من منا لايتذكر فؤاد المهندس في فيلم حبوب النفاق والذي جسد فيه دور الموظف المتخبط الذي يعاني الأمرين في حياته العملية فقرر أن يسير هائما علي وجهه في دروب الصحراء وإذ به يفاجأ بمن يدله علي حبوب الأخلاق ليتعاطاها فتتحول حياته 180 درجة. الكثيرون أعجبوا بالقصة القيمة والتي حوت الكثير من القيم الخلقية الفريدة ولكنهم لم يتوقعوا يوما من الأيام أنها سوف تتحول إلي حقيقة ملموسة بعد أكثر من عشرين عاما. أثناء سيرك في شارع القبة بمصر الجديدة حتما سيلفت انتباهك يافطة كبيرة معلق عليها جملة (أخلاق للبيع) قد تراجع بصرك وتتساءل: هل تحولت الأخلاق إلي سلعة تباع وتشتري في وضح النهار ؟ ومن المسئول عن انهيارها وهل تغيرت حقا بعد ثورة يناير؟ أما حكاية هذه اليافطة فهي عبارة عن إعلان عن معسكر صيفي يبدأ من شهر يونية تنظمه إحدي الشركات الاستشارية الكبري بعنوان (أخلاقنا) لتنمية مهارات الأطفال الخلقية وتعليمهم مبادئ خلقية مختلفة بعد أن تأكدت من أن الأطفال هم عماد المجتمع ومن شب علي شيء شاب عليه والكورس مقسم إلي جزءين الأول للأطفال الصغار بدءاً من الأربع سنوات والآخر موجه إلي الشباب من 16 إلي 25 سنة وتصل تكلفة الكورس إلي 1800 جنيه ولكن الطالب يحصل علي خصم إذا التحق به مع أحد من إخوته أو أصدقائه والغريب أيضا أن الكورسات لم تقتصر فقط علي المراهقين والأطفال بل بدأت في تنظيم محاضرات مكثفة لأولياء الأمور لتعليمهم أسس اكتشاف الطفل وتنمية مواهبه. بمجرد دخولك الفيلا يسترعي انتباهك النشاط والحركة الدءوبة من قبل المحاضرين والتوجيهات المستمرة من قبل الدكتورة حنان صبري المسئولة عن البرنامج وصاحبة فكرته وهي سيدة في العقد الرابع من عمرها تتميز ببشاشة وجه تحسد عليها وثقة زائدة فقد تخرجت في قسم إدارة أعمال بالجامعة الأمريكية وحصلت علي الماجستير من جامعة هارفاد الأمريكية في أسس التعليم التربوي فتقول عن البرنامج: بعد أن عدت من الولاياتالمتحدة وقررت العيش في مصر لاحظت التدهور المستمر في المستوي الأخلاقي لدي الأطفال وغياب دور الأسرة الرقابي فقررت بالاشتراك مع شقيقتي السير علي درب البرنامج الأمريكي والذي يعتمد علي إحياء الأخلاق لدي الطفل وقد احتوي البرنامج علي سبعة موضوعات فقط ولكننا قمنا بتطويره فوصل إلي 18 موضوعا حتي يتناسب مع البيئة المصرية ويقوم علي إحياء الأخلاق داخل الطفل وتنمية مهاراته الاتصالية من خلال الأنشطة العملية التي يقوم بها مع زملائه سواء أكانت سمعية أو بصرية أو حركية. وضربت صبري مثالا لذلك فقالت: تقوم المدربة باختيار صفة معينة كالتعاون وتبدأ في تعليمها للأطفال من خلال بعض الصور أو القصص التي توضح ذلك ثم يبدأ في تطبيقها عمليا من خلال القيام ببعض الأنشطة فيساعد معلمته في إنجاز بعض المهام وتقوم المعلمة بالثناء علي أفعاله فتشجعه علي تكرار التجربة مرة أخري كذلك في قيم أخري كالرحمة والصدق والحب وأما مهارات الذات فأهمها الثقة بالنفس والشجاعة والفاعلية