طرح انسحاب الدكتور محمد البرادعى، من سباق انتخابات الرئاسة، علامات استفهام كثيرة في أوساط القوى الوطنية والسياسية، وأثار ردود فعل تفاوتت بين القبول والرفض، فيما اعتبر البعض أن اختياره هذا التوقيت لإعلان الانسحاب له مغزى ومعنى، سواء لتوجيه رسالة للمجلس العسكرى، أو الرد على ما اعتبرت "حملة لتشويه صورته أمام الرأى العام"، بينما أجمع مرشحو الرئاسة على الدور الكبير للرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى تغيير نظام حسنى مبارك والإطاحة به. وقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح المحتمل للرئاسة، إن دورالبرادعى فى العمل السياسى وفى مسيرة التغيير لا يستطيع أحد إنكاره، لافتًا إلى أنه كان يتمنى استمرار ترشحه على الرئاسة لما يمثله من إثراء للمنافسة الشريفة. بينما أعرب عمرو موسى، المرشح المحتمل للرئاسة عن أسفه لانسحاب البرادعى من الترشح للرئاسة، مؤكدًا -عبر صفحته على تويتر- أن مشاركة البرادعى كانت متميزة، وأن دوره فى تطورات الأوضاع كان جيداً، مثمناً هذا الدور، ومعبراً عن ثقته فى أنه سيواصل جهوده إلى جانب جهود كل المصريين الساعين إلى إعادة بناء البلاد. فيما وصف أيمن نور -المرشح المحتمل للرئاسة- القرار بالصدمة الكبيرة، وأنه بمثابة قبلة حياة للثورة المصرية كى تستعيد عافيتها من جديد، وتندفع خطوة للأمام، مشيراً إلى أن حزب غد الثورة وحملة دعم أيمن نور الرئاسية، سيعقدان مؤتمرًا صحفيًا السبت المقبل، لمناقشة بعض القرارات المصيرية والإعلان عن الموقف السياسى تجاه هذا الأمر. واعتبر المرشح الرئاسى المحتمل، حمدين صباحى، البرادعى قيمة وطنية محترمة ولا يستطيع أحد إنكار أهمية الدور الذى لعبه فى معركة تغيير نظام مبارك، الذى أضاف للكثير من الجهود التى سبقته، وكان عاملاً مهما أضاف زخمًا لمعركة التغيير. وحول اعتراض البرادعى على وضع الدستور بهذه السرعة، قال صباحى إنه يتفق معه فى أن الطريق الأسلم والأفضل أن يتم إعداد الدستور الجديد قبل انتخاب الرئيس، مؤكداً أن إعداد الدستور لا يحتاج لوقت طويل ويمكن الانتهاء منه قبل إجراء انتخابات الرئاسة، وبما لا يؤخر موعد تسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب، لأن الأسس الرئيسية للدستور محل نقاش منذ فترة طويلة وليست جديدة. ودعا صباحى، القوى الوطنية والسياسية فى البرلمان الجديد، للتوافق حول الدستور الجديد وتشكيل لجنته التأسيسية المعبرة عن كل أطياف وتوجهات الشعب المصرى، مؤكدًا ثقته أن الشعب المصرى كله -وفى قلبه الشباب- قادر على استكمال الثورة وانتصارها، وقادر على صناعة النهضة لمصر. بدوره، رفض الدكتور سعد الكتاتنى -الأمين العام لحزب "الحرية والعدالة"- قبول تخلى البرادعى عن حقه السياسى، موضحاً أن هذا الرجل له دور كبير فى الحراك السياسى الذى تشهده مصر، ومؤكداً دعمه فى ضرورة تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها الثورة، والتى قامت أيضًا لتغيير النظام. وأكد الدكتور محمد البلتاجى -عضو المكتب التنفيذى لحزب "الحرية والعدالة" وأمينه بالقاهرة- أن انسحاب المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، من الانتخابات الرئاسية يخصم من حيوية وفاعلية المشهد الانتخابى والمشهد الثورى معًا. وقال : "نتفق ونختلف مع مواقف البرادعى، لكن المؤكد أن وجوده كمرشح محتمل للرئاسة أضاف كثيرًا لزخم الثورة قبل وبعد 25 يناير 2011". وأضاف: "أختلف مع رأيه بأن الدستور يجب أن يوضع قبل انتخابات