الأربعاء: فعلت أمريكا ما فعلت بالعراق وكذب الصغير بوش علي العالم أجمع. وتأكد بعد ذلك أنه لم يكن وراء تلك الجريمة سوي سببين لاثالث لهما: أولهما البترول العراقي وقد صار عمليا في "الحوزة" الأمريكية، ويري البعض أنه الأعلي احتياطيا في العالم. وثانيهما اسرائيل وقد تخلصت في ظنها من صداع صدام والعراق: القوي، الثري والمسيطر علي ثروته.. وفيما بعد بدأت سلسلة من المهانات الهادئة من بيبي "نتنياهو" للرئيس الأمريكي الجديد أوباما، صاحب الصورة الإيجابية والفصاحة المشهودة، عندما طالبه بوقف المستوطنات مع العودة للمفاوضات مع الفلسطينيين وبدء تنفيذ حل الدولتين، لكن إسرائيل واللوبي التابع لها بالداخل الأمريكي أجبروه علي أن يبتلع مهانته وأن يتحول للضغط علي الفلسطينيين لدخول المفاوضات دون شرط وقف المستوطنات، وتراجع عباس كما تراجع أوباما علي طريقة القصري: حاتنزل المرة دي لكن المرة الجاية لاممكن أبدا!.. والآن نحن أمام مشهد جديد في مسلسل كنا نظنه الأخير، واتضح أنه علي طريقة السلاسل ذات الأجزاء الهوليودية التي يمكن أن تستمر لسنوات وعقود، وكانت بداية أحدث الأجزاء مثيرة نسبيا.. "بايدن يحتضن اسرائيل ويهيم بها حبا وعشقا"، في العلن وليس في السر أو من وراء ظهر زوجته التي كانت ترافقه في تلك الزيارة الساخنة للدولة الصهيونية، وقد تصرف بايدن بخبرته القديمة كعضو كونجرس، خاضع لتأثير سحر العشيقة المدللة واللوبي التابع لها، ولم يتصرف كسياسي كبير ونائب لرئيس أكبر دولة في العالم، لذلك فوجيء بأن الزيارة انقلبت إلي غم، له ولدولته، فالعشيقة اللعوب رفعت سقف دلالها بسبب ضعف العرب إلي جانب ذلك الإغداق العاطفي والغزل المبالغ فيه من بايدن، ومنه أنه جاء ليقنع العرب أيضا أن يدخلوا اللعبة ضد إيران علي اعتبار أنها الخطر الحقيقي عليهم (!!) بسبب كل ذلك امتلأت إسرائيل بالنشوة وتصرفت كثرثارة فضاحة لنفسها ولعشيقها الذي يصرف عليها ويحميها "من ساسها لراسها"، وعندئذ أخرج "بيبي" اليد الإسرائيلية علنا ليصفع بها وجه بايدن وأمريكا علي مرأي ومسمع من العالم، وتم إعلان بناء 1600 وحدة استيطانية بالقدس الشرقية ثم تم تسريب خبر إنشاء 50 ألف وحدة أخري بالضفة خلال نفس الزيارة .. لم تراع إسرائيل أن هذه الصفعة مع صعوبات الداخل الأمريكي يمكن أن تنهي مستقبل أوباما السياسي، ولم تنظر سوي لمصلحتها وإشباع نهمها لابتلاع الأرض وبناء المستوطنات، كما لم تراع أن الراعي في أزمة حياة حقيقية، قد يفقد بسببها مكانته وتفوق اقتصاده وثرائه وتحكمه في العالم، فهل في هذه الحالة يمكن أن يفضل الراعي عشيقته منعدمة الضمير علي واجبه نحو بلده وشعبه ومكانته العظمي المهددة بالسقوط في مدي منظور؟.. هذا يتوقف علي ضمير أمريكا المتعارض مع مصالحها، كما يعتمد علي إرادة العرب وهل يتصرفون بجدية أم برؤية ضيقة لا تري سوي تحت قدميها فحسب؟! الأخطر أن العشيقة اللعوب، بغباء الغطرسة وعمي الجوع والجشع، تطلب من عشيقها أن يعطيها كل شيء علي حساب أعدائها "العرب" متجاهلة أن أمريكا رغم استمرار تظاهرها بالقوة واعتمادها علي أسلوب الترهيب والتخويف لهؤلاء