والابتكار في الخروج من المأزق التي قد يتورط فيه الصغار.. أما مهارات الحياة فتعتمد علي تنقية قلوبهم وعقولهم من الأفكار البغيضة كالغرور والبخل والكذب والغيرة والغش. داخل الفصل الكبير تجد الأطفال الصغار الذين تبدأ أعمارهم من الأربع سنوات حتي العشر.. الكل جلسوا صامتين كأن علي رؤوسهم الطير يستمعون بشغف إلي مستر تامر المدرب الخاص بهم فقد كان يحكي لهم قصة الولد الطماع الذي ضحي بنصيبه من الحلوي حتي يحصل علي قطعة أكبر فلم ينل ما أراد وعوقب بأن حرم من القطعتين. القصة كانت مشوقة حقا حتي أنهم لم يرعوا انتباها لمن يدخل أو يخرج عليهم ينتظرون بتشوق زائد آخر القصة ومصير هذا الشقي وقد عاهدوا أنفسهم ألا يقوموا بما قام به حتي لا ينالوا العقاب الإلهي ، جدران الفصل معلق عليها بعض الصور الملونة ومكتوب عليها صفات تعبر عن فحوي الصورة. يقول تامرعبد السلام أحد المدربين: منذ أن بدأ الكورس وانهالت الشكاوي من الأمهات عن تدهور أخلاق الأطفال وكذبهم المتكرر وعصيان الأوامر إضافة إلي أن بعض الأطفال كانوا يعانون من أمراض السرقة وغيرها من الأمراض النفسية مما هدد مستقبلهم ألا أنه بمجرد بدء الكورس تغيرت الأوضاع تماما ولاحظنا تقدم المستوي الأخلاقي فالأطفال أكثر قابلية للتغيير في سلوكهم عن الأطفال ولكن من المهم أن نحاول إيجاد الطريقة المناسبة لاقناعهم وقد اتبعنا طريقة التعلم اللعبي وهي عبارة عن إكساب الطفل مهارات وصفات خلقية مختلفة من خلال قراءة بعض القصص عليه ومشاهدة أفلام كرتونية ذات مغزي إضافة للتعلم الحركي من خلال إشراكه في بعض الأعمال. وعن المشاكل التي واجهها عبدالسلام أوضح : أن معظم المشكلات كانت مع آباء المراهقين والذين أضعفوا من شخصياتهم وجعلوهم أكثر اتكالية فللأسف أن الآباء ينكرون أن يكون أبناؤهم مصابين بالاحتياج لأشياء بعينها أو هناك أخطاء في سلوكهم مما يشوه الطفل ويجعله غير قادر علي فهم ذاته كما أنهم يتغاضون عن تلبية رغبات أطفالهم الملحة في ذلك الوقت مما يعرضه للابتعاد عنهم في سن المراهقة. وعن رأي الأمهات وتقييمهن للكورس قالت السيدة رشا عبد الحميد: كانت شكواي تتلخص في الردود والأقوال التي كانت تصدمني فهي ردود غير متوقعه من طفل لم يتجاوز عمره التسع سنوات ودائما ما كان يضعني موضع مقارنة مع أفعاله ويلومني بأني قد قمت بنفس ردة الفعل في موقف مشابه ولهذا قررت إلحاقهم بالكورس وقد قررت الالتحاق بكورس أولياء الأمور الذي يقوم علي اكتشاف مهارات الطفل والتقرب منه وبعد الكورس لاحظت تغيرا شديدا علي سلوك ابني وبدأت ردوده تكون أكثر منطقية وزاد احترامه لكل من في البيت. وتروي هبة جاد قصتها فتقول:ما يميز الكورس هو الطريقة الجديدة لتعليم الأطفال من خلال المتعة واللعب كذلك المهارات الذاتية كالثقة بالنفس والتي تعلمتها من خلال التأكيد علي قدرتها في إنجاز الأشياء وعدم النظر إليها بخوف مما جعلها تثق بنفسها وتعتمد علي نفسها وذلك أكثر الأشياء التي تعلمتها.