الرئاسة" ، مشيراً إلى موافقته على رأى المستشار طارق البشرى رئيس لجنة تعديل الدستور، بأن مصلحة الوطن تقتضى أن يتم نقل السلطة من خلال انتخابات رئاسية لرئيس منتخب عقب انتخابات الشورى مباشرة، حتى يوضع الدستور فى ظل سلطة مدنية منتخبة وليست سلطة عسكرية، حتى لا تكون للأخيرة وصاية على مؤسسات الدولة القادمة. وقال عبد الغفار شكر، نائب رئيس التحالف الشعبى، وعضو الجمعية الوطنية للتغيير، إن انسحاب الدكتور محمد البرادعى، المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، من الترشح للانتخابات الرئاسية، مجرد انسحاب مؤقت لحين إحداث التغيير المنشود فى الأوضاع الراهنة، معتقدًا أنه سيعود للترشح مرة أخرى. وأوضح "المصريون"، إن قرار البرادعى بالانسحاب جاء نتيجة للظروف الراهنة التى تمر بها البلاد، والتى جعلته يشعر بعدم نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة، مؤكدًا أنها ليست المرة الأولى التى ينوى فيها البرادعى الانسحاب من الترشح للانتخابات الرئاسية. وأفاد أن البرادعى كان قد سبق وأعلن انسحابه من انتخابات الرئاسة فى عهد مبارك، حيث اشترط سبعة شروط للمشاركة حينئذ، منها تعديل بعض المواد بالدستور، وبعض القوانين لتضمن إجراء انتخابات رئاسية نزيهة. ورأى الدكتور أحمد كمال أبو المجد، أن القرار يثير تساؤلات كثيرة، مرجحاً أنه ربما يكون رأى سلبيات، ولهذا قرر الانسحاب، واصفاً المشهد المصرى الآن بغير المريح بسبب الفوضى التى تعم، موضحاً أنه لن تحل مشاكلنا فى شهر ولا شهرين، بل تحتاج لوقت طويل وعلينا الصبر، وأننا فى حاجة لمثلث النهضة، وللأسف النخبة المثقفة فى مصر أصابها تلوث محزن، كما أن المسافة بين رئاسة الجمهورية وطره أصبحت مترًا ونصفًا. وقال فى تصريحات تلفزيونية:"أشعر بالقلق من يوم 25 يناير، لأن هناك مجموعات حاشدة مختلفة فى هدفها نحو هذا اليوم، فهناك مؤيدون للثورة واستكمالها، وهناك من سيحتفلون، وهناك طرف خطير سينزل كى يجهض الثورة ويقضى عليها، وأتصور أن هذه ستكون آخر معركة للقوى المضادة". وأبدت كريمة الحفناوى -عضو الجمعية الوطنية للتغير- دهشتها من خبر انسحاب البرادعى، قائلة "قرار الترشح للرئاسة أو الانسحاب منها حق أصيل للدكتور البرادعى، فهو وحده صاحب القرار، وكونه أحد مرشحى الرئاسة من حقه أن يقرر الاستمرار أو الانسحاب، خاصة إذا كان يرى أنه تعرض لحملات تشوية شرسة منذ فترة طويلة". وأشار عبد الغفار شكر، وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى، إلى أن قرار الانسحاب صائبًا ومحترمًا، وأنه جاء اعتراضًا منه على الأوضاع الجارية بالبلاد، مؤكدًا أن البرادعى أحرج الجميع بقراره، سواء المجلس العسكرى أو بقية المرشحين للرئاسة. وأرجع شهير جورج إسحاق ،عضو ائتلاف شباب الثورة ، قرار الانسحاب إلى الرغبة الشخصية للبرادعى، ووصفه بأنه خسارة للساحة السياسية، لأنه مرشح قوى كان سيساعد كثيراً فى إحداث تغيير، خاصة فى ضمان النزاهة، مشيراً إلى أنه لم يكن مرشح الرئاسة لحزب التيار المصرى أو ائتلاف شباب الثورة، لكن قراره شخصى ونابع منه -بحسب قوله-. بينما كشف على عبد العزيز -رئيس حكومة ظل شباب الثورة- أن اختيار هذا التوقيت لإعلان الانسحاب، رسالة خفية وغير مباشرة، يوجهها البرادعى للمجلس العسكرى قبل 25 يناير القادم، كى يشعر أن سياساته فى إدارة شئون البلاد لم تعد مرضية. وأشار إلى أن قرار الانسحاب من شخصية كالبرادعى، جاء ليؤكد أن الشكوك فى محلها، وأن التوجس من المجلس العسكرى وعدم