بعد 37 عاماً في السلطة، وفي عامه الثالث بعد التسعين، رحل روبرت موجابي عن رئاسة زيمبابوي.. رئيس زيمبابوي الجديد إمرسون منانجاجوا، الذي تولي مقاليد السلطة بدعم من الجيش، طرح رؤية واسعة عن سبل تنشيط اقتصاد البلاد المنهار، وتعهد بالحكم باسم كل المواطنين. وخلال أداء اليمين الدستورية حاكما للبلاد، بعد أيام من الإطاحة بروبرت موجابي، تعهد منانجاجوا القائد السابق للأمن (75 عاما) بضمان حقوق كل المستثمرين واستئناف الاتصالات مع الغرب وقال إن الانتخابات ستجري في موعدها المقرر العام المقبل. وفي خطاب استمر 30 دقيقة أمام عشرات الآلاف من المؤيدين بالاستاد الوطني في هراري حاول منانجاجوا، الملقب بالتمساح نظراً لقسوته وقدرته علي المناورة والخداع، استرضاء معارضيه في مسعي علي ما يبدو للتغلب علي الانقسامات العرقية والسياسية التي استغلها موجابي طوال حكمه الذي امتد 37 عاما. وأشاد منانجاجوا "بصوت الشعب" خلال الانتقال الدرامي الذي أدي لصعوده إلي السلطة. لكن البعض يتساءل عما إذا كان الرجل الذي خدم موجابي بإخلاص علي مدي عقود قادرا علي إحداث تغيير كبير في المؤسسة الحاكمة المتهمة بارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان وإتباع سياسات اقتصادية كارثية. نموذج صيني ديفيد كولتارت وزير التعليم السابق وعضو البرلمان عن حزب الحركة من أجل التغيير الوطني المعارض، قال إن الرئيس الجديد يتبع نموذج الصين. وأوضح: "سيتحرك لجعل زيمبابوي موقعا جذابا للاستثمارات وأكثر كفاءة لكن مثل الصين لن يتسامح مع المعارضة". وتتركز التساؤلات بشكل خاص علي دوره فيما يعرف بمجزرة جوكوراهوندي التي وقعت في ماتابيليلاند في 1983 وقتل فيها نحو 20 ألف شخص في حملة استهدفت معارضين لموجابي شنتها الفرقة الخامسة التي تلقت تدريبها في كوريا الشمالية. وكان منانجاجوا حينها مسؤولا عن الأمن الداخلي لكنه نفي أي مشاركة في المجزرة. وتحدث بعض منتقديه عن المعاملة الفظة التي أبداها الجنود مع المعارضين للتدخل العسكري الأسبوع الماضي وهو انقلاب فعلي ضد موجابي (93 عاما) وزوجته جريس (52 عاما). بعد ساعات من إجبار موجابي علي التنحي، كان يوري موسيفيني رئيس أوغندا، وهو زعيم ميليشيا سابق يجلس علي كرسي السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، يكتب تغريدات عن زيادة أجور الموظفين العموميين وآفاق مشرقة للطواقم التي تشغل الدبابات في الجيش. لكن تغريدات موسيفيني البالغ من العمر 73 عاما، والتي جاءت في ظل تزايد الغضب من محاولاته إطالة أمد حكمه، توحي بأنه واحد من عدة زعماء أفارقة يتساءلون عن استقرار أوضاعهم. وكتب موسيفيني علي تويتر "في ظل تحسن الوضع الاقتصادي في أوغندا ستتمكن الحكومة من دراسة زيادة أجور الجنود والموظفين الحكوميين والعاملين بقطاع الصحة والمدرسين" وكذلك التعامل مع مشاكل الإسكان. ولم يتضح عن أي تحسن يتحدث، حيث ينمو اقتصاد أوغندا المتعثر بوتيرة بطيئة للغاية لا تسمح له باستيعاب شعب يبلغ تعداده 37 مليون نسمة. وأفاد مكتب الإحصاءات في سبتمبر الماضي أن عدد المواطنين الذين ينفقون أقل من دولار في اليوم ارتفع إلي 27 ٪ من 20 ٪ قبل خمسة أعوام. حكام مسنون يشغل موسيفيني منصب الرئاسة منذ 1986 وهو واحد من أطول حكام أفريقيا بقاء في السلطة. ومن بين هؤلاء رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج الذي يشغل منصبه منذ 38 عاما والرئيس الكاميروني بول بيا الذي يحكم بلاده منذ 35 عاما ورئيس الكونجو دينيس ساسو نجيسو الذي يحكم البلاد لفترتين مجموعهما 33 عاما. وتحكم أسرة جناسينجبي إياديما توجو منذ نصف قرن، كما تدير أسرة كابيلا جمهورية الكونجو الديمقراطية منذ أن وصل لوران كابيلا إلي السلطة في عام 1997. وخلفه ابنه جوزيف في 2001. وتسمح بعض الدول بفترتي رئاسة فقط لكن العديد منهم غير هذا التشريع. وفي الكاميرون، ألغي بيا القيود علي فترات الولاية وشن حملة ضد المعارضة. وفي الكونجو سجن نجيسو زعيما للمعارضة هذا العام لاحتجاجه علي إزالة القيود عن فترات الرئاسة. لكن سقوط موجابي