نسمع كثيرا عن ألوان مختلفة من الشجاعة، وعن بطولات رائعة قدم فيها البعض حياتهم لتحقيق هدف ينشدونه وهؤلاء يتسمون بشجاعة القلب، وما أكثرهم علي مر العصور. ولكن هناك شجاعة من نوع آخر.. وهي شجاعة نادرة.. إنها شجاعة العقل الذي يتحكم فيها العقل لا العاطفة، ويجنح فيها الإنسان إلي تحكيم عقله ويفضل الموت علي الحياة. ومن الأمثال التي تدل علي شجاعة العقل ما قام به الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط.. فقد لفقت له تهمة إنكار آلهة أثينا وإفساد عقول الشباب، وقدم للمحاكمة، ودافع سقراط عن نفسه بشموخ من يعرف أنه علي حق، وأن هذه التهم الموجهة إليه ما هي إلا تهم كيدية، مما أثار عليه القضاة الذين حاكموه، وحكموا عليه بالإعدام. وكان من الممكن لسقراط أن ينجو بنفسه من هذا المصير، عندما عرض عليه بعض أصدقائه وتلاميذه أن يقوموا بتهريبه من السجن، ولكنه رفض ذلك الهروب، وقرر أن يواجه مصيره بعد أن فكر في الأمر تفكيرا عقليا بعيدا عن العاطفة وقرر أن يشرب السم ويموت. وكان سقراط قد بني فلسفته علي الأخلاق، واتخذ لنفسه شعارا قرأه علي معبد دلفي وهو: اعرف نفسك بنفسك. ومن هنا قال عنه شيشيرون : إنه أنزل الفلسفة من السماء إلي الأرض.. أي أنه حول النظر من الطبيعة إلي النفس الإنسانية وفلسفته دعوة للفضيلة والحض عليها، وكان يري أن الفضيلة علم والرذيلة جهل، أي أن الإنسان سيتوجه إلي الفضيلة عندما يعلم بفضائلها، ويبتعد عن الشرور عندما يعرف أضرار الشر.. وقد عاب عليه البعض هذه الرؤية لأن الإنسان قد يعلم الخير ولايفعله، ويعلم عن أضرار الشر ويقوم به! المهم أن سقراط عندما رفض الهرب من السجن قال كلمته الشهيرة لأصدقائه وتلاميذه: »سيذهب كل منا في طريقه.. أنا في طريقي لأموت.. وأنتم في طريقكم لتعيشوا.. والله يعلم أي الفريقين أهدي سبيلا«. وعن شجاعة العقل الذي كان يتحلي بها سقراط قال أمير الشعراء أحمد شوقي: إن الشجاعة في القلوب كثيرة.. ورأيت شجعان العقول قليلا