أعادت مطالبات إحياء اللغة المصرية القديمة والحفاظ عليها من الاندثار شغف المصريين من جديد للتعرف علي أصل لغتهم الفرعونية القديمة باعتبارها جزءاً من الهوية المصرية، حيث دعا قصر ثقافة محافظة الغربية مؤخراً إلي إحياء لغة المصريين القدماء وضمها إلي المناهج الدراسية في المدارس. تتزامن هذه الدعوات مع مرور 195 عاما علي نجاح العالم الفرنسي "جان فرانسوا شامبليون" في فك رموز اللغة الهيروغليفية القديمة، والتي كانت اللغة الدينية المقدسة المتداولة في المعابد الفرعونية وقتذاك مقابل اللغة الديموطيقية التي كانت لغة الكتابة الشعبية "العامية المصرية"، حيث أزيح الستار عن مفردات هذه اللغة التي حملتها نقوش الحضارة المصرية القديمة والتي ظلت لقرون عديدة لغزًا محيرًا للعلماء والباحثين والمهتمين بقدر ما حملته الحضارة المصرية القديمة من قدرة علي إثارة وإعجاب ودهشة وخيال المهتمين بتاريخ العالم وتراثه وحضارته والمهووسين بها حتي يومنا هذا في مختلف دول العالم. ويعد حجر رشيد مفتاحا لفك رموز اللغة المصرية القديمة، حيث يعود تاريخه إلي عام 196 قبل الميلاد فيما كان اكتشافه عام 1799 علي يد جنود الحملة الفرنسية ثم نقل من رشيد إلي القاهرة بناء علي أمرنابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية آنذاك والذي أمر أيضا بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص، ثم حصل عليه الإنجليز من فرنسا بموجب معاهدة الإسكندرية وفي عام 1802 وبمقتضي اتفاقية العريش التي أبرمت بين بريطانيا بقيادة القائد نيلسون وفرنسا بقيادة القائد مينو، وصل حجررشيد إلي المملكة المتحدة حيث تسلمت إنجلترا بمقتضي هذه الاتفاقية الحجر، ويوجد حاليا في المتحف البريطاني. المعروف أن الهيروغليفية استخدمت لنقش وزخرفة النصوص الدينية، وظلت لغة كتابة متداولة حتي القرن الرابع الميلادي، كما تحتوي علي نصوص مثلها مثل اللغة اليونانية القديمة وأيضا اللغة اللاتينية، وقد اسخدمت الهيروغليفية كنمط كتابة رسمي في عصرالدولة القديمة لتسجيل الأحداث علي المعالم والنصوص الدينية علي جدران المعابد والمقابر وأسطح التماثيل والألواح الحجرية المنقوشة والألواح الخشبية الملونة التي نشاهدها الآن في المعابد المختلفة، وبسبب طبيعتها كانت تعد منذ القدم نظامًا للكتابة وفنًا زخرفيًا جميلا مثلها في ذلك مثل الخط العربي الآن، وكتبت اللغة المصرية القديمة في خطها الهيروغليفي أفقيًّا ورأسيًّا من اليمين إلي اليسار فيما عدا الحالات التي تحتم تغيير اتجاه الكتابة لتتواءم مع اتجاه منظر أو نص معين علي عنصر معماري ذي طبيعة خاصة. تتضمن اللغة المصرية القديمة قواعد مثلها مثل أي لغة حيث نلاحظ حرف الألف في الهيروغليفية يُمثل طائر العقاب، ونقول (بر) بمعني »بيت»، ونقول (ست) بمعني »سيدة» كما تحتوي هذه اللغة القديمة في خطها الهيروغليفي علي مجموعة رموز مستمدة من حياة المصري القديم اليومية وبحسب علماء اللغة والمتخصصين في اللغة المصرية القديمة يوجد العديد من الكلمات التي يستخدمها المصريون حتي اليوم في لهجتهم العامية دون علمهم وهذه الكلمات كان يستخدمها الفراعنة في مصر القديمة، حيث ظهرت لأول مرة في مخطوط رسمي ما بين عامي "3300" قبل الميلاد و"3200" قبل الميلاد، وسميت بالهيروغليفية لأنها تعني بالإغريقية "نقش مقدس"، وفيها استخدمت الرموز لتعبر عن الأصوات. ومن الكلمات التي مازال يستخدمها المصريون دون علمهم أن أصلها يرجع للغة المصرية القديمة كلمة "مم" وتعني الأكل والطعام و"إمبو" وتعني الشرب، وفي الصعيد يقولون "تح يابوي"، و"تح" أتت من الكلمة المصرية القديمة "اتح" وتعني شد أو اسحب، و"روح تف ونف بعيد" والتف هو صوت البصق، والنف هو صوت مخاط الأنف.