الثورة لم تحقق أهدافها بالنسبة لشباب التحرير الذين ذهبوا إلي الميدان يوم 52يناير، ومن آمن بمبادئهم بعد ذلك وانضم للركب فإن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، أما بالنسبة للتيار الإسلامي المحظور من العمل السياسي في عصر المخلوع، ويمتلك أحلاما متراكمة كونها علي مدار سنوات من القهر السياسي والأمني فإن الثورة كانت له مصباح علاء الدين الذي قال له اطلب تنل، فطلب كل شيء(!).. ووجد نفسه علي رأس سلطة تشريعية تقربه من حكم البلاد بينما يخوض الانتخابات الرئاسية بأكثر من مرشح إسلامي لتكتمل الصورة. ظن الكثيرون أن خطاب اللواء عمر سليمان الشهير الذي أعلن فيه تنحي مبارك عن السلطة أشبه بصافرة الحكم لنهاية المباراة مما جعل الجماهير تحتفل بالفوز، وتقيم الأفراح والليالي الملاح، ليفاجأ الجميع بعد ذلك بسلسلة من الاضطرابات التي شهدتها البلاد من انفلات أمني غير مسبوق، وصدامات عنيفة بين الثوار والمجلس العسكري فضلا عن الصدام السياسي بين مختلف الأطراف، وهو ما ترك لفلول النظام حرية العمل في الخفاء، فعملوا علي عدم استقرار الأوضاع بكل وسيلة ممكنة كان أهمها استخدام البلطجية في مليونيات الثوار وترهيب المواطنين لتمرير مخطط يهدف إلي الثأر من الثورة وإسقاطها بكل طريقة ممكنة، وهو ما حقق للخارجين علي القانون ثروة طائلة وسلطة لم نعهدها من قبل، خاصة في ظل انسحاب الشرطة من الشارع ليواجه الوطن أياما سوداء، فإذا ما عادت الداخلية لممارسة مهامها وتعهدت بملاحقة كتائب البلطجية، غير المجرمون طريقة عملهم ليمارسوا أنشطتهم بعيدا عن المواجهات فأشعلوا الحرائق في أماكن متفرقة لا يجمع بينها سوي حزننا علي ما يحدث من دمار وإهدار لثروات مصر. فوضي أمنية وسياسية تستنفد الطاقة وتسدد اللكمات واحدة تلو الأخري لوجه الثورة الوليدة فتدميه وتفقده جماله ونضارته، وهي الحالة التي وجد فيها الإعلام ما يتمني من إثارة يمكنها أن تستقطب الملايين إلي صفحات الجرائد وشاشات التلفزة لينشط الاستثمار في مجال الإعلام بضخ أموال كبيرة صنعت انفجارا في عدد الصحف الصادرة بجانب المحطات الفضائية، الأمر الذي يحتاج إلي مراجعة بالكشف عن مصادر التمويل سواء من جهات أو أشخاص ومدي علاقتهم بالنظام السابق. وإذا كانت الأحزاب الدينية والخارجون علي القانون ووسائل الإعلام قد استفادوا من الثورة فإن الأوضاع المتردية التي شهدتها البلاد علي مدار ما يقرب من عام ونصف العام جعلت الشعب الذي آمن بالثورة يكفر بها ويتمني لو أنها لم تحدث، وهو يشاهد كل يوم كارثة جديدة تحدث أمام عينيه لا يفيق منها حتي يجد ما هو أبشع منها، ليحتدم الوضع ويشتد الصراع بين مختلف الأطراف علي مكاسب صغيرة تلحق بالوطن هزائم كبري. صورة عبثية وأفق رمادي يدثر الحياة في مصر بحزن لا يخفف من وطأته إلا الأمل في رسم دستور للأمة يمثل شعبها بمختلف تياراته فضلا عن انتخاب رئيس جمهورية يلتف الشعب حوله ليبدأ مرحلة سياسية جديدة تقوم علي المصالحة ونبذ الفرقة ورأب الصدع وإعادة بناء ما تهدم من مرحلة انتقالية كانت هي الأسوأ علي مدار التاريخ المصري المعاصر بشهادة خبراء سياسيين ومواطنين لا يأمنون علي حياتهم ومصدر رزقهم. إن مؤسس حركة كفاية جورج إسحاق يثق في ثورته ولا يقف عند فترة انتقالية كارثية قال إنها لن تستمر وستنتهي بالكامل حين ينتهي الشعب من وضع دستوره واختيار رئيسه، وهو يحمل المجلس العسكري مسئولية الموافقة علي مثل هذه الأحزاب، في الوقت الذي حذر فيه من إعلام الفلول الذي ينفق عليه ببذخ لمساندة نظام سقط بالفعل أملا في استرجاعه والاستماتة في تسويق الفوضي وإتلاف الوعي الثوري الذي عليه أن ينهض بالبلاد من كبواتها العاثرة التي ورطها فيها رئيس ونظام أفسدا الحياة برمتها . "الصف الثاني للحزب الوطني هم من يحكمون البلاد الآن" بهذه العبارة يبدأ محمود عفيفي المتحدث الإعلامي لحركة 6 أبريل كلامه حول المشهد الراهن الذي وصفه بأنه دليل علي تعطيل الثورة والوقوف بشراسة ضد استكمال أهدافها التي قال إنها ستتحقق عاجلا أم آجلا ، لم ينف عفيفي ظهور طبقات سياسية جديدة علي الساحة استفادت من الوضع، لكنه أرجع ذلك إلي شعب اختار بمحض إرادته من يجلسون علي مقاعد مجلسي الشعب والشوري وفي طريقه أيضا لاختيار رئيسه، واعترف عفيفي بما يفعله الإسلاميون علي الأرض والتفاعل مع الناس ببراجماتية سياسية جعلتهم الأقرب إلي الناس، وأضاف بأن الحركة التفتت إلي هذا جيدا، وعليها الآن أن تطرق الأبواب لتصل إلي المواطنين في البيوت فتحكي لهم عن ثورة قامت من أجلهم وتحتاج إليهم لتسير في طريقها الصحيح. وأشار عفيفي إلي قنوات فضائية قال إنها تشوّه العمل الثوري وتقلل من أهميته وتدفع بالناس إلي اتجاه معين بعد أن استغلها القائمون عليها إلي غسيل أموالهم. ويري المستشار بهاء أبو شقة نائب رئيس حزب الوفد أن ثمار الثورة قطفتها جماعات دينية كانت محظورة في عهد الرئيس المخلوع فاستطاعت تكوين أحزاب سياسية مثل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، وغيرها من الأحزاب التي ما كانت ستقوم لها قائمة بدون ثورة يناير، وهو ما صنع سيولة سياسية وحركة حزبية كبيرة.. وإذا كان إسحاق وعفيفي تحدثا عن إعلام الفلول فإن أبوشقة اختار الإعلام الحكومي الذي وصفه بالحيادية الآن علي حد تعبيره، وأضاف بأن قنوات التليفزيون المصري في ظل النظام السابق كانت منحازة بشكل سافر إلي الحزب الوطني الذي كان يسيطر عليها ويتخذها بوقا دعائيا لبرامجه وقادته، بينما أعادت الثورة ماسبيرو إلي الشعب ليتحدث بلسانه ويقف علي مسافة واحدة من كل التيارات السياسية علي حسب قوله.