العرب، فإنها في الحقيقة في أشد الحاجة إليهم، فقد وهبهم الله ثروات، علي رأسها البترول، ستظل أمريكا تلهث وراءها طالما ظلت طامحة في استمرار تفوقها العالمي، لكن يبدو أن التعصب والجشع الصهيوني أهم لدي إسرائيل من مصلحة أمريكا ذاتها.. لكن هناك حقيقة أخري ساطعة علي الشاطيء الآخر هي أن الطوفان الصيني الآسيوي الجارف لن يبقي ولن يذر مهما فعلت أمريكا، حتي لو جن جنونها وظهر بها هتلر جديد وقاد العالم نحو هاوية حرب عالمية ثالثة مدمرة، فالفيض السكاني الآسيوي الأكثر من رهيب قادر أن يبقي بعد أن تطحن الآلة الحربية وحتي النووية الكثير من عظام الشرق ومعها كل عظام الغرب الأمريكي الأوربي ( الناتو ) ويظل ما يتبقي من العالم بين يدي آسيا ومعهم من يريد لهم الله البقاء.. شخصيا أرجو للعشيقة الجائعة، التي لا يشبع نهمها شيء، أن تستمر في هذا الضغط والتدلل والاستنزاف المرهق لجسد عشيقها الذي يتقبل ذلك بسهولة غريبة ومريبة ويغلفها ببعض الاحتجاجات الكاذبة المضللة إلي أن تخور قواه ونجده ممدا علي بطنه أمام كل الدنيا في حالة تامة من الفضيحة والتجريس اللذين تستحقهما امبراطوريات كان ينظر إليها العالم بآمال وأحلام كبري، لكنها طغت وبغت وتصرفت بتعصب وظلم وعنصرية وحروب شرسة ضد أعداء تختلقهم هي أولا ثم تخطط وتضغط وتجيش جيوش العالم للقضاء عليهم، وقد شجعها علي ذلك انهيار المعسكر الشيوعي والاشتراكي أمامها، فتحولت إلي العالم العربي والإسلامي.. لكنها لا تدري أن هذا الجسد المهلهل، قد يكون هو القشة التي تقصم ظهر البعير، والسلاح في ذلك بسيط وساذج للغاية، وهو الروح القتالية وحب التضحية، وانظروا ماذا حدث في العراق وأفغانستان والصومال وجنوب لبنان وغزة.. وهناك يقين بأن العرب لن يحاربوا معارك أعدائهم ضد إيران أو غيرها.. ويقين آخر بأن الصينيين والآسيويين قادمون لزعامة العالم. الحق.. ولغة القوة الخميس: بالإصرار والشخصية التركية الشهيرة تمسك رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي بضرورة اعتذار اسرائيل الرسمي، بسبب واقعة سوء تعامل أحد دبلوماسييها مع السفير التركي بتل أبيب، وحاولت إسرائيل التملص والهروب من المأزق لكنها تعلم الشخصية التركية جيدا بالإضافة إلي قوة تركيا اقتصاديا وعسكريا بالمنطقة، فاضطرت في النهاية للرضوخ وتقديم اعتذار رسمي صريح.. ومؤخرا أصر الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي علي ضرورة اعتذار أمريكا عن الأسلوب الساخر الذي تناوله به أحد دبلوماسييها، الذي حاول تخفيف المعني الذي قصده من كلامه، لكن القذافي تصرف باللغة التي تفهمها أمريكا واستدعي رؤساء شركات البترول الأمريكية العاملة بليبيا، وهنا فقط اعتذر الدبلوماسي الأمريكي للعقيد القذافي. وقبل ذلك اتخذ القذافي موقفا مشابها مع سويسرا، وثالثا مع ايطاليا التي اعتذرت عن فترة احتلالها لليبيا، ووافقت علي دفع تعويضات عن ذلك.. هذه هي اللغة الوحيدة التي تفهمها اسرائيل وأمريكا والغرب.. هل يعي بقية العرب الدرس ويدركون مدي قوتهم الحقيقية .. وهل يتم اتخاذ موقف حقيقي وجاد إزاء القضية الفلسطينية؟.. نرجو ذلك!