مالالا يوسف زاي، فتاة باكستانية لم تتعد الخامسة عشرة من عمرها، لكنها بطلة ومناضلة من عالم آخر. فتاة صغيرة قررت أن تحارب التشدد الديني المفرط في بلدها الذي يمنع الفتيات الصغيرات من حقهن في التعليم. بنت صغيرة بسيطة لا تقوي علي حمل سلاح أو مدفع لكن براءتها وجراءتها سببت ذعراً لحركة طالبان في باكستان التي قررت أن تنهي حياتها برصاصة في رأسها، لكنها نجت بمعجزة لتتضاعف قوتها وتأثيرها ويخسر التشدد والجهل والتعصب. لقد ارتكبت حركة طالبان خطأ كبيراً بمحاولة قتل مالالا وبدلاً من إسكاتها، بالعكس أصبح لهذه الفتاة الصغيرة التي تعالج حالياً في لندن تأثير عالمي كبير جداً وصارت تملك تعاطفا كبيرا من شعب باكستان. ومنذ أكتوبر الماضي الذي وقعت فيه الجريمة البشعة، صار اسم مالالا يتردد في كل أنحاء العالم، أصبحت تلك الفتاة الصغيرة علي قائمة اهتمامات الأممالمتحدة ومنظمات المجتمع المدني التي أصبح لديها رغبة أكثر من أي وقت مضي في دعم تعليم البنات الصغيرات في باكستان لأنه المفتاح الحقيقي للتنمية هناك. وأعلن جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني السابق والذي يعمل الآن كمبعوث للأمم المتحدة في ملف التعليم أن يوم 01 نوفمبر من كل عام سيخصص لتكريم مالالا وكل البنات في العالم اللاتي لم يحصلن علي التعليم ويبلغ عددهن 05 مليون فتاة. كما وقع أكثر من نصف مليون شخص علي طلب لكي تفوز مالالا بجائزة نوبل للسلام. قبل أن تكون مالالا ناشطة شهيرة، كانت أولاً طالبة مثالية، وكان أساتذتها يقولون عنها إنها لا تمل أبداً من الدرس، وكانت تحصد باستمرار الدرجات الأعلي في الفصل، كانت فتاة عادية بقدرات غير عادية، كان مصروفها اليومي يذهب إلي الكتب، فقرأت السيرة الذاتية لبي نظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وأحد الكتب التي ألفها باراك أوباما، وكان الكتاب المفضل بالنسبة لها "الكيميائي" للروائي المعروف باولو كويلو وكانت تحب جملة محددة في الكتاب هي "عندما ترغب في شيء بشدة فإن العالم كله يتآمر لتحقيقه لك". المقربون لعائلة مالالا يعزون ذكاءها المفرط لوالدها، الذي يعد ناشطاً اجتماعياً مؤمنا بحتمية تعليم الفتيات لمستقبل أفضل لباكستان. وهو الذي بني مدرسة خوشال في إقليم سوات التي تدرس بها ابنته. في 8002 استطاعت طالبان السيطرة علي إقليم سوات وقامت بفرض رؤيتها للشريعة وحاولت منع تعليم الفتيات في المدارس، وقام يوسف زاي باصطحاب ابنته مالالا في أحد المؤتمرات الصحفية وهنا كانت بداية شهرة مالالا حين ظهرت علي التلفزيون وقالت: "كيف تجرؤ طالبان علي منعي من التعليم"، وبالفعل كانت ردود الأفعال إيجابية علي هذه الكلمة لكن في نفس الوقت تخوف بعض الناس من كلمة الفتاة الصغيرة وقالوا لوالدها: "كيف تتركها تعرض نفسها للخطر بهذا الشكل". البعض يعتقد أن مالالا ليست كبيرة بشكل كاف لتأخذ قرارات تتعلق بتعريض حياتها