مبعوث السلام يدعم إسرائىل تبدو مفارقة غريبة حينما نعلم أن مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط توني بلير، المعني بتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، سمسار سياسة محترف.. يبرم صفقات مشبوهة ويتلاعب بالقضية الفلسطينية.. يدعم الحكام الديكتاتوريين ويغفل حرية شعوبهم وإراقة دمائهم مقابل مليارات الدولارات... وبرغم كل ذلك إلا أنها ليست مفاجأة، فمن يسترجع تاريخ بلير السياسي، رجل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وشريكه في غزو العراق، لن يتعجب من الأمر، فقراراته طيلة حكمه كرئيس وزراء بريطانيا كانت وراءها أطماع شخصية في المقام الأول جني منها ثروة طائلة.. فبراعة بلير وحنكته في المحاماة جعلته يحتفظ بالكروت الرابحة ويلعب بها ليحقق مصالحه ولا يخرج خاسرا من اللعبة. في تقرير نشرته صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية، كشف عن الوجه الآخر لمبعوث السلام ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي جني منذ تخليه عن رئاسة الوزراء عام 2007 نحو 96 مليون دولار من نشاطات تجارية سرية، حصل علي البعض منه نتيجة تمريره لقرار غزو العراق في مجلس الأمن بحجة واهية لامتلاك صدام حسين ديكتاتور الشر، علي حد وصفه، لأسلحة دمار شامل. ووصفت الصحيفة الصفقات السرية التي ابرامها بلير مع بسياسة الباب الخلفي لتحقيق مكاسب غير شرعية من احتلال العراق، كما ذكرت الصحيفة البريطانية أن بلير يعمل مبعوثاً ديبلوماسياً في الصباح وبعد الظهر يعقد الصفقات التجارية وبالإضافة إلي عدد من طاقم الموظفين الذين عملوا معه خلال فترة رئاسته للحكومة البريطانية، في نشاطاته المختلفة والذين يمثلونه في بلدان مختلفة منهم رجل أعمال وشخصيات عربية وأمريكية بارزة. وسلطت الصحيفة أيضاً الضوء علي الأموال التي حصل عليها بلير بصفته مبعوثاً للشرق الأوسط ومشاركته في المؤتمرات لإلقاء كلمة والاستشارات التي يقدمها للحكومات الأجنبية والبنوك حيث يتقاضي سنوياً 3.2 مليون دولار عن دوره كمستشار خاص للبنك "جي بي مورجان". واتهمت الصحيفة بلير ببناء شبكة معقدة من الشركات الوهمية التي تسمح له تجنب نشر حسابات مفصلة عن الأموال التي يحصل عليها. والأمر لم يتوقف علي فساد فقد ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن بلير حصل علي مبالغ نقدية من شركة نفطية كورية جنوبية، في إطار صفقة سرية مقابل النفط العراقي، إلا أن إيان لانج، الوزير السابق في حكومة حزب المحافظين، تدخل ونزع غطاء السرية عن الصفقة، وأمر بنشر تعاملات بلير مع الشركة النفطية التي لها مصالح نفطية واسعة في الولاياتالمتحدة والعراق. ولكن القضية الأكثر فساداً في العالم كانت "صفقة اليمامة" حيث أثارت هذه القضية ضجة إعلامية وسياسية كبيرة، وذلك بعد أن تم الكشف عن رشاوي بمليارات الدولارات صاحبت صفقة شراء أسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية عام 1985 وتم فتح التحقيقات داخل بريطانيا ظلت لأكثر من عقد ونصف حتي تم إيقافها بقرار من رئيس الحكومة توني بلير يعلن أنه أمر بذلك كي لا تتضرر علاقات بلاده مع السعودية، لأن هذه العلاقة شديدة الأهمية في مجال الحرب علي الإرهاب، وكي لا تفقد بريطانيا آلاف الوظائف. وحينها وجهت اللجنة البرلمانية