شئنا أم أبينا، تصدر الإسلاميون وتياراتهم المتباينة، المشهد في مصر، بعد ثورة 52 يناير. قامات جهادية شهيرة، حملت السلاح ضد الدولة ورموزها وحكوماتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وربما ساهمت في موجة الإرهاب العالمي، هي نفسها الآن، تشارك بقسط كبير في صناعة المستقبل السياسي للمصريين، وفي رسم ملامح حياتهم البرلمانية والدستورية، والاقتصادية أيضاً، وسط مخاوف ليبرالية متصاعدة، في الداخل والخارج، من عدم اختمار عقيدة العمل السلمي المدني في عقلية إرهابيي الأمس، الذين تحولوا مؤخراً مع سقوط نظام مبارك، إلي سياسيين. عبدالرحيم علي، يعد أحد الباحثين الذين يرصدون عن قرب تحولات القوي والتيارات الإسلامية، داخلياً وخارجياً، ومن ثم يقدم تشريحاً مفصلاً لحالة الفورة الإسلامية المصرية المفاجئة، في محاولة لفهم أبعادها ومنطلقاتها. "ليس لهم أي تأثير".. هكذا قطع عبدالرحيم علي، بعدم تأثير الجهاديين المصريين العائدين مؤخراً إلي بلدهم، بعد سنوات من الاغتراب والجهاد في مواطن شتي من العالم، علي نظرائهم المحليين، كأعضاء جماعتي "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية"، وأبرزهم طارق وعبود الزمر، وعصام دربالة، وصفوت عبدالغني، وصلاح هاشم، وغيرهم. قبل أن يجزم بحسم: "لا أظن أن من رجع، جاء لإعادة سيرة العنف مرة أخري، وإنما من أجل الالتحام بالمجموعات التي لحقت بقطار السياسة، حيث حظوظ الحركة الإسلامية متصاعدة الآن، بشكل تكتيكي كأداة للمشاركة أو الوصول إلي السلطة، أو بشكل استراتيجي ومنهجي مبنياً علي فكر جديد، بعيداً عن استخدام السلاح". الباحث يستند في رأيه إلي أن كل الجهاديين العائدين يرتبطون بجماعات مصرية خالصة، صنعت مبادرات وقف عنف، والتزمت باتفاقات مع الحكومة في هذا الشأن. فيما لم يعد في مصر الثورة مكان للمخاوف القديمة، التي كانت تحول دون عودتهم، فبعضهم كان عليه أحكام، ومرتبط بعمليات إرهابية أخري في الخارج، سواء بالمشاركة أو بالعلم، وكان يخشي أن يتم الضغط عليه بها، أو تعذيبه لتورطه في قضايا خارجية، ومن ثم يتم تسليمه إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً. فكان قرارهم البقاء والانتظار خارج الحدود، خصوصاً أن تجارب الآخرين ممن سلموا أنفسهم من قبل كانت مريرة. كانت الشهور السبعة الماضية، قد شهدت عودة عدد من الأسماء الجهادية والإسلامية المصرية المعروفة وأسرهم، ربما يأتي في مقدمتهم، محمد شوقي الإسلامبولي، الشقيق الأكبر لخالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس السادات، والذي عاد بعد سنوات من الإقامة الجبرية في طهران، قبل أن يقبع حالياً في سجن العقرب شديد الحراسة، الملحق بسجن مزرعة طرة، في انتظار الموافقة علي إعادة محاكمته، أو إسقاط حكمي الإعدام الصادرين في حقه، إبان عهد مبارك، في القضيتين المعروفتين إعلامياً ب"العائدون من ألبانيا" و"العائدون من أفغانستان"، استناداً إلي حالته الصحية المتدهورة. من الأسماء العائدة أيضاً أسامة رشدي، قيادي الجماعة الإسلامية والمتحدث الرسمي لها في أوروبا، الذي انزوي لأكثر من عشرين عاماً في لندن، إضافة إلي مؤرخ الحرب الأفغانية السوفيتية أبو وليد المصري، إلي جانب الاسم الجهادي