د.رضا شتا وإنما بالعمل الجاد والجهد الخلاق والإدارة الحكيمة كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها مصر وخاصة بعد أزمة تمويل منظمات المجتمع المدني ومانتج عنها من مواجهات حادة مع الإدارة الأمريكية أدت إلي قيام وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون بالتلويح بإمكانية قطع أو تخفيض المعونة الأمريكية لمصر ومقدارها 3.1 مليار دولار معونة عسكرية و003 مليون معونة اقتصادية إذا لم تحل المشكلة وهو ما أدي إلي إثارة المصريين وتأجيج مشاعرهم الوطنية كما قامت بعض الرموز السياسية والدينية وفي مقدمتها الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية والشيخ محمد حسان الداعية الإسلامي وآخرون إلي طرح مبادراتهم لجمع الأموال من أجل دعم الاقتصاد المصري بهدف تقويته والنهوض به لكي يتمكن من التصدي لأي ضغوط سياسية أو محاولات تدخل أجنبية. ومع تقديري البالغ لكل هذه المشاعر الوطنية الجياشة والنوايا الحسنة من كل أبناء مصر ورغبتهم في أن تظل مصر كما كانت دائما علي مدي تاريخها الطويل قوية شامخة إلا أنني أختلف معهم في هذه الرؤية وهذ التوجه حتي وإن بدا شيئا عظيما ووطنيا ذلك أن مصر بحكم ما تمتلكه من ثروات طبيعية وبشرية هائلة ومتنوعة وموقع جغرافي متميز واستراتيجي تؤهلها لأن تكون قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة كما أن تاريخها العظيم وتراثها الثقافي والعلمي يؤكدان أنها سوف تسترد عافيتها الاقتصادية في أقرب وقت وتصبح واحدة من أقوي الدول علي المستوي الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي كما ستتمكن من عبور هذه المرحلة الحرجة من تاريخها بكل مافيها من تناقضات وسلبيات.. مصر التي قامت بفضل شبابها وشعبها وجيشها الباسل بثورة يناير العظيمة التي أبهرت العالم كله وجعلت كثيرا من زعمائه يشيدون بها بل ويدعون شباب بلدهم إلي الامتثال بشباب مصر، قادرة علي أن تستعيد مجدها وقوتها وعظمتها وتمضي إلي الأمام بخطي ثابتة لتحقيق النهضة الشاملة من أجل تحقيق مستوي معيشة أفضل لكافة أبنائها. وليعلم شعب مصر العظيم وخاصة شبابه الواعي المستنير والطموح أن في مصر ثروات عظيمة وأولي هذه الثروات هي (الثروة البشرية) التي ظلت لعقود طويلة بمثابة شماعة تعلق عليها أخطاء وسوء إدارة كثير من الحكومات السابقة.. في حين أنها ثروة عظيمة وخلاقة لو أحسن إعدادها وتدريبها ووضعها في مكانها المناسب لتألقت وأبدعت في مختلف المجالات مما يدفع بالبلاد إلي الأمام ويعطي قوة ذاتية للاقتصاد القومي المصري.. ولقد شاهدنا مثل تلك النماذج الرائعة من العلماء والخبراء المصريين الذين تألقوا في مجال تخصصاتهم في العديد من المجتمعات المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا والاتحاد الأوروبي وفي مقدمتهم د.أحمد زويل الحائز علي جائزة نوبل ذلك أنهم تفاعلوا واستفادوا من المناخ العلمي السائد في هذه المجتمعات وهو مايدعونا أن نؤكد ضرورة الاهتمام (بالتعليم والبحث العلمي) الذي هو بحق أساس تقدم الشعوب والأمم. ولقد أيقنت خلال عملي الصحفي في ألمانيا والنمسا علي مدي الثلاثين عاما الماضية أن مصر تعد واحدة من أهم مراكز حذب الاستثمار في العالم وذلك نظرا لما تتمتع به من قدرات وثروات بشرية وطبيعية هائلة وموقع استراتيجي متميز يربط بين مختلف قارات العالم ويعد همزة وصل أساسية بين الشرق والغرب.. غير أنه وكما يعلم الجميع وخاصة أساتذة الاقتصاد وخبراء التنمية فإن رأس المال سواء الأجنبي أو المحلي (جبان) ويتحاشي قدر الإمكان الاستثمار في مناطق التوتر والقلاقل وهو بالتأكيد ما أدي إلي خروج عشرة مليارات دولار في أعقاب ثورة يناير وما شهدته البلاد من اضطرابات واضرابات واعتصامات وفي المقابل وعندما تهدأ الأوضاع نجد حالة من