بالمفاجأة يمكنك أن تصف رواية "علي محطة فاتن حمامة" فمؤلفها فتحي سليمان الذي عرفه القراء ساخرا من خلال كتابه "كلام مالوش لازقة" يخوض تجربته السردية الأولي وهو مدجج بفنون الحكي، ليفرض اسمه علي المكتبة العربية بقوة كموهبة ثرية يجب النظر إليها باحترام بالغ. يرتكز العمل علي بطل برجوازي مهموم بكشف تفاصيل مكان مرتبط بشخصيات تقودك إلي زمن مضي، تطؤه باستمرار أقدام ذاكرته لتؤكد علي استمراريته في وجدان رحب، وكأنه يؤكد علي أن فكرة وضع حدود بين الأزمنة ينفيها مكان يتسع لتاريخ يبدأ ولا ينتهي بمهارة حكاء يصنع سليمان عالمه الروائي المهموم بتفاصيل مازالت قادرة علي صياغة حبكة متناسقة، انفصال عناصرها لا يقلل من عبقرية الجمع بين تلك العناصر... وجبة تشبه طبق الكشري في طعمه اللذيذ! نص يصفه الروائي فؤاد الحلو ب"الملغم" ويضيف: يتغذي علي القارئ قبل أن يتعشي أي أحد بكاتب النص، ومن المعروف في عالم الكتابة إذا لم يكن في إمكانك إدهاش القارئ، فإياك أن تتحرش بورق الكتابة وما يميز "محطة فاتن حمامة" أنها تقدم لك الفضيحة مستترة.. والشيطان بمسوح الرهبان فيزج بك المؤلف الي حقوله الملغمة.. حتي نسوة المحطة لا تملك إلاأن تضرب كفا بكف وتهتف (ياللنساء .. إلي هذا الحد كان ضلع آدم أعوج؟) رواية هي بحق نص وجداني مباغت يشبه مطر الربيع المنهمر بدون مقدمات وفي أحايين بزعابيب أمشيرية أنها تستفز أقوي مشاعرنا معها أو ضدها وهنا يقع الافتراق في الإبداع. أروع المبدعين هو الذي يجعلك تري الدخان في كلمة حريق. وإذا كانت فاتن حمامة رمزا في ضمائرنا للفتاة المغلوبة علي أمرها وضحية أكثر منها جانية إلا أن محطتها غير هذا بالمرة وهنا التباين والمفارقة يكسب الرواية طعما غير مألوف في ذائقة المتلقي.