فى تقرير لها قالت صحيفة الجارديان البريطانية أنه لم يعد الباكستانيون فى حاجة لحركة طالبان كى تدمر مدارسهم، إذ يفعلون ذلك بأنفسهم، مشيرة إلى حادث إضرام النيران بمدرسة للبنات فى لاهور، ثانى أكبر مدن باكستان الأسبوع الماضى وإلى أن الجناة لم يكونوا من طالبان بل مجموعة من الباكستانيين أغضبتهم مزاعم حول إساءة أحد المعلمين للإسلام، ولم تتخذ الشرطة أية إجراءات ضدهم، لكنها ألقت القبض على صاحب المدرسة وعمره 77 عاما، فى حين اختبأ المعلم المتهم عن الأنظار.
وأشارت الصحيفة إلى أن باكستان أعلنت فى وقت سابق من هذا العام أن «التعليم يمر بحالة طوارئ» لكنها فشلت فى حماية مدارسها، وتساءلت: كيف وصلت بها الحال إلى ذلك؟ وأشارت إلى أن هناك من الباكستانيين من يشيد بحركة طالبان بعد سيطرتها بشكل مؤقت منذ 3 سنوات على وادى سوات. وأشارت إلى الطفلة الباكستانية مالالا يوسف زاى 14 عاما التى حاولت حركة طالبان باكستان قتلها بسبب نشاطها التدوينى وحضورها الإعلامى وإصرارها على التعليم؛ عندما كانت طالبات مدرسة وادى سوات العالية للبنات فى أتوبيس المدرسة وعلى بعد ميل خارج مدينة مينجورا أوقف رجلان باص المدرسة وصعدا إلى داخله، ومن ثم سحب أحدهما مسدسه وسأل الفتيات: «من منكن مالالا يوسف زاى؟».
ولم تأت الإجابة من البعض منهن بسبب الصداقة القوية التى تربط بينهن، فيما لاذ البعض الآخر من الفتيات بالصمت بسبب الخوف الذى اعتراهن. ولكن دون وعى من الطالبات، تحولت عيونهن إلى مالالا. وقال المسلح «إذن هذه هى»، ونظر إلى وجه فتاة عمرها 15 عاما وضغط على الزناد مرتين، ليطلق رصاصتين عليها، كانت واحدة فى الرأس والأخرى بالرقبة. ولم يكتف بذلك بل أطلق النار مرتين، مما أدى إلى إصابة فتاتين أخريين، وبعدها لاذ الاثنان بالفرار من مكان الحادث.
ووسط صرخات ودموع الفتيات، أصدرت المعلمة تعليماتها لسائق الحافلة بالتوجه إلى مستشفى محلى كان يقع على بعد بضعة أميال. وحملقت المعلمة برعب فى جسم مالالا، الذى كان ينزف بغزارة وسقطت فى حضن صديقتها، ثم أغلقت عينيها وبدأت فى الدعاء. لقد أنقذت العناية الإلهية مالالا من الموت المحقق لأن الرصاصة التى أطلقت عليها اخترقت رأسها، لكنها مرت على حافة المخ، ويبدو أن سرعة نقلها إلى المستشفى وانتزاع الأطباء للرصاصة كان سببا رئيسيا فى بقائها على قيد الحياة.
كانت ابنة الخامسة عشرة والتى تعيش فى مدينة مينجورا بولاية «وادى سوات» لا تخشى شيئا بل كانت تتحدث بصوت عال عن حق المرأة بالتعلم فضلا عن إدانتها للوسائل التى تتبعها حركة طالبان المتشددة التى كانت تسيطر على هذه المنطقة فى عام .2009 وتأتى قصة مالالا مع طالبان بسبب كتاباتها التى بدأتها بسن مبكرة وباسم مستعار، حيث كانت تدعو للسلام والأمن وتنادى بحق البنات فى التعليم فيما يضع المتشددون تحريم تعليم الفتيات ضمن أهدافهم المتقدمة. وفى إحدى مدوناتها أوضحت مالالا حجم الخوف الذى ينتاب الطالبات عند الذهاب إلى المدارس وكيف أنهن كن يضطررن لإخفاء كتبهن تحت الشال أو الحجاب بعيدا عن أعين عناصر طالبان. وتشير إلى أن بعض المدرسات كن يطلبن من الفتيات عدم ارتداء الملابس الملونة حتى لا يثرن حفيظة المناهضين للتعليم.
