الخميس الماضي كان موعدا للفرح لكل مصري وعربي وإنسان حر ينشد العدالة والحق للشعب الليبي الذي ذاق الأمرين لأكثر من أربعة عقود من الزمن علي يد طاغية أبي أن يغادر الحكم طواعية فنزع الله ملكه وأذله بعد أن عاش في عز، وشرفاء شعبه في ذلة وهوان ، تسمرت العيون وهتفت القلوب وملأت الفرحة الشفاه والوجوه هذا شعب ينتصر ويسقط طاغيته ، تذكرت نفس اللحظات التي مرت بنا مرتين في عام واحد لم ينقض بعد يوم سقوط بن علي وأكبر منها – كمصريين – يوم تنحي مبارك التي بكي فيها المصريون فرحا مساء الجمعة 11 فبراير ، بن علي هرب صباحا والقذافي سقط قتيلا ظهرا ومبارك تنحي ليلا ثم سجينا، في سلسلة ثورات الجوار الجغرافي وفي قائمة الانتظار صالح والأسد حتي فصل الختام في خماسية سقوط الطغاة ! ولكن ماذا بعد ؟ تلك الجملة التي تعيدنا إلي دائرة الواقع وتخرجنا من دائرة الفرح إلي الهواجس والهموم والخوف والقلق علي الحاضر والمستقبل ، قالها التونسيون والمصريون من قبل ويرددها الليبيون الآن ، الشعوب الثلاثة أسقطت الأنظمة التي حكمتها طويلا ولكن بكلفة كانت الأعلي ماديا وبشريا في الثورة الليبية وفي فترة هي الأطول (ثمانية أشهر) وشهدت تدخلا عربيا ودوليا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ربما سيكون نتائجه هو أول وأهم تحديات الثورة بعد انتصارها ، فالغرب لايوزع الهبات وليس جمعية خيرية محبة للسلام وحقوق الإنسان ووفود بلدانه لم تنقطع عن زيارة بنغازي ثم طرابلس لتأمين استحقاقاته القادمة ومدي استعداد الليبيين لسداد فاتورة دعمهم العسكري وبالطبع يتصدر البترول الليبي المشهد والهيمنة علي عمليات إعمار البلاد خاصة مع تدهور اقتصاديات دول منطقة اليورو وصولا للعملاق الأمريكي الذي يعاني اقتصاديا وتكاد أقدامه تحمله!! ولكننا نقول أيضا من حق الشعب الليبي أن يفرح بانتصاره علي طاغية العصر وهو ليس الوحيد وإنما يقف معه علي نفس القدر والدرجة طاغيتان آخران لايقلان عنه وحشية وقسوة ودموية في سوريا واليمن وسيفرح شعبا البلدين بانتصارهما في القريب ، وكما أن الجزائر هي بلد المليون شهيد فإن ليبيا تعرف بأنها بلد المليون حافظ للقرآن وهو مايعادل خمس سكانها والنظام القادم سوف يقلق دوائر الغرب ولذا فعلي الليبيين التحسب والحذر لأن حربا إعلامية وسياسية ضروسا سوف تشن عليهم للصق تهمة التطرف والإرهاب وربما ستنطلق حملات إعلامية مشبوهة لإشعال الصراع بين التيارات الليبرالية والعلمانية والإسلاميين كما هو الحال في تونس ومصر ، لم ييأس الليبيون من رحمة الله وعدله والثمن الباهظ الذي دفعوه لتحقيق النصر فكان لهم ذلك. العون الإنساني والدعم اللوجيستي العسكري للثوار سيكون بوابة التدخل الغربي في الشأن الليبي وهذا مايجب أن تحذر منه القيادة الجديدة للبلاد فلا مشكلة في تأمين احتياجات الغرب من البترول أو في عقود الإعمار لكن مكمن الخطورة في دخول الغرب علي تحديث وتطوير الأجهزة السيادية كالجيش والشرطة والمخابرات بحجة التعاون مما قد يجعل ليبيا ساحة مكشوفة واختراق أمنها القومي وربما تدار المؤامرات علي البلد منها، ولذا فالتعاون مع دول الجوار خاصة مصر في هذا المجال قد يكون أفضل بما تملك من خبرات اقتصادية وقانونية وعسكرية ويجب ألا تترك ليبيا وحدها عرضة لتلك المؤامرات بعد تحررها من نظام دموي، ولاأعتقد أن مصر سوف تتأخر عن تلبية احتياجات الأشقاء حال طلبها خاصة بعد الثورة ونهاية الصداقة الوثيقة والمريبة وأوجه التماثل بين نظامي مبارك والقذافي! وأولي صور التدخل الدولي في الشأن الليبي مادعت إليه منظمة العفو الدولية ومفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بفتح تحقيق في مقتل القذافي وهي هيئات لم تفعل ذلك في مقتل مئات الآلاف في العراق وأفغانستان ولاقتل بن لادن أو اصطياد قادة تنظيم القاعدة بطائرات بدون طيارين في عدة بلدان عربية وأفريقية وقبل ذلك إعدام الآلاف من الشباب والإسلاميين في عهد القذافي وقتل سجناء معتقل أبوسليم وخمسين ألفا علي يد كتائبه وكان مصيره المحتوم الموت بنفس الطريقة !! أما عن أخطاء الثورة المصرية فحدث ولاحرج التي نرجو ألا يقع فيها الثوار الليبيون وأشك أن يحدث ذلك لأن ثورتهم مكتملة فهي قضت علي كل أركان النظام بالقوة لكن الجدل العقيم أخر مسيرة الثورة المصرية لشهور طويلة خاصة بعد تردد عبارة أن الحكومة الليبية الجديدة يجب ألا تكون من لون واحد وهو ماينذر بصراع مبكر ومماثل بين العلمانيين والقوميين والإسلاميين إضافة لمعركة الفلول بين من كانوا في النظام والثوار (مقتل القائد العسكري عبد الفتاح يونس نموذجا) ! كما لايجب ألا يخوض الليبيون معركة من يأتي أولا الدستور أو الانتخابات أو الحكومة أو الرئاسة وهو ماأدخلنا في مصر في معارك علي الفضائيات وحشد المليونيات التي أطالت أمد المرحلة الانتقالية، وعلي الليبيين ضبط الأمن وسرعة تسليم الثوار لكافة الأسلحة حتي لاتصبح الساحات والشوارع مسرحا لعمليات انتقام وتصفية حسابات ومطاردة الفلول. مايحتاجه أبناء الشعب الليبي في المرحلة القادمة أن يكونوا علي قلب رجل واحد يختلفون في ود ولايشنون حملات إقصاء وتخوين ضد بعضهم البعض وأن يكون هدفهم استعادة بلدهم وثرواتهم التي أهدرها القذافي في عبثه وجنونه وأن تكون ليبيا إضافة لمن حولها وليس مصدرا للقلاقل وأن يحيوا في عزة وكرامة وحرية وليس ذلك ببعيد علي أحفاد عمر المختار. كلمة أخيرة ليس كل من أطبق عينيه قد نام ، ولا كل من فتحهما قد رأي! (أنيس منصور)