لاشك أن الدكتور محمد البرادعي (07عاما) صاحب مكانة قانونية ودبلوماسية دولية ورابع مصري يحصل علي جائزة نوبل للسلام عام 5002 ويمتلك شبكة علاقات مع الكثير من الزعماء والمسئولين عبر قارات العالم بحكم رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية لثلاث دورات وكذلك الأوسمة والجوائز ودرجات الدكتوراه الفخرية التي منحتها له العديد من البلدان، رئاسته للوكالة جاءت في خضم أزمات طاحنة وملفات صعبة كان عليه التصرف حيالها (الملف العراقي والإيراني والحد من الانتشار النووي وغيرها)، أي أن الرجل حقق مجدا شخصيا وأثار الكثير من علامات الاستفهام حول دوره في الوكالة، خاصة الملف العراقي، كما أن استمراره في المنصب 21 عاما لم يكن دون رضا واشنطن وحلفائها، وبعد أن فرغ من مهامه الدولية بدأ المشاركة في قضايا بلاده، وكنت أتصور أن المجال النووي الذي يعلم كل تفاصيله القانونية دوليا سيكون شاغله ليل نهار، ليمكن بلده من امتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية، تحل الكثيرمن الأزمات الناتجة عن نقص مواردنا من الطاقة بما يملكه من خبرات وعلاقات دولية، ولكن كان للرجل هواية أخري أن يسير عكس التيار ويدخل مجالا يشق علي الكثيرين خوضه وهوالمعترك السياسي، فهو لم يمارس نشاطا حزبيا من القاعدة كما هو الحال مع معظم السياسيين. كان الظهور الأبرز له عندما بدأ عام 9002 بعد نهاية عمله بالوكالة الدولية يلمح لدخوله انتخابات الرئاسة (عام الثورة) أمام مبارك أو الوريث المنتظر، مما أثار جدلا واسعا حوله وطالب وقتها بضرورة توافر ضوابط وضمانات مكتوبة لإجراء انتخابات نزيهة ، الرجل بعد عودته شكل (الجمعية الوطنية للتغيير)، بعدها تعرض لحملة تستهدفه من خلال الإساءة لأسرته من النظام السابق، لكنه حرك المياه الراكدة في الحياة السياسية، خاصة أثناء الانتخابات التي جرت قبل عام من الثورة وكانت مثالا صارخا في التزوير والبلطجة، وحذر وقتها من تداعيات ذلك وأن النظام يقود البلاد نحو الانفجار !! ظل الرجل يتنقل بين القاهرة وفيينا حتي بدأت الثورة فحط الرحال عشية جمعة الغضب ليشارك فيها وسط حشد من أنصاره وخروجه سريعا بعد تصاعد الصدام في الميدان ثم صدور قرار بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وفي أعقاب الثورة ودخولنا المرحلة الانتقالية وفي مارس تحديدا أعلن عن نيته خوض انتخابات الرئاسة، ولكنه تراجع في بداية العام الحالي معلنا انسحابه من السباق، بل لم يحضر الانتخابات، وبين ذلك كان ترشيح ثوار التحرير له لرئاسة الحكومة بعد استقالة حكومة عصام شرف واحتجاجا علي ترشيح الجنزوري، لكن المحاولة باءت بالفشل، ومابين مرات ظهوره كان في حالة سفر أو في حالة تواجد علي تويتر أو في برامج التوك شو، أعضاء الجبهة الوطنية للتغيير انسحبوا اعتراضا علي أسلوب قيادته ومواقفه وعدم استقراره بمصر منهم حمدي قنديل وحسن نافعة وعبد الجليل مصطفي والخضيري وأبو الغار والأسواني ومحمد غنيم. كان من الواضح أن البرادعي بات مثل ظواهر الطبيعة من حيث موسمية ظهوره وكثرة غيابه عن المشهد السياسي لظروف سفره أو مرضه، وهوما قاد إلي تراجع شعبيته، حيث إن طول فترة اغترابه خلال عمله الدولي أوجدت جدارا نفسيا عازلا بينه وبين الجماهير حتي أن حزبه الجديد (الدستور) لم يحضر تقديم أوراقه باعتباره وكيل مؤسسيه ! الظهور الأخير للبرادعي يثير الكثير من علامات الاستفهام، فقد تمت دعوته من الجمعية التأسيسية ثلاث مرات للاستماع إلي وجهة نظره في الدستور ومايقترحه من أفكار، لكنه لاذ بالصمت ولم يرد، علي عكس مافعل الجراح المعروف الدكتور مجدي يعقوب أو الدكتور زويل اللذان لبيا الدعوة وطرحا أفكارهما، ظهوره كان مع التيار الشعبي المصري الذي تشكل من اندماج الأحزاب الناصرية منذ عدة أيام ليصدر بيانا سياسيا عن الاجتماع يدعو لمقاطعة أعمال الجمعية التأسيسية نظرا لعوار تشكيلها وإهدارها للحقوق الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ودعوة الشخصيات المنتمية للقوي السياسية والأحزاب للانسحاب منها وتحميل الرئيس محمد مرسي مسئولية الإخلال بتعهده بالحرص علي معالجة تشكيل الجمعية لتكون أكثر توازنا وتعبيرا عن تمثيل كافة قوي المجتمع بلا تمييز أو تهميش أو إقصاء. والتساؤل الذي يلح علي الأذهان هنا: لماذا لم يستجب البرادعي لدعوة الجمعية التأسيسية لعرض أفكاره ومايراه من عوار في تشكيلها وكيف يعالج؟ وكذلك المواد التي تناقشها منذ عدة شهور؟ ولماذا امتنعت باقي القوي التي حضرت اجتماع التيارعن طرح أفكارها واعتراضاتها وماترفضه من مواد تري أنها تهدر الحقوق والحريات أم يتم الاكتفاء بالظهورعلي الفضائيات وعقد التحالفات للانقضاض علي الجمعية وإجهاض فرصة تاريخية لوضع دستور ينهي حالة السيولة والاستقطاب السياسي الحادة التي تمر بها البلاد، وقبل الاجتماع لم يخف سعادته بحكم حل البرلمان وأن الخطوة التالية - كما كتب علي تويتر - هي الجمعية التأسيسية، وكأنه يريد أن تظل البلاد في مثل تلك الفوضي المسماة المرحلة الانتقالية إلي الأبد، وكان قد أيد بقاء المجلس العسكري لعامين، أما ممثله عن حزب الدستور في الاجتماع مع المستثمرين الأمريكيين ومرشح الرئاسة السابق فقد أعطيا أعضاء الوفد - بشهادة نائب رئيس شركة أوراكل – انطباعا سلبيا عن الوضع السياسي في مصر للتأثير علي استثماراتهم المحتملة ! البرادعي مثل غيره من الطيور المهاجرة التي حطت الرحال في فترة الثورة لا أحد يشكك في وطنيته ولا رغبته في انتقال بلده إلي مصاف البلدان الديمقراطية لكن مواقفه وأفكاره تبدو علي طريقة المشاركة عن بعد، فأفكاره ومواقفه غير مستقرة مثلما وجوده في بلده، وهو ليس صاحب نفس طويل في خوض معاركه السياسية، وعليه أن يقرر إما أن يكون حاضرا بقوة في المشهد السياسي أو مغادرته !