وأرجعت الصحيفة أسباب إعجاب الكثير من الباكستانيين بطالبان إلى اعتقادهم أن أعضاءها أبطال محليون قرروا تغيير بلدهم بأيديهم. وحين سألت أحدهم: «حركة طالبان لا تسمح بالتعليم. ماذا سيحدث حين تقوم بغلق المدارس التى تتعلم فيها بناتك؟» كان رده «لا لن يفعلوا ذلك هنا. إن ما فعلوه فى وادى سوات نابع من ثقافتهم التى تسمى البشتون».
وأوضحت أن منع الفتيات من التعليم ليس الأسطورة الوحيدة فى البشتون، فأمهات البشتون يقمن بإعداد أبنائهن لإرسالهن إلى الحروب، كما يقوم الآباء بإطلاق النار على بناتهن إذا شاهد أحد الغرباء وجوههن. أيضا فى ثقافة البشتون لا يرغب الآباء فى إرسال بناتهم إلى المدارس. وأضافت أنه لم يكن هناك دليل على وجود مثل هذه الثقافة فى وادى سوات قبل سيطرة طالبان عليها، وكان من الممكن أن تصبح بسهولة عاصمة التعليم فى باكستان بما تضمه من مدارس طبية ومدارس للقانون والتمريض والكمبيوتر بشكل أكبر مما يستوعبه أى واد آخر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من الباكستانيين، بالإضافة إلى أشخاص من جميع أنحاء العالم، أعربوا عن تضامنهم مع الطفلة مالالا من خلال وسائل التواصل الاجتماعى. مؤكدة أن اسمها يمكن أن يسفر عن بدء عملية عسكرية أخرى فى باكستان، وأصبح يستخدم لإثبات أن الآباء فى باكستان، أيا كان دينهم أو ثقافتهم، يرغبون فى تعليم أطفالهم ولا يعترفون بأية ثقافات دخيلة عليهم.
«وبينت نيوزويك» أن طالبان ليست الوحيدة التى تحرص على منع الأطفال خاصة الفتيات من الذهاب للمدارس، إذ إن بعض العلمانيين لا يفضلون إلا التعليم الذى يمكن شراؤه بالمال. وعلى هذا الشكل أصبحت باكستان سوقا مزدهرة للتعليم الخاص، الذى أصبح من أكبر الأعمال فى باكستان وأصبح من الممكن وعلى نطاق واسع رؤية أشخاص على عربات تجرها حمير أو على الدراجات أو المركبات البخارية أو عربات اليد التى تسمى «الريكاشة»، ينقلون أطفالهم إلى مدارس خاصة توفر التعليم باللغة الإنجليزية المتوسطة وداخل فصول دراسية مكيفة الهواء ومقابل 400 روبية فى الشهر.
أيا كان المصير الذى تتجه البلاد نحوه، فإن هناك شيئا واحدا يقف بين باكستان وحلم طالبان الذى يهدف إلى «جنة على الأرض» هو عدد الإناث اللائى يذهبن إلى المدارس، وعدد النساء اللائى لم يتمكن من الذهاب إلى المدارس وعزمهن على إرسال بناتهن إلى المدرسة، بغض النظر عن الظروف الاقتصادية الصعبة، فلا يمكن حبس 90 مليون فتاة خلف الأبواب المغلقة.
وفى الوقت الذى يحاول فيه المدافعون عن طالبان فى الأحزاب السياسية إثبات أن تعليم الفتيات من اختراع الكفار، يمكن الحصول على صورة أوضح بالاستماع إلى ما يقوله أتباع الحركة أنفسهم الذين يعرفون ما يتحدثون عنه، ففى اعتقادهم: وجود شعب مثقف من الإناث يمثل تهديدا لهم يفوق تهديد الجيوش المجهزة بطائرات بدون طيار، وكل فتاة تدرج بالامتحانات الثانوية، وكل امرأة تدير مستشفى، وكل أم شبه متعلمة تحرص على تعليم ابنتها بصورة أفضل يشكل تهديدا مميتا لمهمة حركة طالبان، وهى مهمة قد تنجح بفضل إهمال المسئولين فى الدولة نفسها وتخليهم عن مسئولياتهم فى تثقيف الأطفال وحماية من يستطيعون الذهاب إلى المدارس.
