل سطر من الطبعة الأولي لجريدة الأهرام ، وفي نفس الركن من البلكونة .. يلتهم الاخبار والموضوعات كأنها رسائل موجهة اليه شخصيا ، ويصدقها كأن هناك من يراقبه للابلاغ عن شكوكه ! .. بعدها يتنحنح كالأسد ، ويتجه الي المطبخ للافطار ، حيث تنطلق اذاعته الصباحية .. وهي حوار مزعج من طرف واحد كالفضائيات مع زوجته المسكينة ،التي لا يهمها إلا أخبار الوفيات والأسعار .. يؤكد ويعلن وجوده في الحياة باستعراض الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، مشمولة برأيه الخاص ، وهو نفس رأي الجريدة .. ويختم باستمتاع بأخبار المحاكم .. يبشرها بإصرار عجيب علي التفاؤل ، بقرب الفرج بصدور حكم النقض لصالحه ، في قضيه رفعها من ثلاثين عاما !! .. كسب فيها الابتدائي في خمس سنوات ، وخسر الاستئناف في ثلاث.. ودخل النقض ولم يخرج! .. أما أنا، فأدركت أن جاري ليس جزءا من ملامح الصباح ، وأنه حالة تستحق الكتابة ، من معلومة في رسالة وصلتني من الاستاذ محمد خلف ، المهتم بشئون القضاء ، كما وقع الايميل الطويل الغاضب من حال حراس القانون .. ويتساءل :- هل يصدق أحد انه خلال الجمعية العمومية للقضاء ، كشف المستشار عادل عبد الحميد رئيس محكمة النقض عن وجود207 آلاف قضية مر عليها أكثر من 30 سنة دون الفصل فيها ، واصفا تراكم الطعون بالكارثة!. الكارثة الحقيقية ان رئيس محكمة النقض ، المنقذ ، يستغيث .. لهذا أسأل المستشار سري صيام ، الرئيس الجديد لمحكمة النقض .. هل لديك حل قابل للتنفيذ ؟ نعلم أن أولويات محكمة النقض ، هي لقضايا الرأي العام ، والأموال العامة .. لكن ما أمر أيام الحياة المغموسة بالشعور بالظلم ، وانتظار حكم لن يأتي ، باسترداد الحق والكرامة .. وخوفي هو من بشاعة الانتقام الشخصي امام بطء وعجز القانون .