قالوا عن سقراط : إنه أنزل الفلسفة من السماء إلي الأرض.. والمعني .. أنه جعل الفلسفة تهتم بحياة الناس.. بدلا من البحث وراء الطبيعة، وكان سقراط قد اتخذ من الشعار الذي كان مكتوبا علي معبد (دلفي) شعارا له وهو اعرف نفسك بنفسك. لقد غلب علي فلسفته المسائل الأدبية والخلقية والاجتماعية التي كان يثيرها السفسطائيون، واستطاع أن يبطل حججهم، وينتصر علي أفكارهم.. كما نادي بأهمية التهيؤ للعالم الآخر بممارسة الفضيلة، وكان يقول: الفضيلة علم والرذيلة جهل). وقد ضاق به ذرعا البعض، فاتهموه بأنه ينكر آلهة أثينا ويقول بآلهة آخرين ويفسد الشباب.. وقضت المحكمة عليه بالموت، فشرب السم ومات!! ولم يكن السبب وراء التهم التي وجهت إليه وأدانته سوي أسباب شخصية، لأنه كان يهاجم ديمقراطية أثينا التي تسرف في المساواة بين المواطنين دون اعتبار لأقدار الناس، مما جعل المسئولية تؤول إلي أناس غير أكفاء. ولقد حاول بعض تلاميذه أن يقوموا بتهريبه من السجن ولكنه رفض ذلك وفضل أن يشرب السم ويموت! ومن هنا قال عنه شوقي: سقراط أعطي الكأس وهي منية شفا محب يشتهي التقبيلا إلي أن قال: إن الشجاعة في القلوب كثيرة ورأيت شجعان العقول قليلا ولقد تداعي إلي ذهني تساؤل : تري لو عاد سقراط إلي الحياة اليوم.. في عصر الذرة والإلكترون والصعود إلي الفضاء، هل سينادي بما كان ينادي به من معرفة النفس، وأن تنحصر فلسفته في دائرة الأخلاق كما كان في الماضي، أم أنه سيستعيض عنها بفلسفة جديدة؟ أغلب الظن أن سقراط لو عادإلي الحياة المعاصرة، لظلت أفكاره كما هي تدور في دائرة الأخلاق، ولظلت فلسفته شعارها هو نفس الشعار الذي اتخذه اعرف نفسك بنفسك.. لأن الإنسان رغم مرور مئات العقود من مولد سقراط.. لم يتغير. الإنسان هو الإنسان.. مشعل الحروب.. متقلب دائما بين الخير والشر، وبين الهدي والضلال، وظل الظلم والجشع والفساد يعم دنيا الناس، والإنسان لم تردعه القوانين الوضعية، ولا الشرائع السماوية لأنه في ظل كل هذه القوانين، مازالت الجرائم تطل برأسها في المجتمعات الإنسانية، والمحاكم تنظر كل يوم في مختلف أنحاء العالم مئات القضايا التي تمس الشرف والسمعة والضمير. الإنسان هو الإنسان في كل العصور، ولو عاد سقراط إلي الحياة، لظلت فلسفته التي نادي بها هي هي نفس الفلسفة.. تدور كلها في دائرة الأخلاق.