للخطر. الطبيب محمد أيوب الذي استقبل مالالا في المستشفي بعد إصابتها بالطلق الناري قال: "أعتقد أن والدها كان يؤثر علي أفكارها، هي مثل فتاة انتحارية أو مغسول عقلها تضع نفسها في خطر داهم. في رأيي كان لابد من منعها من تعريض حياتها للخطر ووالدها هو المسئول"، لكن من يعرفون مالالا شخصياً يؤكدون أنه لا أحد يستطيع السيطرة علي أفكارها. في نهاية 8002 عرضت إذاعة بي بي سي في باكستان علي يوسف زاي أن يقنع إحدي تلميذاته لتكتب في مدونة موقع الإذاعة بدون أن تذكر اسمها، وأن تكون فكرة المدونة عن "كيف تكون المدرسة في مكان يحكمه طالبان" وتطوعت مالالا للكتابة في المدونة وكتبت في أحد مقالاتها "في طريقي للمدرسة سمعت رجلا قال لي (سأقتلك) وعندما نظرت إليه تظاهر أنه كان يتحدث إلي شخص آخر عبر تليفونه المحمول". ورغم أن المدونة كانت لا تحمل اسمها إلا أن مالالا ظهرت في أماكن أخري بشخصيتها الحقيقية تهاجم طالبان بمنتهي الشجاعة. كانت تشارك مع والدها في مظاهرة ضد طالبان في منجورا عاصمة إقليم سوات، عندما رأت الإعلامي الشهير حميد مير وطلبت منه أن تظهر في برنامجه، وبالفعل أعطاها الميكروفون وقالت "كل ما أريده هو أن أتعلم، وأنا لست خائفة من أي أحد". مع الوقت تم طرد طالبان من سوات، وأصبحت مالالا أكثر جرأة علي الظهور والدعوة لتعليم الفتيات، وشاركت في حملة لزيادة الإنفاق الحكومي علي التعليم. وشجعت بعض الأسر علي ترك العادات القبلية التي تمنع تعليم الفتيات، وتم تسمية بعض المدارس علي اسمها تكريماً لها. لكن في ديسمبر 9002 تم الكشف رسمياً عن أن مالالا هي الفتاة التي تكتب علي بي بي سي ضد طالبان، وقرر زعيم طالبان في سوات أنه حان الوقت لإسكات تلك الفتاة الصغيرة وأرسل اثنين من رجاله لقتلها. وصرح سيراجودن أحمد المتحدث باسم طالبان سوات لمجلة التايم "لم نكن نريد قتلها، لأننا كنا نعلم أن هذا سيشوه صورتنا في الإعلام، لكن لم يكن أمامنا خيار آخر". حادثة مالالا أثارت تعاطف كثير من الأشخاص والمنظمات في أنحاء العالم كله. حيث أعلنت شركة جوجل مساهمتها في إنشاء صندوق آخر باسم مالالا مع ترك القرار لها ولوالدها في كيفية التصرف في أموال الصندوق وإلي أي جهة سيتم إرسالها. لكن التساؤل الذي يدور هو: هل تستطيع مالالا العودة إلي باكستان ومواصلة مشوارها وهل ستتركها طالبان وشأنها أم ستسعي لقتلها مرة أخري. بالتأكيد الخطر سيكون كبيرا علي مالالا وهو ما دعا البعض لدعوتها إلي البقاء في لندن بعيدا عن البلاد خاصة أن الحكومة الباكستانية أعلنت استعدادها لدفع مصاريف تعليمها في أي مكان بالعالم. لكن هذا الأمر سيجعلها أقل تأثيراً في سعيها لتحقيق هدفها بتعليم فتيات باكستان كما قد يساهم هذا في توجيه نقد لاذع لها، خاصة أن هناك بعض الآراء المبالغة التي تقول إن مالالا مدعومة من الخارج وأن حادثة إطلاق النار عليها مدبرة من والدها لإلقاء الضوء عليها.