"تجلس الصغيرة ذات الوجه المضيء على الأرض أمام الرجل متدثرة بحجابها، يسألها بمكر: لو جاء رجال طالبان إلى مدرستك يريدون أن يهدموها ماذا ستفعلين؟ تزيغ عينا الفتاة وتجيبه: أولا أنا أريد التحدث معهم، يعاجلها: ماذا ستقولين لهم؟ ترد: سأقول ماذا تريدون؟ يجيبها الرجل في عجالة ممثلا دور رجال طالبان: نريد هدم المدرسة؟ تردّ البنت بنبرة يغلب عليها الخوف، وهي ترفع يدها الصغيرة وكأنها تحاول إيقاف شيء ما: سأقول لهم لا تهدموا مدرستنا لأن.... يقاطعها الرجل: أنتِ عمرك 14 سنة ولا تعرفين شيئا، ونحن يجب أن نهدم مدرستك؟ يبقى كفها الصغير مفتوحا أمامها، وكأنها تردّ عدوان الرجل الذي لم يتجاوز الكلمات والأسئلة، ويختلط عليها الأمر، فتقول له ببراءة: أعطني لحظة لأجيب، وتكمل وكأنها وجدت ضالتها: سوف أريهم القرآن؛ لأن القرآن لم يقُلْ إن الفتيات غير مسموح لهن بالذهاب إلى المدرسة". ولكنهم يا صغيرتي بالطبع لا يقرؤون القرآن، ولا يمُتّون للإنسانية بِصِلة، ولذلك كان من السهل أن يطلقوا النيران على رأس كائن جميل مثلك.. مالالا يوسف زاي فتاة باكستانية عمرها 14 سنة، مثل الكثير من فتيات هذا العصر اللاتي تفتح وعيهن على الإنترنت، قررت مالالا أن تنشأ مدوّنة تحكي فيها مشاكلها اليومية وأفكارها المراهقة، ولكن حظها السيئ أوقعها في هذه المنطقة من العالم حيث يحكم التطرف والإرهاب. وهي في سنّ الحادية عشرة شهدت إغلاق وحرق مدرسة للبنات في مدينتها الصغيرة "وادي سوات"، وكالعادة أثار القمع بداخلها الرغبة في التمرّد والرفض، فأعلنت وجهة نظرها في أن التعليم حق لكل إنسان، وأنه ضرورة لكل الفتيات، وسجّلت كل ممارسات طالبان القمعية ضد مدرستها ومجتمعها. كانت تدوينات الفتاة صغيرة وبريئة مثلها، تشكو فيها مخاوفها؛ بسبب قرارات منع ذهاب الفتيات إلى المدرسة، ووجود جثث في الشوارع، وعدم قدرتها هي وعائلتها على الخروج للتنزّه، قمعها بسبب ارتداء الملابس الملوّنة، أو إعطائها إجازة طويلة من المدرسة مع عدم إبداء أي إشارة لوقت استئناف الدراسة!! هموم طفلة تريد أن تمارس حقها في اللعب والفرح والألوان والتعليم، ولكن خفافيش الظلام تصرّ على منعها من ممارسة هذا الحق، ولأنها قادرة على صياغة أفكارها في كلمات، والتعبير عن فتيات كثيرات في عمرها قد لا يستطعن أو لا يجرؤن على التعبير عن هذه الهموم، فقد أصبحت الفتاة الصغيرة رمزا، وبطلة وطنية، خاصة بعدما حصلت على جائزة من BBC عن مدونتها الجريئة، وفي العام الماضي حصلت الفتاة على الجائزة الأولى الوطنية للسلام التي أنشأتها الحكومة الباكستانية، وذكر اسمها بين المرشحين لجائزة السلام الدولية للأطفال لمؤسسة حقوق الأطفال (كيدز رايتس). وفي هذا العام 2011 أيضا قامت قناة CNN بإجراء مقابلة رائعة مع مالالا التي أصبح عمرها 13 عاما، والمشهد في بداية المقال هو أحد أجزاء هذه المقابلة، تقول الفتاة أثناء الحوار بأنها تشجّع زميلاتها على الخروج من غرفهن والتعلم؛ لأن الله سيسألهن يوم الحساب عن دورهن؟ وفيم أنفقن حياتهن؟ وعندما سألها المحاور: لماذا تخاطرين بحياتك من أجل إبداء رأيك؟ ردّت بثبات: لأن قومي يحتاجونني.. ولأنني لو لم أرفع صوتي الآن فمتى سأتكلم!! تم التعامل مع مالالا التي تريد أن تدافع عن مدرستها بالقرآن على أنها من دعاة العلمانية، وأهدر دمها من قبل حركة طالبان الباكستانية، وتم رصدها في أثناء خروجها من مدرستها وإطلاق الرصاص عليها، فأصابوها في رأسها ورقبتها وجرح فتاتين من زميلاتها. ولكن مالالا ليست وحدها.. مالالا جيل كامل تفتّحت عيونه على معرفة لم تنِرْ عقول الأجيال السابقة، مالالا تعبّر عن موجة ثورة تجتاح العالم تواجه العنف والتطرف، وستصبح أيقونة ترمز للأمل وللمستقبل. ميليشيات طالبان ما زالت تهدد بقتلها في حال نجاتها، ولكن ما شهدته باكستان في الجمعة الماضية كردّ فعل على هذا الحادث لا يقول سوى شيء واحد.. أن هناك الملايين مثلها سيدافعون عن مبادئها، وربما تكون نهاية طالبان على يد مالالا وليس العكس.