سبب قلقا في قارة شهدت بلدانها الشمالية إطاحة انتفاضات الربيع العربي بأنظمة قمعية كان يُنظر إلي بعضها علي أنها قمعية. وفي تصريح ذي مغزي، قال فرانك إيسي الأمين العام لحزب الشعب الكاميروني المعارض إن حركات المعارضة تراقب عن كثب الأحداث في زيمبابوي. وأضاف"علي الزعماء أن يطبقوا آليات لتحول ديمقراطي وسلمي يسمح بوجود قيادة جديدة. إذا لم يفعلوا ذلك فآجلا أم عاجلا سيستيقظ الناس الذين يشعرون بالاختناق". وشهدت بعض الدول تغييرا بالفعل فقد أطيح برئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري في احتجاجات في 2014 بينما كان يحاول تغيير الدستور لتمديد حكمه المستمر منذ عقود. وفي يناير الماضي هرب حاكم جامبيا يحيي جامع بعد الضغط عليه لإنهاء حكمه الذي استمر 22 عاما. وتنحي رئيس أنجولا خوسيه إدواردو دوس سانتوس هذا العام بعد أربعة عقود في السلطة. وأبعد خليفته الذي اختاره بنفسه بعضا من أهم حلفاء دوس سانتوس. وبالنسبة لكثير من الدول فإن تحول ولاء القوات المسلحة علي غرار ما حدث في زيمبابوي، أو حدوث انشقاق في الدوائر القريبة يمثل واحدا من عدد قليل من السبل التي يمكن بها الإطاحة بالحكام من السلطة. ورغم المعارضة القوية في زيمبابوي فإن التغيير لم يحدث إلا عندما حدث انشقاق في دائرة موجابي القريبة بشأن خططه بشأن الخلافة الأمر الذي دفع الجيش لوضعه رهن الإقامة الجبرية. وخرج مئات الآلاف في احتجاجات بتوجو هذا العام داعين إلي نهاية حكم أسرة إياديما المستمر منذ نصف قرن لكن الاحتجاجات لم تفض إلي شيء. وتقول بريجيت أدجاماجبو جونسون وهي مسؤولة كبيرة بالمعارضة في توجو إنهم كانوا يأملون في تغيير في السلطة علي غرار زيمبابوي حيث ينحاز الجيش إلي جانبهم. وأضافت "كنا نود من جيش توجو أن يحارب بجانبنا. تأثرنا عندما شاهدنا جيش زيمبابوي وشعبها في الشوارع يرقصون. هذا ما نريده في توجو". حرمان أدي هبوط أسعار السلع الأولية إلي حرمان بعض الدول من الموارد التي كانت تستخدمها تقليديا لكسر الاحتجاجات وفي بعض الحالات تسبب الفساد في إفراغ خزانة الدولة. وفي وسط أفريقيا أرجأ كابيلا رئيس الكونجو الانتخابات مرارا بعد أن رفض التنحي في نهاية فترة ولايته العام الماضي الأمر الذي فجر احتجاجات قاتلة. وكتب جان بيير كامبيلا نائب مدير مكتب كابيلا علي تويتر يقول إن احتجاجات زيمبابوي هي خيال استعماري، وكتب قائلا "مظاهرة مفبركة من وحي خيال من لا يقبلون تحرير أفريقيا. سيولد أكثر من موجابي. لا شيء يدعو للقلق".. وأزالت أوغندا وهي حليف وثيق للغرب وتستعد لبدء تصدير احتياطياتها الكبيرة من النفط، القيود علي فترات الولاية لتمديد حكم موسيفيني في 2005. ولم تشهد البلاد عنفا في عهد موسيفيني مثل ما شهدته في عهد الحاكمين المستبدين اللذين سبقاه. لكن التوترات تتفاقم حاليا مع تداعي الخدمات الاجتماعية ويحاول مشرعون إزالة الحد الأقصي للسن الذي يمنع موسيفيني من الترشح في الانتخابات المقبلة. واستخدمت الشرطة القوة المميتة ضد المحتجين واعتقلت زعيم المعارضة الرئيسية مرارا. وطردت قوات الأمن مشرعين يعارضون مشروع القانون خارج البرلمان. وداهمت الشرطة مؤخرا مقر صحيفة شهيرة واعتقلت ثمانية من موظفيها. ورفض أوكيلو أورييم وزير الدولة الأوغندي للشؤون الخارجية عقد أي مقارنات مع زيمبابوي قائلا إن الإطاحة بموجابي تمت نتيجة تدخل غربي.. وقال لرويترز "أجهزة المخابرات الغربية عملت ليلا ونهارا لإسقاط زيمبابوي... ضغط المواطنين في زيمبابوي لن يفلح إلا عندما يسمح به الجيش". لكن زعيما آخر للمعارضة في أوغندا هو أسومان باساليروا حذر من أن زعماء الدول الذين يرفضون التنحي يجازفون بإسقاط بلدانهم في هوة الصراعات. وأضاف أن التدخل العسكري لإنهاء الديكتاتوريات لا يفضي في النهاية سوي لمزيد من القمع وهو أمر يخشي كثيرون أن يكون بانتظار زيمبابوي. وقال باساليروا "حان الوقت لإرساء قواعد الديمقراطية في القارة. من لم يختبروا ما حدث في مصر وتونس وليبيا والآن زيمبابوي عليهم فقط انتظار دورهم لأن الدور حتما سيأتي عليهم".