الارتياح تسود أروقة البورصة المصرية لتحقق مؤشراتها ارتفاعات غير مسبوقة مثلما حدث الأسبوع الماضي.. ولهذا فإن الأمل معقود علي أن تهدأ الأمور وأن يسود الأمن والاستقرار ربوع البلاد وتتوقف الإضرابات والاعتصامات وقطع الطرق وخطوط السكك الحديدية حتي تعود الاستثمارات الأجنبية للتدفق علي مصر من جديد وأن يشعر رأس المال الوطني أيضا بالأمان ويعمل وتعود آلاف المصانع والورش التي أغلقت إلي فتح أبوابها وتتيح فرص عمل للآلاف من الشباب والعمال من إجل زيادة الإنتاج ورفع معدلات الإنتاجية دعما للاقتصاد القومي المصري.. إذ هل يعقل أن تصبح مصر التي كانت يوما (سلة الغلال) للدولة الرومانية مستوردة للقمح والفول وزيوت الطعام والعديد من المواد الغذائية من مختلف دول العالم وهو ما يكلف ميزانية الدولة خسائر تقدر بالمليارات ويرجع ذلك بالدرجة الأولي إلي تدهور القطاع الزراعي بسبب الإهمال الذي تعرض له طوال السنوات الماضية.. ولاشك أن القطاع الزراعي هو الوسيلة الأنجز والأسرع للنهوض بالاقتصاد القومي المصري باعتباره أهم قطاعاته وأكثرها استيعابا للعمالة وتوفيرا للغذاء وبالتالي فإنه ينبغي الإسراع في دعم الفلاح المصري وتوفير كافة مستلزمات الإنتاج من بذور منتقاة وأسمدة ومبيدات حشرية بالكميات المطلوبة وفي الأوقات المناسبة للزراعة وتحديد أسعار مجزية للمحاصيل الرئيسية (القطن والقمح والأرز) حتي يتمكن من زيادة إنتاجية ومضاعفة دخله وتشجيعه علي الخروج من الوادي الضيق والاتجاه ناحية المناطق الصحراوية لاستصلاحها واستزراعها في سيناء والصحراء الغربية والشرقية حيث توجد ملايين الأفدنة الصالحة ولاينقصها سوي تزويدها بمياه الري والأيدي العاملة الماهرة في الزراعة وحتي يمكن خلق مجتمعات عمرانية جديدة وسط الصحاري المصرية تساعد أيضا علي تنمية الصناعات التعدينية للمناجم المختلفة التي تذخر بها هذه المناطق حيث لم تعد الصحراء كما كانوا يطلقون عليها سابقا (صحراء جرداء لانبات فيها ولا حياة) وإنما هي كنوز مصر الغنية. وسيناء الحبيبة أرض الفيروز التي حررناها بدماء أبنائنا الطاهرة والتي تعد درع مصر الواقية للغزوات من الشرق مازالت تنتظر التشريعات والأموال اللازمة لتوطين وتقنين أوضاع سكانها ومزارعيها من أبناء سيناءوالوادي ولتنمية مابها من ثروات طبيعية لا حصر لها في باطن الأرض وخاصة الرمال البيضاء التي تعد من أجود أنواع الرمال في العالم والمخصصة لصنع العدسات بالإضافة إلي المنجنيز والفوسفات.. ولكي تتم عملية تنمية وتطوير سيناء التي تمثل ثلث مساحة مصر فإنه لابد من تسهيل ربطها بالوطن الأم عن طريق الكباري والأنفاق فوق وتحت قناة السويس.. وهنا أود الإشارة إلي ضرورة الإسراع في إقامة الكوبري المعلق فوق خليج العقبة لربط سيناء بالمملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج.. وقناة السويس التي خضنا من أجلها حربا ضروسا عام 56 ضد اثنتين من القوي العظمي إنجلترا وفرنسا وربيبتهما إسرائيل من أجل الكرامة وإثبات الذات لايجب أن تظل مجرد ممر مائي يدر علينا 12 مليار دولار سنويا فقط وإنما لابد من تحويلها إلي منطقة صناعية لوجستية عالمية وتفتح المجال أمام آلاف من فرص العمل للمصريين وتدر علي البلاد مليارات الدولارات ولا مجال هنا للمقارنة بين منطقة قناة السويس وجبل علي) في دولة الإمارات سوي الإرادة السياسية الصادقة والإدارة الاقتصادية الواعية الرشيدة. هذه بعض نماذج لإمكانات وقدرات مصر الفائقة أسوقها لكي أوضح لشبابنا الواعي أن مستقبل هذا البلد مشرق وواعد.. فقط لابد أن نتحسس أقدامنا ونحكم عقولنا وننظر إلي المستقبل بكل الأمل المتفائل. إن (الأمن والاستقرار) هما الأساس الصلب والضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والرخاء لكافة أبناء هذا الشعب العظيم.