ظل إمام يصرخ .. »يا ريس افتح الباب أنا علي باب القصر .. يا ريس نفسي تسمع شكوتي .. أنا انتخبتك يا ريس وقالولي إنك هتحل أزمتي .. افتح يا ريس ومترجعنيش مكسور الخاطر«. إمام وغيره المئات من رعايا دولة الفقر والظلم البائدة، لم يجدوا سبيلاً غير باب القصر الرئاسي ليقفوا أمامه يطلبون العون والمساعدة من رئيسهم المنتخب، بعدما ضاقت بهم السبل ونكلت بهم مصاعب الدنيا أشد تنكيل، وأذاقتهم أمر العذاب. إمام لا يطلب سوي العودة لعمله ليتقاضي 875 جنيها شهرياً، بعد أن طرده صاحب الشركة ومعه العشرات من العمال، بحجة أنهم عمالة زائدة، من مكتب العمل .. للتأمينات .. لقسم الشرطة، لم يترك إمام وزملاؤه باباً أمامهم إلا وطرقوه، لكن أحداً لم يفتح لهم الباب، لم يبق سوي باب الرئيس، طرقوه بكل قوة كي يرد رئيسهم المظلمة عنهم، وظلوا ينتظرون وهم حائرون يتساءلون .. هل سيفتح الرئيس باب القصر". ربما يكون في قرار الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، بإنشاء أول ديوان للمظالم الخبر اليقين، في أنه سيأتي يوماً وتحل فيه مشكلة إمام وأصدقائه، بل ومشكلات الملايين من المواطنين، التي لا تحتاج سوي فقط لنظرة "حنان" من رئيس الجمهورية. "آخر ساعة" كانت هناك علي باب القصر، وقفنا بين المئات من أصحاب المظالم، الذين جاءوا من كل حدب وصوب، يناجون الرئيس مرسي أن يستمع لشكواهم، وأن يبت في مطالبهم، منهم من نجح في تقديم شكواه لديوان المظالم، ومنهم من ظل يهتف ويصرخ، حتي أرهقته شمس النهار الحارقة فغادر أبواب القصر، علي أمل أن يعود فيجد من يرد عليه. اليوم الأول لفتح ديوان المظالم بقصري الرئاسة بعابدين وكوبري القبة، شهد تقدم المواطنين بسيل من الشكاوي، والتظلمات ، والطلبات، التي تنوعت بين مطالب عمالية وأخري فئوية وسكنية وصحية واقتصادية وغيرها. الإنتاج الحربي كان أول المتقدمين بالشكاوي لديوان المظالم، عمال وزارة الإنتاج الحربي الذين أبرموا عقود عمل بمصانع الوزارة منذ أكثر من عامين، ولم يتم تسليمهم العمل حتي الآن، وتقدموا بعدة شكاوي لديوان المظالم لمطالبة الرئيس بتسليمهم العمل بعد أن قاموا بإعداد كشوف وفحوص طبية للعمل في الوزارة، وبعد استلامهم عقود العمل منذ عامين، وحمل العمال عدة لافتات مكتوب عليها: "يا ريس قول الحق إحنا عمالك ولا لأ، يا مرسي قول علي طول إحنا أولي من الفلول"، و"العمال يريدون تأمين صحي، معاش، نقابة للمهنيين، إعانة بطالة، إحنا عمالك يا ريس، وبنحبك يا مرسي". كما شهد ديوان المظالم بقصر عابدين تقدم عدد من أسر مصابي الثورة بشكاوي إلي الرئيس للمطالبة بإدراجهم ضمن صندوق رعاية مصابي الثورة، حيث تقدمت دعاء محمد عبد العليم بشكوي للمطالبة بضم زوجها محمد سعيد ضمن صندوق رعاية المصابين بعد استهداف عينه خلال أحداث الثورة وأصبح غير قادر علي العمل نهائياً بسبب العمي. وتقدم كذلك عدد من أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة الذين تجاوزت أعمارهم 40 عاماً ولم يتم تعيينهم بمؤسسات الدولة حتي الآن بالعشرات من الطلبات لديوان المظالم لمطالبة الرئيس بتوفير فرص عمل لهم بمؤسسات الدولة وفقاً للمؤهلات الحاصلين عليها. كما تقدم عدد من مندوبي وأمناء الشرطة المفصولين بالعشرات من الطلبات للديوان لمطالبة الرئيس بإعادتهم للعمل بوزارة الداخلية بعد فصلهم تعسفياً قبل أحداث الثورة، وبعد حصولهم