يتضمن المواد التي تم تعديلها في استفتاء 19 مارس الماضي أصدر المجلس العسكري المصري على مدارالأسبوع الماضي قرارين في غاية الأهمية من شأنهما إعادة ترتيب أوراق الساحة السياسية في مصر بشكل عام ، ودخول "لاعبين" جدد إليها . القرار الأول الذي أعلن عنه المجلس هو إصدار إعلان دستوري لتنظيم السلطات في المرحلة الانتقالية القادمة إلى حين انتخاب برلمان ورئيس جديدين، و يتضمن هذا الإعلان المواد التي وافق الشعب المصري على تعديلها في الاستفتاء الأخير . المستشار طارق البشري، رئيس اللجنة المشرفة علي تعديل الدستور الحالي، كان قد أعلن أن الإعلان الدستوري لا يتضمن أي مواد بخلاف التي طرحت في الاستفتاء ، وأن المرحلة القادمة سوف تشهد إعلان مراسيم قوانين تترجم التعديلات الدستورية في شكل قواعد قانونية حاكمة للانتخابات النيابية المقبلة. وسوف يتضمن شروط الترشح للانتخابات النيابية القادمة في إعلان منفصل مؤقت حتي ينفوا أن الفترة الانتقالية ستكون محكومة بدستور 71 كما سيتضمن إصلاحات للعيوب الموجودة بالدستور الذي جري التعديل علي عدد من مواده دون الدخول في نظام الحكم والذي سيحدده الدستور الجديد للبلاد .كما أن الإعلان المؤقت سيحدد طرق الانتخاب فقط . و من المقرر أن يقر الإعلان الدستوري الجديد، تخفيف شروط انتخاب رئيس الجمهورية (مادة 75) وقصر مدة الرئاسة على فترتين فقط (مادة 77) وعودة الإشراف القضائي على الانتخابات (مادة 88) واختصاص المحكمة الدستورية بالنظر في الطعون المقدمة ضد أعضاء مجلس الشعب (مادة 93) ووجوب تعيين نائب للرئيس (مادة 139) ووضع قيود على فرض حالة الطوارئ (مادة 148) ووضع آلية لتشكيل لجنة تأسيسية من 100 عضو لإعداد دستور جديد خلال 6 أشهر من انتخاب مجلسي الشعب والشورى ، وهي المواد نفسها التي أقرها الشعب في استفتاء 19 مارس الجاري . وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، قال أن الإعلان الدستوري الجديد من شأنه تقنين المواد التي تم الاتفاق عليها في استفتاء 19 مارس ، مشيرًا إلى أن الإعلان لن يتضمن أية مواد أخرى سوى المتعلقة بتنظيم انتخابات مجلسي الشعب و الشوري و الانتخابات الرئاسية ، بالإضافة إلى بعض المواد التي تتناول الحريات العامة . وأضاف، أن الإعلان الدستوري هذا يعد بمثابة وسيلة لتيسيير الأوضاع في مصر خلال الفترة الانتقالية الحالية فقط، ولا يعد به ككونه دستورًا نهائيًا. ومن المقرر أن يتم الإعلان بشكل نهائي عن هذا الاعلان الدستوري خلال الأسبوع الجاري ، على أن يتضمن في ديباجته لإشادة بالروح الحضارية والديمقراطية التي أجريت فيها عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والتأكيد على حماية مكتسبات الثورة عبر توحد جميع المصريين خلال الفترة المقبلة سواء من قالوا نعم أو من قالوا لا، واحترام النتيجة التي أسفر عنها صندوق الاستفتاء كأحد المبادئ الراسخة الديمقراطية . وكان رئيس اللجنة القضائية العليا المشرفة على الاستفتاء على التعديلات الدستورية المستشار محمد أحمد عطية قد سلم المشير حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وثيقة إعلان النتيجة النهائية ومحاضر الفرز لعملية الاستفتاء التي أجريت يوم السبت الماضي . وأكد عطية خلال اللقاء نزاهة عملية الاستفتاء التي جرت تحت إشراف قضائي كامل من دون أي محاولات للتزييف أو لتزوير . مشروع قانون الأحزاب أما القرار الثاني، فهو الخاص بالموافقة على مشروع قانون جديد ينظم تأسيس الأحزاب يتضمن تشكيل لجنة لتلقي إخطارات تأسيس الأحزاب، يرأسها النائب الأول لرئيس محكمة النقض وتضم عضوين هما نائبان لرئيس مجلس الدولة الذي يضم محاكم القضاء الإداري. وبحسب مشروع القانون يمكن أن تعترض اللجنة على قيام حزب أو تطالب بحله إذا خالف شروط تأسيس الأحزاب، ومنها "ألا تتعارض مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع المبادئ الأساسية للدستور أو مقتضيات حماية الأمن القومي المصري أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي". ويشترط مشروع القانون الجديد أن يوقع على الإخطار بتأسيس حزب ألف عضو مؤسس من عشرة محافظات على الأقل، بما لا يقل عن عشرين عضوا من كل محافظة، على أن يمارس الحزب نشاطه السياسي اعتبارا من اليوم التالي لمرور ثلاثين يوما من إخطار لجنة الأحزاب دون اعتراضها. وجاء المشروع بعدما وعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة -الذي يحكم مصر منذ تخلي مبارك عن منصبه- برفع القيود المفروضة على تأسيس الأحزاب السياسية. القرار الذي يعيد رسم الخريطة السياسية في مصر بشكل عام، خاصة مع دخول عدد من اللاعبين "على أساس أو مرجعية دينية إلى الساحة تحت مظلة شرعية ، فبعد أن كان الإخوان المسلمين مجرد جماعة محظورة ، سوف يرفع عنها هذا الحظر بعد أن تتشكل على هيئة حزب سياسي له الحق في الترشح للانتخابات . أبرز الأحزاب الدينية أو التي تقوم على خلفية أو مرجعية ينية هو حزب الأخوان المسلمين ، وحزب جماعة الدعوة السلفية و الأحزاب الخاصة بالصوفية و التي أعلنوا عنها على مدار الأيام الماضيو ومنذ تصاعد الحديث عن إمكانية إعطاء حرية تأسيس الأحزاب السياسية . بالإضافة إلى أحزاب خاصة بجماعة الجهاد و الجماعة الاسلامية ، فضلا عن الأحزاب الخاصة بالمسيحين ، والتي قام عدد من الأقباط بالإعلان عن اعتزامهم تأسيسها في مواجهة الأحزاب التي تقوم على أساس مرجعية دينية اسلامية . "ضجيج بلا طحن" .. هكذا وصف ممدوح قناوي ، رئيس الحزب الدستورى الحر ، حالة الأحزاب المصرية القديمة ، مؤكدًا على أن ثورة 25 يناير سوف تثمر عن المزيد من الأحزاب التي حتمًا سوف تحتل مكانة مختلفة و أعلى من الأحزاب القديمة التي سقطت عنها الشرعية مع سقوط النظام ، لأنها وهي التي ظلت 30 عاما في كنف نظام الرئيس حسني مبارك لم تستطع الاطاحة به ، بل ظلت تحارب من أجل حل مشكلاتها الداخلية و ما شهدته من انقسامات كبرى ، الأمر الذي جعلها تفقد التأييد الشعبي " . و أضاف ، أنه لابد و أن تكتب "شهادة الوفاة" لكل الأحزاب القديمة التي أثبتت عجزها التام عن التصدي للظلم و القهر الذي شهدته مصر في عهد الرئيس مبارك ، كما أنها لم تستطع إيجاد أية حلول لكافة المشكلات التي يواجهها رجل الشارع ، الأمر الذي جعلها تفقد تأييده . واختص قناوي أحزاب "الوطني و الوفد و التجمع و الناصري" واصفًا إياهم بأنها أحزاب على الرغم من قيمتها و شهرتها إلا أنها فشلت في القيام بدورها الأساسي ، ودخلت في صفقات "قذرة" مع الحكومة ، وباعت المواطن. وعن حزب "العدالة و الحرية" الخاص بالإخوان المسلمين ، والمزمع تأسيسه ، قال رئيس الحزب الدستوري ، أن النظام السابق على الرغم من وصفه للإخوان على كونها جماعة "محظورة" قانونيًا ، إلا أنه قد سمح لهم بتحركات معينة و عدد من الأنشطة الأخرى كي يستخدمهم ك "فزاعة" يخيف بها القوى الداخلية من ناحية ، و أمريكا و اسرائيل من ناحية أخرى. و شدد على ضرورة ألا تستند الأحزاب الجديدة على أساس ديني ، وذلك لعدم إثارة الفتنة بين المصريين ، خاصة و أن ثورة 25 يناير قد ساهمت في إعادة روح الأخوة بين المسلميين و المسيحيين في مصر ، و أن أي تفرق ناتج عن الدين بشأنه زعزة أمن و استقرار البلد ، مؤكدًا أنه على كافة الأحزاب الجديدة أن تتبع مبدأ "الديمقراطية" و الحرية و العدالة بشكل واضح ولكافة المصريين . كما أنه من شأنه تزايد الضغوط الخارجية على مصر بسبب تلك الأحزاب الفئوية . و توقع أن تشهد الأحزاب الجديدة المزمع تأسيسها وجود سمة كانت غائبة عن الأحزاب القديمة وهي سمة "التنافسية" ، نظرًا لأن تلك الاحزاب من المتوقع أن تمثيل قوي لقوى الشباب فيها وخاصة شباب ثورة 25 يناير ، الأمر الذي يجعل كل حزي يتنافس مع الآخر بروح شبابه . وبذلك فإن مصر بدأت بالفعل منذ يوم التاسع عشر من مارس الجاري الحقبة الديمقراطية الجديدة، التي تبلورت أهداف ثورة 25 يناير فيها ، وضحى لأجلها الكثير و الكثير من أبناء هذا الوطن .