وبفضل ما تمتلكه من شخصية قوية وخصال مميزة أخرى من بينها ثقتها الكبيرة بنفسها نالت مالالا جائزة باكستان الوطنية الأولى للسلام العام 2011 نظرا لجهودها فى الدفاع عن حقوق الطالبات والجرأة فى طرح مشاكلهن فى ظل الظروف القاسية. كما رشحت لنيل جائزة السلام الدولية فى العام نفسه، وحظيت مالالا بحضور إعلامى وشاركت فى العديد من الندوات والبرامج التليفزيونية بسبب مواقفها الشجاعة وشخصيتها القوية. وقد تم تحذيرها حينما قررت أن تفصح عن شخصيتها الحقيقية لمعرفة حجم التهديد الذى قد تتعرض إليه من المتشددين.
وقد خصصت الحكومة المحلية باصا لنقلها هى وزميلاتها من وإلى المدرسة. غير أن فريقا من قناصة طالبان ظل لعدة شهور يدرس الطريق اليومى الذى يسلكه الباص الذى يقل مالالا وزميلاتها لإعداد الكمين من أجل اغتيالها، وما إن تم الهجوم سارعت طالبان باكستان لإعلان المسئولية بابتهاج قائلة إن مالالا جاسوسة أمريكية.
ويمكن القول إنها قوة الجهل المخيف التى تقف وراء ذلك. إن ما يجعل الهجوم على مالالا واضحا هو معركة التعليم حقا. لقد سمح للعقلية القمعية فى الازدهار فى باكستان بسبب نظام المدارس المتشددة التى أنشأها رجال الدين المتعطشون للسلطة. إنه التلقين العميق الجذور، وهو شعور بالاشمئزاز لرؤية تقاليد متشددة قديمة تقوض بشكل من أشكال المعتقدات.
إن المدارس الدينية التى يرأسها رجال الدين فى باكستان وفقا لمجلة نيوزويك الأمريكية، هى أرض خصبة لتفريخ التطرف الإسلامى. رجال الدين لا يعلمون الناس التفكير النقدى. بدلا من ذلك، ينشرون الكراهية. ورجال الدين هؤلاء يغذون تجارة الكراهية من الذين يؤمنون بالإسلام المتطرف والميول اليمينية القوية، بحيث تجعل من المتشددين أبطالا. إنهم يدربون الأطفال على كيفية استخدام البنادق والقنابل، ولا يعلمونهم كيفية العيش، بل كيفية الموت. ولكن الإرهاب يحمل فى طياته بذور فنائه.
إن ما يمكن أن تقدمه المدارس ذات المناهج الجيدة هو نداء عالمى فى كل زمان للتفكير النقدى. وهذا أكثر ما تخشى منه طالبان. إن التفكير النقدى لديه القدرة على نزع فتيل الإرهاب، بل هو تحرير داخلى لا يمكن ببساطة أن تقدمه الجهادية. وفى هذه المرة، إن ما حصل مع الهجوم على مالالا، كان مختلفا ومشجعا، لقد تدفق الدعم فى باكستان لهذه الفتاة الشابة، حيث أصبح من غير الممكن احتمال جنون أكثر من ذلك.
كانت مالالا تريد دراسة الطب، لكن والدها أقنعها بأنه عندما يحين الوقت فإنها يجب أن تدخل السياسة حتى تساعد فى خلق مجتمع أكثر تقدما يكون جوهره التعليم للجميع. فهناك فى باكستان، 25 مليون طفل خارج المدارس، والبلد لديه أدنى نسبة من المتعلمين فى العالم. في ذلك الوقت، كانت حركة طالبان تهيمن على سوات، وحظرت تعليم الفتيات وهاجمت مئات المدارس فى الولاية. ولكن والدها، وبالإضافة إلى إدارته لمدرسة، كان شاعرا أيضا وناشطا اجتماعيا، ورئيس مجلس السلام الوطنى فى وادى سوات، تحدى طالبان برفضه إلغاء الفصول الدراسية، رغم استمرار التهديدات بالقتل.
ويوضح والدها دوافعه عند نقطة معينة: «إن الإسلام يعلمنا أن الحصول على التعليم إلزامى لكل فتاة وزوجة، لكل امرأة ورجل. وهذا هو هدى النبى الكريم، «إن العلم نور والجهل ظلام، ويجب علينا الانتقال من الظلمات إلى النور».