علي أحكام قضائية تقضي بعودتهم للعمل بوزارة الداخلية ورفض وزير الداخلية عودتهم للعمل من جديد بسبب القرار القديم بفصلهم من العمل. وشهد نفس الديوان تقدم عدد من العمال المؤقتين بمختلف مؤسسات الدولة بعدة شكاوي للديوان للمطالبة بتثبيتهم في وظائفهم، وقال محمد إسماعيل، أحد العمال المؤقتين بمستشفي المنيل الجامعي التخصصي، أنه تقدم بشكوي للرئيس لمطالبته بالتعيين، وقال: "أنا أعمل بالمستشفي منذ 8 سنوات، ولم يتم تعييني حتي الآن علي الرغم من قرار مجلس الشعب المنحل بضم الصناديق الخاصة بأجهزة الدولة للموازنة العامة، وتعيين الموظفين بالمستشفيات والمحسوبين علي تلك الصناديق الخاصة". عمال اليومية وتحت شعار "نظرة يا ريس لعمال اليومية" تقدم العشرات من عمال اليومية بالمئات من الشكاوي والطلبات لديوان المظالم للمطالبة بإنشاء نقابة حكومية لعمال اليومية، وعمل تأمين اجتماعي وصحي لعمال اليومية والأجراء، والمطالبة بإنشاء صندوق خاص لتقديم إعانة عجز لعمال اليومية ومعاش للعامل بعد سن 06 بسبب العجز عن العمل اليومي بعد هذا العمر. كما تقدم العشرات من المواطنين في نفس الديوان بعدة شكاوي للمطالبة بإصدار قرار رئاسي بإلغاء قانون الإيجار القديم وتوريث أبناء المستأجرين للعقارات التي تم تأجيرها، وفقاً لقانون الإيجار القديم منذ سنوات طويلة، علي أن يتم تسليم تلك العقارات لأصحابها بعد وفاة المستأجر وانتهاء فترة الإيجار . كذلك تقدم عدد من المواطنين بشكاوي وتظلمات للمطالبة بتوفير وحدات سكنية لسكان المناطق العشوائية، وتوفير فرص عمل بأجور مناسبة، وتوفير فرص عمل للشباب وخريجي الجامعات والمعاهد الحكومية. قصر القبة وعلي أبواب قصر القبة، لم يمنع ارتفاع درجات الحرارة توافد العشرات من المواطنين، علي مكتب الشكاوي والتظلمات بالبوابة الثامنة بقصر عابدين، لتقديم الشكاوي إلي "ديوان المظالم"، وشهد المكتب إقبالاً كبيراً من المواطنين، وتواجد بعضهم منذ الساعة الخامسة صباحاً خوفاً من الزحام الشديد، بينما بدأ ديوان المظالم في تسلم شكاوي وطلبات المواطنين في تمام الساعة التاسعة صباحاً، وسط تواجد أمني من الجيش والشرطة. وقال المواطن مجدي شردي، الذي جاء من المنصورة لتقديم شكواه: "أنه كان يعمل بشركة بتروجيت، وبعد انتهاء المشروع قاموا بتصفيتنا، وأتمني العودة للشركة من جديد"، أما حسام أحمد فجاء إلي القصر بصحبة خطيبته لتقديم شكواه، أملاً أن يساعدوه في العثور علي سيارته الجديدة التي سرقت منذ ثلاثة شهور بمدينة الشروق. فيما حضرت خيرية الدسوقي لتقديم طلب لتوظيف ابنها الأكبر المتزوج، والذي كان يعمل محاسباً، ولكنه تم تسريحه بعد الثورة، ولم يجد عملاً حتي الآن، وتكررت نفس الحالة مع فهيم زكي عبد الحميد وبناته الثلاثة، وقال إنه ينفق من معاش الضمان الاجتماعي، وكل طموحه أن يحصل علي وظيفة هو أو إحدي بناته. أما محمد وجيه فجاء طالباً التعويض عن الخسارة التي طالت شركته المتخصصة في التجارة والتوريدات بسبب الثورة، واضطر لإغلاقها بعد 4 شهور، بعد ما خسر كل مدخراته وسرح العمالة. بينما كانت كل أحلام محمد إبراهيم هي الحصول علي شقة منذ 12 عاماً، بدلاً من الجراج الذي يعيش به، حتي يكف زملاء أبنائه عنه بقولهم "ياللي عايشين في الخرابة". ووسط كل هذه المطالب، تواجد وفد من أهالي قرية السنانية بمحافظة دمياط، لتقديم شكوي وتظلم إلي ديوان المظالم