المعروف ثروت صلاح شحاتة، وكمال الهلباوي المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، وغيرهم. لكن عبدالرحيم علي يجزم بعدم خطورة هذه الأسماء الآن، لأنها في رأيه، باتت مقتنعة بأن الصدام المسلح مع السلطة "لم يأت بالنتائج المرجوة. كما أرهقوا من تواجدهم في الخارج، وربما من استغلال أجهزة استخبارات أجنبية لهم. "لن يتصلوا بالقاعدة".. هكذا يقطع عبدالرحيم علي مجدداً، بعدم لجوء أي من الجهاديين المصريين، ممن كانوا علي صلة بتنظيم بن لادن والظواهري، لمد جسور التماس معه مجدداً، لأن الحركات الجهادية المصرية سبق أن رفعت السلاح في وجه السلطات، بدعوي أنها لا تطبق شرع الله. لكن الأوضاع انقلبت رأساً علي عقب، بعد الثورة المصرية، وموجة ربيع الثورات العربية، فثبت بالدليل القاطع أن أناساً عاريي الصدور والأيادي، في ميدان التحرير، لا يحملون سلاحاً، فقط لديهم حناجر ساخنة، أسقطوا نظاماً مستبداً قبع في السلطة ثلاثين عاماً متصلة، ما مثل سقوطاً مدوياً ليس فقط لنظرية الجماعات الإسلامية في حمل السلاح، وإنما أيضاً لمراجعاتهم الخاصة بعدم الخروج علي الحكومات الظالمة، التي لا تطبق الشرع، وتقتل وتعذب وتعتقل عشرات الجهاديين، حماية لأرواحهم، وأن الأولي بالمؤمنين في هذا الوضع، هو الصبر وكتمان الإيمان أو الهجرة، انتظاراً لحل من اثنين، طرحهما الدكتور فضل (الشيخ سيد إمام)، منظر مراجعات الجهاديين المصريين (محبوس في سجن العقرب شديد الحراسة) بأن التغيير في مصر لا يتم، إلا عبر احتلالها من قبل دولة أجنبية، كما حدث علي يد الحملة الفرنسية بين عامي 8971 و1081 أو بانقلاب عسكري من داخل الجيش، مثلما هو الحال في تجربتي محمد علي باشا والضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر، "هذه النظرية أسقطها الثوار" قالها عبدالرحيم علي بحسم. إيمان الجماعات الإسلامية بالمشاركة في العملية السياسية السلمية لن يتأصل، من وجهة نظر عبدالرحيم علي، إلا من خلال خلقها لفقه جديد، يقر بأن الخروج علي الحاكم حق للشعب، طالما تم بطريقة سلمية، وأن البرلمان شرعي، ونواب الشعب ليسوا نواب الله، غير أن تشريعهم شرعي، لكنه وفي المقابل يري أن التيارات الإسلامية في مصر لاتزال مرتبكة في هذا الشأن، ولم تبدأ في وضع هذا الفقه، أو وضع تصور له، وأنها سواء كانت إخوانا أو جماعة إسلامية أو سلفيين، لم تضمن مشاريعها السياسية والحزبية أياً من مبادئ هذا الفقه، كما لم تتبرأ من نهر ذكرياتها القائم علي عدم شرعية أدوات التشريع والتغيير وتكفيرها من برلمان وصندوق انتخابات، واعتصام وتظاهر وإضراب وعصيان مدني وما شابه، لافتاً بمرارة: "للأسف، الإسلاميون لا يعرفون إلا الخروج علي الحاكم بالسيف، ولابد من تغيير آليتهم واعترافهم بوجود نوع آخر من الجهاد، هو الجهاد المدني"، منوهاً بأنهم لو اعتبروا الانتخابات وسيلة، أو جسرا مؤقتا، لتحقيق الهدف فقط، وتم إقصاؤهم من خلالها من المشهد، سيعاودون حمل السلاح فوراً، في إعلاء لمقولة زعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري: "إذا لم تحمل الثورات العربية الإسلاميين إلي السلطة سنعود لحمل السلاح". أما إذا بدت مشاركتهم في العمل العام وفق منهج جديد، سيحاولون وعاشرة، حتي ينجحوا.