فالجميع يعلم أن الحساب لن يتأخر وأحيانا يصل إلي أبواب الصحف، لذلك بدأت عملية إعادة صياغة للصحافة القومية لتكون أكثر انحيازا للناس في الشارع، تبتعد عن السلطة بمقدار ما تقترب من الشعب، ومع رحيل النظام السابق بدأت بشائر الحرية تظهر علي صفحات الصحف القومية، فأفردت صفحاتها لتعلن انحيازها للشعب بعد اختطافها لسنوات في سجن النظام والحزب الوطني. الثورة التي فجرها الشباب جرفت أمامها الصحافة "النظامية" التابعة لنظام مبارك بالأساس بأشكالها المختلفة ورسخت لإعلام جديد لا يخضع إلا لحقائق الشارع بعيدا عن أوهام النظام، من هنا جاءت المطالب بتحويل الصحف القومية من صحف نظام إلي صحف دولة. فقد كان هناك تشابك في العلاقة بين المؤسسات الصحفية القومية والنظام من خلال علاقات متداخلة قد تتدخل في الكثير من الأحيان في العمل الصحفي وتنحرف به عن هدفه من تقديم خدمة معلوماتية إلي تقديم خدمة للنظام بتلميعه بالباطل علي حساب الحقيقة، وهو ما أدي إلي السحب من رصيد الصحف القومية لدي الناس حتي أوشك علي النفاد قبيل قيام الثورة. عودة المصداقية لصحافة الدولة أمر يستوجب وضع هيكل تنظيمي جديد للمنظومة بأكملها لتكون أكثر قربا من المواطن البسيط في الشارع تتحدث عن أحلامه وتتطلع لتوفير حياة أكثر كرامة له، ولم تعرف مصر الصحافة القومية كقاعدة ثابتة ففي البداية كانت الصحافة الخاصة، فالأهرام وأخبار اليوم مؤسسات خاصة مملوكة لمؤسسيها، إلا أن ثورة 1952م وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر قرر تأميم الصحف "الخاصة" ونقل ملكيتها من الأشخاص إلي الأفراد، وهو القرار الذي عرف بقرار تأميم الصحافة في مايو 1960، وربما يكون الحل في حل مشاكل تلك الصحف في عودتها بشكل أو بآخر إلي وضعها المستقل عن النظام وعودتها كصحف مستقلة لا تخضع إلا لقارئها. ربما يكون الحل السهل مضمون النتائج هو إلغاء المجلس الأعلي للصحافة التابع للقوي المسيطرة علي مقاليد الحكم في مصر، ب "مجلس للصحافة" يتكون من كبار الصحفيين والشخصيات العامة النزيهة كممثلين عن القراء يكون مهمته السهر علي حماية تقاليد المهنة، وهو تنظيم مأخوذ به في عدد من البلدان منها السويد وبريطانيا، فهناك أكثر من خمسين مجلسا للصحافة في العالم حاليا، وكلها تهدف إلي تقديم خدمة صحفية متوازنة وحرة لا تخضع لسلطة أو ضغط. وهناك نماذج مختلفة في عدد من دول العالم لشكل وتكوين مجلس الصحافة، ففي السويد والنمسا يشكل مجلس الصحافة من الناشرين والصحفيين، في حين يشكل المجلس من أصحاب الصحف في الولاياتالمتحدةالأمريكية، علي العكس تجد الصحفيين يسيطرون علي غالبية مقاعد مجلس الصحافة في بريطانيا، أما الهند فلابد من موافقة الحكومة علي الأعضاء كشرط للانضمام للمجلس. ربما تكون أحد وسائل التطوير هو استحداث نظام "ممثل القراء" الأمبودس مان (Ombuds man) المطبق في عدد من الدول علي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ويكون مهمته تلقي شكاوي القراء من الصحف، ويقوم ببحثها ثم يقدم توصياته كحل للمشكلة التي سببتها الصحفية، ثم يعقد جلسات مصالحة بين القراء وممثلي الصحف. ويأتي هذا النظام كنوع من التنظيم الذاتي للصحف من منطلق حرصها علي مصداقية أعلي والتزام أدق بمعايير المهنة، لذلك فإن إقرار نظام "الأمبودس مان" ضرورة خصوصا أن من سيقوم علي هذا النظام هم شيوخ المهنة حراس القيم الصحافية ما يمنع أي تجاوز أو تشهير أو استخدام لصفحات الجرائد كتصفية للحسابات. من جانبه قال د.حسن عماد عميد كلية إعلام بجامعة القاهرة لابد من تعديل في أسلوب إدارة تلك المؤسسات من خلال تحويل ملكية تلك الصحف إلي الملكية العامة وإدارتها من خلال مجالس التحرير التي تنتخب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير، كما يتم تخصيص جزء من أسهم تلك المؤسسات للعاملين فيها. وطالب "عماد" بضرورة إصدار قانون إتاحة المعلومات الذي يتيح المعلومات أمام الصحفيين والجمهور بشكل يسمح بتكوين مجتمع الشفافية ويقضي علي الفساد من خلال إجبار جميع المؤسسات والهيئات الحكومية بالكشف عن معلوماتها أمام الجميع. وقالت د.ليلي عبد المجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا إن المجلس الأعلي للصحافة يوجد نموذج مقارب له في دول العالم، ففي السويد وبريطانيا مثلا هناك مجلس للصحافة من الناشرين والصحفيين والشخصيات العامة مهمتها تنظيم ذاتي للمهنة وليس التحكم في أهل المهنة ولا يخضع للحكومة بأي شكل من الأشكال، وهو المطلوب في مصر أن يتحول المجلس الأعلي للصحافة إلي مجلس مشكل من أهل المهنة، وهو أمر يستتبع تغيير قانون نقابة الصحفيين وإعادة النظر في تعريف الصحفي للسماح بدخول الصحفي الإلكتروني، والسماح للصحفي بتملك الصحف فمن غير المعقول أن يكون من حق المواطن العادي تملك الصحف وهو أمر ممنوع منه الصحفي. أما الصحف القومية فيجب أن تتحول إلي شركات مساهمة يتملك العاملون فيها جزءا من الأسهم والباقي يطرح للملكية العامة ويتم اختيار رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير بالانتخاب. وتقترح د.ماجي الحلواني أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن يتم اختيار رؤساء تحرير الصحف والهيئات الإعلامية من خلال الجمعية العمومية بالانتخاب وأن تحدد فترات محددة لرئاسة التحرير أو الهيئة، مشيرا إلي هيئة الإذاعة البريطانية التي تدعمها الدولة لكنها تتركها باستقلالية. وقالت "الحلواني" يجب رفع أي قيود علي إصدار الصحف وأن تكون بالإخطار، وتحويل الصحف القومية إلي شركات مساهمة يمتلك العاملون فيها نسبة من الأسهم فيصبحوا أصحاب قرار من خلال الجمعية العمومية، بالاضافة إلي إعادة النظر في صياغة الصحف الخاصة وتراخيصها ويصبح لها إطار مختلف.