البريطانية انتقاداً لحكومة بلير، بشأن قرار إنهاء التحقيق في قضية الاتهامات بالفساد في صفقة اليمامة مع السعودية. ومنذ أن استقال بلير من منصبه عام 2007 ظن البعض أنه سينصرف عن العمل السياسي وسيشرع في كتابة مذكراته مثل العديد من الساسة والحكام السابقين في أوروبا وأمريكا الذين يعكفون علي كتابة مذكراتهم بعد خروجهم من ملعب السلطة، كوسيلة لجني الأموال وتحقيق ثروة منها، فهذه المذكرات تظل هدفاً للناشرين وعمالقة صناعة الميديا خاصة إذا كانت لسياسي بارز غيرت قراراته خريطة العالم. إلا أن بلير لم يكتف بنشر مذكراته بعنوان "رحلة" الذي حصل مقابلها علي7.36 مليون دولار، بل في نفس يوم استقالته عين كمبعوث دولي للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط التي تمثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، ومنذ ذلك الوقت عمل علي دعم الاقتصاد الإسرائيلي ورعاية مصالح الدولة العبرية من خلال الصفقات حتي أنه قام بترويج لمحلات تبيع المنتجات الإسرائيلية المزروعة علي الأراضي الفلسطينية مقابل اثنين ونصف مليون دولار. كما قام باستخدام منصبه لتأمين عقدين، بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار في فلسطين، مع شركة الغاز البريطانية وشركة الهواتف المحمولة، وكلتاهما من كبار العملاء لبنك "جي بي مورجان"، وعلي إثرها يواجه بلير تساؤلات جديدة حول دوره كمبعوث سلام في الشرق الأوسط. كما عمل بلير في الآونة الأخيرة يحشد القوي الأوروبية للتصويت ضد طلب الاعتراف بفلسطين كدولة عضو بالأمم المتحدة ، وتضيف الجريدة أن القيادة الفلسطينية تريد عزل بلير تدريجياً عن منصبه لمحابات لإسرائيل. ودعا جون مان، نائب في حزب العمال البريطاني المعارض، خلال الأسبوع الماضي بلير، بدفع حصة من الأموال التي جناها بعد تركه منصب رئاسة الوزراء إلي الحزب. وكانت أصوات عديدة ارتفعت خلال الأيام الأخيرة داعية بلير للعمل بمزيد من الشفافية، بعد الكشف عن نشاطاته التجارية المتشعبة، خصوصاً تلك التي تفوح منها رائحة كريهة والتي لا يمكن له بأي شكل من الأشكال التغطية عليها من خلال نشاط مؤسسة "بلير للإيمان" التي أنشأها للترويج للتفاهم بين الأديان، ومنها صفقات توسط فيها لدي العقيد معمر القذافي وابنه سيف الإسلام المطاردين دولياً، وغيرها لصالح شركة التأمين السويسرية، بالإضافة إلي علاقاته التجارية مع عدد من البلدان الأفريقية والعربية. ومن أهم وأبرز اللقاءات السرية التي جمعت بين بلير والقذافي كانت عام 2007 حينما هددت ليبيا بقطع علاقاتها الاقتصادية مع بريطانيا، وعلي إثرها اجتمع الاثنان علي هامش "صفقة الخيمة" سيئة السمعة التي أبرمها بلير والقذافي في الصحراء الليبية، والتي مهدت الطريق أمام الإفراج عن المقرحي، ضابط المخابرات الليبية المتهم بتدبير حادث لوكيربي، قام اللواء خميس القذافي بالتوقيع علي عقد قيمته 136 مليون دولار من أجل الحصول علي نظام قيادة وتحكم من "جنرال ديناميكس"، التي قامت بتصنيع نموذج مشابه للجيش البريطاني. وقد تم تمرير تلك الصفقة، التي حظيت بدعم شخصي من جانب بلير نفسه. وبعد هذه التقارير والتصعيد من قبل السلطة الفلسطينية ماذا سيكون مستقبل بليرا هل سيبقي في منصبه كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط أم سيرحل؟