بسبب الضغوط التي تمارس عليهم من قبل المسئولين التنفيذيين بمحافظة دمياط لتشغيل مصنع موبكو للأسمدة الكيماوية بالمنطقة الصناعية الحرة بميناء دمياط البحري، وقال حسن الشعراوي منسق عام إئتلاف مواطنون ضد مصانع الموت، أننا جئنا إلي القصر الجمهوري لمقابلة الدكتور مرسي، بعد أن وصل إلينا تهديدات صريحة وواضحة عن طريق بعض الأشخاص، الذين تربطهم علاقة بمصانع البتروكيماويات بميناء دمياط، أنه سيتم القبض علينا. وقال: "علمنا من قبل أن هناك توصيات من قبل قيادات في حزب الحرية والعدالة بدمياط بسرعة تشغيل المصنع والقبض علينا، وهو ما يتنافي ما وعدونا به قبل انتخابات مجلس الشعب السابقة، وكذلك قبل انتخابات الرئاسة، بعدم تشغيل مصنع موبكو إلا بموافقتهم، والآن يهددوننا بالسجن، فهل يقبل الدكتور مرسي أن يظلمنا وهو من تذوق معني الظلم هو وقيادات الإخوان المسلمين علي مدار أكثر من ثمانين عاما". وشهد ديوان قصر القبة تقدم عدد من مالكي أراضي جمعية "صحراء الأهرام التعاونية" بالجيزة بشكوي يختصمون فيها الدولة في مصادرة أملاكهم لصالح توسعات مترو الأنفاق الجديد، وأكد شعبان بدر أحد المتضررين أنه أرفق مستندات تؤكد امتلاكهم للأراضي التي صادرتها الدولة دون الرجوع لمالكيها، فيما تقدم مواطن آخر يدعي طارق محمد بشكوي، متهماً فيها وزارة القوي العاملة بالاستيلاء علي تعويضات مصابي حرب الخليج منذ ثلاث سنوات، كما اتهم البنك الأهلي بالاستيلاء علي أموال "الحوالة الصفراء" وعدم تقديم الأموال لأصحابها. بينما تقدم أشرف رزق عامر بشكوي لفصله من الشركة القومية للأسمنت بشكل تعسفي، بعد عمله بالشركة لأكثر من 14 عاماً، مطالباً الرئيس بإصدار قرار جمهوري لحل مشكلة المفصولين بشكل تعسفي علي مستوي الجمهورية، بدلاً من الحلول الفردية. ترحيب بالديوان ولاقي قرار الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، بإنشاء ديوان المظالم في القصور الرئاسية، لتلقي شكاوي المواطنين ترحيباً واسعاً من قبل المفكرين والسياسيين، ووصف الدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة قرار إنشاء الديوان بال"الصائب"، وقال: "إن ما حدث من وقفات أمام القصر الجمهوري، يؤكد أن رجل الشارع لديه قدر من العجلة في تقديم مطالبه، وأن الرئيس لديه رغبة أكيدة في حل مشاكل الناس، مشيراً إلي أنه يجب تنظيم مظاهر الاحتجاج بالطريقة التي تجعله حقا، ولا تقلبه إلي باطل، وعلق قائلاً: "إن الرئيس لا يستطيع أن يلتقي بكل من لديه مشكلة، ولكن هناك هيئات تستطيع أن تقوم بذلك". وأضاف: "يجب أن تكون هذه الجهة – ديوان المظالم- لها صلاحيات كبيرة، ولا مانع في أن يكون رئيسها بدرجة مساعد الرئيس. بينما قال وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي، أن قرار الدكتور محمد مرسي بإنشاء ديوان المظالم يعد قراراً تاريخياً، وسيساهم في خفض حدة المظاهرات والمطالب الفئوية، داعياً الله أن يوفق الدكتور مرسي في تنفيذ برنامجه الذي وعد به، وأن يستطيع تحقيق طلبات المواطنين كاملة. وأشاد الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو هاشم ربيع، بقرار إنشاء ديوان المظالم، مطالباً بأن يتحول إلي مؤسسة ضمن مؤسسات الرئاسة لها طاقم عمل مستقل، وأن تفحص وتتحري عن كل الشكاوي التي تقدم إليها، وأن تعتمد آلية عملها علي تحقيق مطالب المواطنين بالعدل والمساواة.