تسليمه السلطة وفرض سيطرته على الدستور و البرلمان القادم، أصبحت حقائق مؤكدة، وأن الرئيس القادم للبلاد سيكون مقيد الأيدى مفتقرًا للصلاحيات. وأضاف أن الساحة الآن أصبحت مفتوحة لجميع المرشحين للرئاسة، ولا يمكن أن نجزم بأن انسحاب البرادعى سيفسح الطريق لمرشح بعينه، وإنما الكل سينافس، خاصة أنه من المحتمل أن تشهد الساحة ظهور أسماء جديدة تطرحها الأيام القادمة. وقال أحمد طه النقر، المتحدث الرسمى باسم الجمعية الوطنية للتغيير، إن انسحاب البرادعى خسارة كبيرة للمنافسة فى السباق الرئاسى. وتابع: "كنت أتمنى أن يظل متواجدا بثقله وتجاربه، وأن يثرى السباق الانتخابى ويضيف إليه". وقال النقر، إنه استخلص من بيان البرادعى، أنه ليس راضٍ عن سير المرحلة الانتقالية، وأنه متحفظ على كل أو معظم الإجراءات التى اتخذها المجلس العسكرى، وتابع بالقول: "يبدو أن البرادعى شعر أن هناك حملة منظمة ضده، وأن هناك ظروفًا ليست مواتية، لخوض انتخابات نزيهة وأعتقد أن قرار البرادعى نهائى، ولا تراجع عنه". أما الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، فقد رحب بقرار انسحاب البرادعى من السباق الرئاسى، قائلا إنه رشح نفسه دون التشاور مع أحد، وأدرك حقيقة الموقف، وأضاف السعيد: "أعتقد أنه فعل خيرًا وصحح خطأً كان قد وقع فيه منذ البداية". من ناحيته، قال محمود عفيفى، منسق حركة شباب 6 إبريل، "جبهة أحمد ماهر"، إن الحركة ترى بشكل مبدئى، أن أسباب انسحاب البرادعى من سباق الترشح للرئاسة الآن، هى نفس أسباب رفضه للترشح فى ظل النظام السابق". ورأى عفيفى أن انسحاب البرادعى جاء فى ظل وجود حملة قوية للتضليل وتشويه رموز الثورة، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الوضع والوصول إلى نفق مظلم، إلا أنه أكد فى نفس الوقت أن موقف البرادعى من شأنه أن يعيد الحياة والزخم إلى روح الثورة، وأن خطوة الانسحاب كبيرة وتساعد على الحشد ليوم الخامس والعشرين من يناير، كما اعتبر عفيفى أن البرادعى فكر وليس شخصًا فقط، وأن الكثيرين مؤمنون بفكرته. بدوره قال عبد المنعم إمام، وكيل مؤسسى حزب العدل، إن القرار أصاب الكثير من مؤيدى البرادعى بالحزن وخيبة الأمل، لأنهم لا يرونه مرشحًا للرئاسة فقط، ولكن يرون أنه أحد الأسباب الرئيسية التى أدت إلى اندلاع الثورة. ورأى إمام أن قرار الانسحاب، تم بسبب حملات التشويه التى تعرض لها البرادعى، والتى لم تستهدف سواه من مرشحى الرئاسة المحتملين، مما أثر عليه سلبًا. وقال محمد الأشقر، منسق حركة "كفاية"، إنه يرى أن البرادعى أراح واستراح بهذا القرار، خاصة أن حركة كفاية كان لها موقف منذ مجيئه من الخارج، ورأت أنه كان له دور سلبى فى مسألة الحشد والتفاعل مع الأحداث فى الشارع والميدان. ورأى الأشقر أن موقف البرادعى، كان متواضعًا إزاء استمرار مقاومة نظام الحكم السابق، واتخذ موقف المسالمة وليس المواجهة، كما أوضح الأشقر، أن البرادعى لم يكن له دور فى كسر حاجز الخوف ولكنه استغله واستثمره. واعتبر الأشقر أن البرادعى، لم يكن تأثيره إيجابيًا بشأن الثورة وما تلاها، مما جعل حركة كفاية لا تتعامل مع ترشحه بشكل مؤيد، وأضاف: "كنا رافضين ترشح البرادعى من الأساس، لأنه ثبت أن هناك رفض لأدائه أثناء حرب العراق، وكان هناك موقف سلبى، إضافة إلى موقفه من الحشود الجماهيرية فى اللحظات الحاسمة، كما أنه كان رافضًا النزول إلى الشارع إلا بعد أن يكون هناك ملايين من الناس"، ورأى أنه كان هناك تخوف من دوره فى المرحلة اللاحقة للثورة.