أمبو، تاتا تاتا وتعني امشي و"رخي"، وتغني نزول المطر و"مكحكح" و"كخة" القذارة و"البعبع" مأخوذة من "بوبو" وهو اسم لعفريت مصري مستخدم في تخويف الأطفال. وهناك مصطلحات شعبية مثل كلمة "شبشب" وأصلها سب سويب، ومعناها مقياس القدم، وتعني كلمة "مدمس" الفول المستوي في الفرن، ويعود أصلها لكلمة "متمس" الهيروغليفية، ومعناها إنضاج الفول بواسطة دفنه في التراب. وفي موسم الشتاء يقول المصريون "يامطرة رخي رخي"، وكلمة "رخي" هيروغليفية معناها "انزل"، وهناك كلمات أخري يتداولونها وهي في الأصل هيروغليفية، مثل كلمة "نونو" وتعني الوليد الصغير، و"مكحكح" وتعني "العجوز المشيب"، و"بطح" يعني ضربه في الرأس وأسال دمه. أيضا من الكلمات التي تستخدم في الشارع حتي الآن، كلمة "طنش" التي تعني لم يستجب، و"ست" وتعني امرأة، و"خم" وتعني خدعة، وكلمة "ياما" وتعني كثير، وكلمة "مقهور" ومعناها حزين، و"هوسة" و"دوشة" ومعناهما ضجيج وصوت عالٍ، و"كركر" تعني ضحك كثيرا، وكلمة "كاني وماني" وهي اللبن والعسل في الهيروغليفية. إبراهيم الشافعي مدير قصر ثقافة المحلة، يقول إن المبادرة لتعلم لغة الفراعنة جاءت من خلال مقترح وفكرة من المسئولين بإدارة التربية المتخصصة والمتاحف بضرورة إحياء التراث الفرعوني وحمايته من خطة المغالطة والطمس الممنهج التي يتعرض لها التاريخ المصري، القديم لافتا إلي. الاتفاق علي عقد دورات متخصصة يحاضر بها نخبة مميزة من الأساتذة االمتخصصين في اللغة المصرية القديمة بالجامعات المصرية، موضحا برغم أن الدعاية للمبادرة كانت علي نطاق محدود إلا أن عددا كبيراً من الشباب والفتيات والنساء والأطفال أقبلوا علي الدورة، مشيرا إلي أن من ضمن فاعليات الدورة زيارة للمناطق الأثرية خاصة الأهرامات وزيارة المتحف المصري. وشدد الشافعي أنه يسعي لجعل دورات تعليم اللغة المصرية القديمة جزءا أساسيا من نشاط قصر ثقافة المحلة، مطالبا أساتذة الجامعات المصرية بتدريس اللغة المصرية القديمة، إضافة إلي مطالبة وزارة التربية والتعليم بضرورة الاهتمام بالهيروغليفية وتدريسها لطلاب المدارس في المراحل التعليمية المختلفة وأن تكون البداية من المرحلة الابتدائية. بينما يري الدكتور أحمد صالح، مدير عام آثار أسوان إن اللغة المصرية القديمة استخدمت علي مدار فترة زمنية تصل لنحوثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، ولكنها كانت تكتب بخطوط هيروغليفية وهيراطيقية وديموطيقية، و في العصر المسيحي استخدمت نفس اللغة المصرية القديمة ولكنها بخليط من الحروف الديموطيقية والإغريقية وهي ما تعرف باللغة القبطية. لافتا إلي أن آخر نص هيروغليفي كتب في منتصف القرن السادس الميلادي علي جدران معابد فيلة بأسوان، وظلت اللغة المصرية القديمة بخطوطها الهيروغليفية مجهولة حتي عام 1822عندما نجح شامبليون في اكتشاف اللغة المصرية القديمة، ولكن برغم طول هذه الفترة إلا أن اللغة لم تمت ولم تندثر وظلت مستخدمة علي شفاة المصريين، فيما يعرف باللغة الدارجة والعامية. يضيف أن اللغة استخدمت في دور العبادة المسيحية ولا تزال حتي اليوم ويرجع الفضل في هذا للأقباط وعامة المصريين في معرفة الأصوات وطريقة نطق اللغة، وهو ما اعتمد عليها شامبليون، موضحا أن الشيء الذي ربما لا يعلمه المصريون أنهم لا يزالون يحتفظون بنفس لغة أجدادهم الفراعنة رغم تحدثهم باللغة العربية، وأنهم لودققوا في بعض الكلمات الغريبة التي توجد في القواميس العربية وردوها إلي القواميس الهيروغليفية والقبطية سيكتشفون أنهم لا يزالون مرتبطين بأجدادهم المصريين القدامي.لافتا إلي ضرورة الاهتمام بلغة الأجداد وتدريسها في مدارسنا حني يتعرف الأجيال علي حضارتهم ولغتهم القديمة. أما الدكتور زاهي حواس فيؤكد أن اللغة المصرية القديمة أول لغة مكتوبة ومعروفة في العالم، حيث كان من المعتقد من قبل أن اللغة السومرية أقدم من اللغة المصرية القديمة، ولكن عالم الآثار الألماني "جونتن دراير" من خلال حفائره في أم الجعاب بالعرابة المدفونة بمحافظة سوهاج، وهي المنطقة التي يوجد بها مقابر ملوك الأسرة الأولي وآخر ملكين من الأسرة الثانية، اكتشف أن المصريين القدماء قد عرفوا الكتابة قبل قرنين من معرفة السومريين لها. وهناك أدلة تشير إلي أنهم عرفوا الكتابة بنحو مائتي عام، قبل أن يتم توحيد القطرين علي يد الملك "حور عحا" الشهير ب"مينا"، موضحا أن هذا الكشف له أهمية كبري بالنسبة للغة المصرية القديمة. يضيف أن اللغة المصرية القديمة واحدة من خمسة فروع لعائلة اللغات القديمة والتي تنطق، أي يتم الحديث بها، والتي ظهرت في غرب أفريقيا والشرق الأدني القديم، وعرفت باسم (الأفروآسيوية) أو (الحامية السامية) مشيرا إلي أنه من الملاحظ شيوع عدة عناصر في المفردات وقواعد علم النحو لبعض اللغات القديمة؛ مما يرجح أن هذه الفروع اللغوية الخمسة قد اشتقت جميعها من لغة بدائية مبتكرة، فضلا عن أن اللغة المصرية القديمة يوجد بها بعض الكلمات التي وردت في لغات الشعوب الأخري المعاصرة.