في نفس هذه الأيام من 83 عاما كان الشعب المصري يتابع ملحمة أبنائه من رجال القوات المسلحة وهم يقتحمون خط بارليف المنيع ويعبرون بمصر من الهزيمة إلي النصر، وفي 52 يناير الماضي كان موعد المصريين شبابا وشعبا وجيشا مع فجر جديد للحرية وإسدال الستار علي ثلاثين عاما من القهر والاستبداد والفساد، مصر التي انتصرت في أكتوبر واستردت أرضها تراجعت وانهارت في تلك السنوات، تم تغييب أسماء أبطال الحرب الحقيقيين من لوحة الشرف (الرئاسية)، وحل مكانهم البطل الأوحد الذي فعل كل شيء ولولا بقية من حياء لقيل إنه صاحب قرار الحرب بدلاً من الرئيس السادات، حتي صورة غرفة قيادة العمليات تحولت لتعبيرية علي الطريقة إياها في البيت الأبيض، بل إن بعض أبطال تلك الحرب اختفوا أوغيبوا عمدا من الوجود في المشهد لكي ينساهم المصريون ومن بينهم الفريق سعد الدين الشاذلي الذي رحل عن عالمنا - في مفارقة قدرية– عشية تنحي مبارك وكل من المشير أبوغزالة والجمسي وأحمد إسماعيل وأحمد بدوي رحمهم الله وغيرهم من القيادات التي أسهمت بعد فضل الله في صناعة هذا النصر العظيم مع الضباط والجنود الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن تعود لمصر كرامتها وأرضها، اختزل النظام الاحتفال بالنصر في كونه يوم إجازة مع حب المصريين للإجازات التي عادة لايستمتعون بها وبضع أغان واستعراض في إحدي الكليات أو القواعد العسكرية ثم حفل يتباري الفنانون في الغناء والهرولة لنيل شرف مصافحة قائد الضربة الجوية !! إذن الاحتفال بذكري الانتصار علي مدي ثلاثين عاما كان رسميا محضا لم يشارك الشعب فيه أو بمعني أدق استبعد من الحسابات والاكتفاء بمشاهدته لأفلام فقيرة فنيا لاتعبر عن هذا الحدث العظيم، ولعل القوات المسلحة أرادت أن يكون الشعب في قلب الاحتفال برا وبحرا وجوا وألا يتكرر مشهد كل عام لتمجيد شخص واحد وإلغاء أدوار الآخرين !! وأتوقف لحظة عند الظروف التي أحاطت بثورة 52 يناير حيث لعبت الفضائيات - غيرالمصرية– والإنترنت خاصة الفيس بوك والتويتر دورها في إنجاح الثورة لكن ماذا لو تواجدت تلك الوسائل في حرب أكتوبر حيث كان الراديو الوسيلة الأكثر انتشارا لنقل الحدث، لاشك أنها لم تكن وقتها بوسائل مساعدة ومساندة فالكثيرون وخلال فصول الحرب كانوا سيتحولون لمحللين استراتيجيين والمعارك الكلامية سيدة الأجواء بين من يشكك في جدوي الحرب، أو أنها قرار خاطئ أو لم يكن وقتها، ومن يحذر من خسارتنا وأنها لم تكن قرارا شعبيا وساعتها كنا نخوض حربا علي الأرض وأخري ساحاتها هواء الفضائيات وصفحات الإنترنت ، وهذا مايحدث الآن فالثورة أنهت مرحلتها الأولي ومازال أمامها الكثير فإذا برواد مقاهي الفضائيات المفتوحة 42 ساعة يديرون معركتهم الأخيرة ولم يتركوا شيئا أو جهة إلا هاجموها بينما القوي السياسية وبدلا من أن تتوحد جهودهم للانتقال السلمي والسريع للسلطة تحولوا إلي جزر منعزلة يتقاذفون الاتهامات فيما بينهم وكأنهم أعداء يفتش كل منهم في نوايا الآخر وتصفية الحسابات فيما بينهم والنتيجة هي ماندفعه هذه الأيام من تأخير انطلاق العملية الديمقراطية بعد ثمانية أشهر من سقوط رأس النظام!! وما نحتاجه الآن هو أكتوبر ثان يعبر بنا إلي الحرية ننتصر فيه جميعا لوطننا قبل أنفسنا ، فالبلد حسب تصريحات المسئولين الأخيرة علي حافة خطر اقتصادي سوف يؤثر في حاضرنا قبل مستقبلنا ، فليتوقف من ركبوا الموجة أو الذين استيقظوا فوجدوا ثورة وصولا لبعض مرشحي الرئاسة عن التصريحات النارية وليتفقوا علي كلمة سواء فمن يريد للمجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يترك السلطة الآن عليه أن يقول من سيدير دفة الأمور في هذه المرحلة العصيبة والحرجة من تاريخ مصر ، ولماذا لاتوحد القوي السياسية ومن بينها شباب الثورة صفوفها وتلتقي وتدير حوارا موسعا وعميقا مع المجلس بعيدا عن دوائرالإعلام التي تحفل بالصراخ والعنتريات التي تسد الآذان علي أن ينشر كل مااتفق عليه الجميع بوضوح وشفافية ، ساعتها ستكون مصر كلها يدا واحدة في مواجهة كل القوي التي لاتريد خيرا لهذا البلد في الداخل والخارج ، وأعتقد أن مثل هذا الحوار سوف يزيل أجواء الاحتقان والشكوك والضبابية التي تسود الوضع السياسي وسوف يكون العبور إلي حياة ديمقراطية يكون الحكم فيها للشعب نقطة مضيئة تضاف للكثير من النقاط المشرقة في تاريخ جيش مصر وأدواره في حماية الوطن والشعب والثورة وشبابها. علينا أن نقطع صلتنا بالماضي الذي أعاد مصر للوراء عشرات بل مئات السنين ونستحضر ماضيا آخر كانت فيه البلاد سيدة البحار التي يحسب لها ألف حساب ويخشاها الآخرون وأن نفكر في المستقبل بروح وجهد البنائين وليس بفكر وطريقة من يهدمون ولايرفعون البناء وبعقول وقلوب مخلصين يعلون مصلحة بلادهم فوق أطماعهم وذاتيتهم المفرطة ، الوطن ليس كعكة يتصارع عليها البعض وليس قطعة أرض يتسابق البعض الآخر للاستيلاء عليها ، الوطن حضن يجمعنا نشعر فيه بالدفء والأمان ونفتقده إذا غبنا عنه أو غاب عنا والذين لاتصل إليهم مثل تلك المشاعر ولايحسونها لايعرفون قيمة الوطن ولا الحياة !! كلمة أخيرة إذا أسديت جميلا إلي إنسان فحذار أن تذكره ، وإن أسدي إليك إنسان جميلا فحذار أن تنساه (عبد الله بن المقفع)