أمل فؤاد إن مصر تجيد تصنيع الفراعنة ونسائهم وأبنائهم وحاشيتهم.. فنحن نجيد النفاق والانبهار والتودد والتوسل والتسول والانحناء لكل حاكم وأسر »الشعب يريد لانشون للحلوين«!! تصوروا!! إعلان تليفزيوني يبتذل نداء الثورة النزيه، للترويج السخيف والدنيء لسلعة غذائية!! هكذا تفتق ذهن صناع الإعلان عن استغلال شعبية النداء لمنح المحبة والتسويق »للانشون«.. الذي هو بالطبع من سلالة اللحوم الغالية، وذو سعر مرتفع ومكلف، أي أنه مخصص لمن استطاع إليه سبيلا ماديا!! وفي الإعلان المستفز أيضا.. قطعة لحم أحمر صافي تتقطع أجزاؤها السميكة وتنزلق فوق بعضها البعض في امتزاج شهي، قبل أن تتحول إلي شرائح اللانشون الفاخر المكتظ داخل »ساندوتش« فاجر، مستفز لأصحاب الجيوب والبطون الخاوية، وهم كثر في مصر التي يعيش أكثر من 04٪ من سكانها تحت خط الفقر. وصلة سخاء غذائي في إعلان خيالي (للفقراء).. يتراقص فيه أطفال الصفوة الثرية، بملابس فاخرة زاهية الألوان، غير التي يرتديها التعساء من أطفال العشوائيات، وبذلك يكون الإعلان الطبقي موجها للقادرين وأبنائهم، لكنه يعرض علي الملأ لكل الناس، فيدعم شعور الفقراء بالجوع والتعاسة، ويملأ بطون الأثرياء بالشبع والإقبال النهم علي ملذات الحياة التي يملكون تحقيقها بسهولة. وعلي ذكر الفقر والتمني، رأيت مرارا، بعض أطفال الشوارع الذين يتسمرون للتسول خارج أحد مطاعم وجبات البرجر الشهيرة، وهي بالطبع ليست مطاعم الصفوة، بل يرتادها متوسطو الدخل والطلبة وأبناء الطبقة الوسطي.. المهم أن هؤلاء الأطفال يجمعون ما يستطيعون من مال التسول، ويهرعون داخل المطعم لشراء وجبة تزكم أنوفهم رائحتها التي تنتشر في المكان المحيط به.. هكذا صار طموحهم سد الجوع »بالبرجر«!!! ولم يعد بينهم من يفكر في أفراد أسرته الجوعي، الذين ينبشون غالبا في صناديق القمامة السخية خارج عشوائياتهم المعدمة!! ففي حي المعادي مثلا، دأب بعض الفقراء القادمين من الأحياء الفقيرة المحيطة علي نبش القمامة يوميا، وقال لي أحدهم إن »زبالة الأغنياء مليانة خير«!!! ... وفي أمريكا أيضا أطفال جوعي ومحرومون.. لكنهم تحت مجهر العناية الحكومية ولم تتركهم الدولة ليقتاتوا من النفايات!! ففي برنامج dr.oz الشهير عرض الدكتور المعني بصحة الشعب الأمريكي تقريرا من ولاية أوكلاهوما يشير للمجاعة القائمة بين أطفال الولاية نتيجة البطالة التي يعانيها الأهل، وعدم قدرتهم بالقليل من إعانة البطالة علي إعالة أطفالهم وتغذيتهم كما يجب... وفي هذا السياق، تقوم المدارس الحكومية (المبهرة، النظيفة، المتطورة) بتقديم الطعام للأطفال، وتراعي الدولة أن تكون عناصره الغذائية مكتملة من أجل نمو سليم لجسم وعقل الطفل! وبسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة في أمريكا، يعاني 51 مليون طفل هناك من الجوع وسوء التغذية، وبدلا من النمو السليم، سوف تفقد أمريكا جيلا كاملا يؤدي الجوع إلي اختلال نموهم الجسماني والعقلي، فالتغذية المفتقدة تتضمن غياب العناصر الأساسية للنمو.. لكن الحكومة الأمريكية تحاول تدارك المأساة قبل تفاقمها.. أما في مصر، فإن إهمال الدولة لمصائب الجوع الكافر سوف تحول أكثر من نصف الشعب المصري المهمل إلي حطب جاف ينتظر فرج الهلاك بالموت مثل ضحايا المجاعات والجفاف في أفريقيا والهند! فالفقر ينخرنا كالسوس النهم، والأموال المنهوبة مخفية بأمان حصين في الخارج، عصية علي الاستعادة!! واللانشون يرقص ويغني ويبتذل الثورة علي الشاشة في إعلانات حقيرة... والكرب الاقتصادي يكاد يعصف بالأمنيات الثورية!!! قالت لي صديقة، تعليقا علي مقالي »مذكرات امرأة مكروهة« »سوزان مبارك بالطبع« إن مصر تجيد تصنيع الفراعنة ونسائهم وأبنائهم وحاشيتهم.. فنحن نجيد النفاق والانبهار والتودد والتوسل والتسول والانحناء لكل حاكم وأسرته!!! قلت لها إن في أغنية شهيرة لفنان الشعب سيد درويش مايدعم هذه الرؤية البليدة حين قال: »علشان مانعلي لازم نطاطي«!! لكنه كان ينتقد ويسخر بالطبع ممن يسلك هذا المسلك الوضيع... ومنذ عشرينيات القرن الماضي والأغنية تتردد، لكنها فقدت معناها لأن الطبع غلب التطبع.. وآن لنا الآن أن ننفر من آفة السجود للفرعون وبالتالي إعادة إنتاج أسرة مباركية جديدة مع حلول الانتخابات الرئاسية القادمة، التي نحلم بأن تأتي برئيس يمشي بين الناس في الطرقات دون حرس ولا هيلمان كاذب، مثل أي رئيس أوروبي يخالط الشعب دون خوف لأنه يظل، رغم رئاسته لهم، واحدا منهم، يعود بعد انتهاء ولايته ليسكن بيته القديم ويشتري احتياجاته من أسواق الشعب.. نريد حاكما لا ينسي أنه »خادم الشعب« لبعض الوقت وليس للأبد.. رئيسا يدركه الموت بكرامة، كمواطن في بيته بعد انتهاء ولايته، أو في قصر الرئاسة مصحوبا بدعوات الرحمة من شعب أحبه لحسن أدائه.