علي امتداد الأسبوعين الماضيين.. ومازالت بدأت العاصمة الخرطوم ومدن مجاورة لها.. في استقبال جحافل من المتظاهرين والمتظاهرات ورافعين شعارات تدعو كلها للعدالة والعيش والحرية.. وعودة وحدة السودان الواحد الذي مزقته خلافات الأشقاء وتدخلات الخارج. ويبدو أن المظاهرات لن تنتهي بين يوم وليلة خاصة بعد أن تواصلت للاحتجاج علي ارتفاع أسعار المواد الغذائية.. وانطلقت الحشود عقب الصلاة عند الظهر بصورة شبه يومية في العاصمة وما يجاورها.. وحتي ساعات المساء، وفي المقابل واجهت الشرطة ذلك بعيارات من الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وليس الأمر عند هذا الحد: كر وفر بين متظاهرين وشرطة! ولكن الأمر تطور فعلا بعد إجراءات اتخذتها الحكومة بداعي التقشف وبرفع الدعم عن المواد البترولية وهو ما أدي لوقوع مصادمات عنيفة بدأت بالخرطوم ثم امتدت لمدن مثل الأبيض وسنمار وحتي أم درمان. وزاد الأمر بلة.. أن ذلك جاء مع ارتفاع ملحوظ في التضخم بالبلاد وصل إلي نحو 03 بالمائة حسب التقديرات الرسمية.. وأضعاف الرقم حسب تقديرات أخري سودانية ودولية، وهو ما أدي بالمتظاهرين للغضب من كل ماهو له صلة بالحكومة وبالرئيس البشير وكان نتيجة لذلك أن قام بعض المتظاهرين بحرق عدة مقار لحزب المؤتمر الوطني الحاكم وهتفوا ضد السياسات التي أوصلت البلاد بعد التقسيم لشمال وجنوب.. لحافة الهاوية. ويخشي المتظاهرون أن تستخدم الحكومة وسائل أكثر وحشية في التصدي لهم.. خاصة بعد أن صممت علي المضي في تنفيذ تعهداتها بإجراءات التقشف ورفع الدعم نهائيا بصورة تدريجية.. وبعد أن أقر البرلمان السوداني الميزانية الجديدة التي تضمنت هذه الخطط وأصبحت بالتالي واقعا لا فكاك منه، وهو ما ينذر باستمرار ملحوظ لارتفاع الأسعار.. واتساع نطاق الاحتجاجات لتشمل في القريب كافة مدن السودان الشمالي. واندلعت شرارة التظاهرات في البداية من جامعة الخرطوم ثم امتدت لتشمل عدة أحياء فيها.. قبل أن تشتعل باقي المدن السودانية وتنادي بسقوط الدكتاتورية والبشير المطلوب من جانب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لارتكابه عدة جرائم حرب خلال حروبه المتعددة مع الجنوب وفي كردفان ودارفور. وتناولت شعارات المتظاهرين الهتاف ضد الغلاء وارتفاع الأسعار خلال الأيام الأولي. وكانت الأعداد في البداية تتراوح مابين عدة عشرات إلي بضع مئات فقط ثم تطورت لتبلغ آلافا قليلة اعتراضا بصفة أساسية علي رفع أسعار المواد البترولية مابين 5.21 إلي 06 بالمائة دفعة واحدة بالإضافة لرفع سقف الضرائب علي بعض الفئات. ورغم أن الرئيس البشير وعد في المقابل بخفض الإنفاق الحكومي والحد من أعداد شاغلي الوظائف العليا في البلاد وبخاصة الوزراء ومساعدوهم في الحكومة.. إلا أن ذلك لم يهدئ الأوضاع التي اندلعت في الأساس بعد الانفصال عن الجنوب وهو ما أدي إلي فقدان شمال السودان ل 4/3 إنتاجه من البترول منذ يوليو من العام الماضي.. كما انخفضت الصادرات السودانية للخارج.. وتحمل الفقراء فقط فاتورة الحرب في جنوب السودان.. بل عبر كافة أرجائه خلال العشر سنوات الماضية. البشير قال أيضا في تعليقه علي مايحدث إن عدة أيام من الاحتجاجات والتظاهرات ضد سياسات الحكومة الاقتصادية لاتعني أن السودان يواجه ربيعا عربيا كما حدث في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا.. وأكد أن أعداد المتظاهرين قليلة للغاية ومستفزة لكافة السودانيين وتديرها أطراف داخلية ممثلة في أحزاب معارضة لنظامه وشخصيات معارضة بارزة أشهرها الصادق المهدي وآخرون.. بالإضافة لأطراف خارجية لاتريد الخير للسودان. وتهكم البشير بالقول بأن الربيع العربي حدث بالسودان عدة مرات في السابق والبلد لايحتاجه الآن.. والناس يريدونه ويؤيدونه.. بل إنه خرج ذات مرة في سيارته المكشوفة ليطوف في عدة شوارع بالخرطوم واستقبله الناس بالهتاف: (الله أكبر). لكن المظاهرات في السودان لم تعد تشمل طلابا أو محامين أو حتي معارضين لنظامه.. بل امتدت لتشمل طوائف لا حول لها ولا انتماء من الشعب.. وانتشرت لعدة مدن في الشرق وحتي موانئ علي البحر الأحمر في بورسودان.. ووصل الأمر لاعتقال العشرات من هؤلاء ومن المعارضين خاصة حزب الأمة الذي منعته السلطات من إقامة أي تجمعات عامة له في العاصمة أو غيرها. فقبل المظاهرات التي تزداد احتشادا في الخرطوم وعدة مدن سودانية.. قامت السلطات بمصادرة 3 صحف مستقلة بدعوي مناهضة النظام.. وتم التضييق علي مظاهرات النساء واللقاءات داخل المساجد بالعاصمة خاصة تلك التابعة للمهديين أو غيرهم من أقطاب المعارضة أو حتي.. الصوفيين!! .. وهو مايعني شدة العزلة التي تحيط بنظام البشير": داخليا وخارجيا.