الجميع يخشي من الفضيحة، تقضي علي السمعة وتهدد الأعمال بالتوقف، إذا ظهرت في منتج فالنتيجة المنطقية هي الخسارة وتراجع الأرباح، علامات تجارية عالمية هوت بسبب فضيحة، شخصيات عامة انزوت بعدها، وحده القطن المصري عاد بقوة بعد الفضيحة، إذ أصبح بين ليلة وضحاها نجم الفضائيات الأميركية، وتقارير الصحف الغربية، وعاد ليحظي بجلّ اهتمام الشركات العالمية بعدما هزت فضيحة شركة هندية لصناعة المنسوجات الأسواق العالمية باستخدام أنواع رخيصة من القطن والزعم أنها من القطن المصري، وأعادت بعض الاهتمام للقطن طويل التيلة في وقت يعاني هو من الكثير من الأزمات في مصر، ما استدعي فتح ملف زراعة القطن من جديد. فاجأت شركة »تارغت» الأميركية لمتاجر التجزئة الجميع بعدما اتهمت شركة »ولسبن إنديا» الهندية لصناعة المنسوجات باستخدام أنواع رخيصة من القطن غير المصري في إنتاج أغطية الفراش والوسائد، والزعم أنها مصنوعة من القطن المصري طويل التيلة صاحب السمعة العالمية، لتطالب الشركة الأميركية كل من يبيع منتجات القطن المصري أن يبرز ما يثبت ذلك، وهو الأمر الذي أدي إلي زيادة الطلب علي القطن المصري عالميا، منذ نهاية العام الماضي، فيما أعلنت شركة »ولبسن» وهي إحدي أكبر شركات المنسوجات في العالم أنها تقدمت للحصول علي حق استغلال شعار القطن المصري رسميا حتي العام 2022 لكن رغم عودة الاهتمام العالمي بالقطن المصري، إلا أن زراعته تواجه أزمة في بلده الأصلي. فزراعة القطن المصري تعاني من عدة أزمات قلصت من مساحته المزروعة بصورة مستمرة منذ بداية الثمانينات، لكن الوتيرة زادت بعد ثورة »25 يناير 2011» وما صاحبها من عدم استقرار سياسي، إذ تراجعت المساحة المزروعة قطنا في مصر من أكثر من مليوني فدان في منتصف السبعينيات إلي ما يزيد قليلا عن 100 ألف فدان حاليا، ولم يتم تصدير سوي 32 ألف طن فقط خلال العام الماضي. وتم تخفيف اشتراطات زراعية تحدد نوعية القطن ومواصفاته القياسية، ما دفع بعض الموردين في مواجهة انخفاض المعروض إلي خلط أنواع أقل جودة من القطن بالقطن المصري ووضع ملصقات مزيفة بأنها مصنوعة من القطن المصري طويل التيلة، ونتيجة للخسائر الكبيرة التي منيت بها زراعة القطن أحرق الفلاحون محاصيلهم وتحولوا لزراعات أخري، فيما لجأ البعض الآخر لحيلة تأخير موعد زراعة القطن لحين حصاد محصول القمح والبرسيم، ما أثر سلبا علي جودة القطن، لكن الفضيحة الأخيرة أعادت إحياء الاهتمام بزراعة القطن مجددا. ومع شعور الجميع بأزمة قطاع زراعة القطن، دشن الدكتور عبد المنعم البنا، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، حملة قومية للنهوض بمحصول القطن لموسم العام الجاري، بهدف تحقيق العائد الاقتصادي الأمثل للمنتجين من خلال زيادة الإنتاجية، وقال الوزير في بيان رسمي، إن الحملة تشمل حزمة من التوصيات العلمية للمحصول، يتم توصيلها للمنتجين والأجهزة الفنية والإرشادية بالمحافظات المختلفة من خلال عدد من الندوات والحقول الإرشادية وأيام الحقل والجني، وأشار إلي أن ذلك سيكون له مردود اقتصادي علي المنتج والناتج القومي بزيادة الإنتاجية وتحسين خواص الجودة للقطن. المهندس نبيل السنتريسي، رئيس اتحاد مصدري القطن، قال في تصريحات خاصة ل»آخر ساعة»، إن الجدل حول القطن المصري بين الشركات العالمية أعاد الاهتمام به وزاد الطلب عليه، لكنه أكد أن هذا لا يعني أن أزمة القطن قد انتهت، مضيفا: »صفات القطن المزروع في مصر متدهورة منذ عدة سنوات، ومحصول السنة الأخيرة كان كميات قليلة تم بيعها بأسعار مرتفعة، لكن المشكلة تمكن في مواصفات القطن، لأنني لا أستطيع أن أصدر أنواعا قليلة الجودة من القطن لابد أن تكون مواصفات القطن عالية الجودة، وهنا لابد من تدخل معهد بحوث القطن ليحدد نوعية القطن المزروع وجودته، فالقطن المصري من أقدم أقطان العالم، ولابد من الحفاظ علي صفاته الوراثية من التدهور والتلوث». وأضاف السنتريسي: »لابد من تدخل وزارة الزراعة في إقناع الفلاحين بزراعة القطن لكي يغطي احتياجات السوق العالمي، للأسف الإرشاد الزراعي لا وجود له إلا علي الورق، وتحرير الزراعة جعل الفلاح يبحث عن المكسب السريع فقط، فمثلا موسم زراعة القطن يبدأ في منتصف مارس، لكن الفلاحين يأخرون زراعة القطن إلي نهاية مايو أو مطلع يونيو وذلك لكي ينتهوا من حصد القمح والبرسيم، والنتيجة التأثير علي خواص القطن، وظهور المحصول بجودة أقل، وكمصدر لا أستطيع أن أتعاقد علي قطن لا أعرف مواصفاته، لذلك لا يمكن أن نتحدث عن أن القطن المصري تجاوز أزمته، كل ما نستطيع قوله إننا يمكن أن نستغل زيادة الطلب لوضع خطة واضحة المعالم تتضمن زراعة القطن بكميات كبيرة مع الحفاظ علي جودته لكي نتمكن من تسويقه خارجيا». بدوره، شدد الدكتور مفرح البلتاجي، مستشار شركة النيل الحديثة للأقطان، في تصريحات ل »آخر ساعة»، علي أن القطن المصري لا يشارك بأكثر من 4٪ من حجم تجارة القطن العالمية، علي الرغم من السمعة العالمية الممتازة التي يحظي بها، وأضاف: »القطن المصري يستخدم أساسا في إنتاج المفروشات والملابس الداخلية، وهو أساسي في العديد من الفنادق العالمية، ولقلة المعروض منه حاولت عدة شركات تقليده لكنها فشلت، لأن القطن المصري طويل التيلة له مميزات من حيث الرونق والمتانة والملمس والنعومة الفائقة، كما أن القطن السوداني أو الأميركي لا يقارن من حيث الجودة به، لكن رغم هذه المميزات ووجود سوق نهم للقطن المصري فإن غياب السياسة الزراعية المتكاملة أدي لتراجع المساحة المزروعة من القطن». وتابع البلتاجي: »وزارة الزراعة تعمل بشكل منفرد بعيدا عن الفلاحين والمصدرين، فكل في عالمه، فلابد من سلسلة مترابطة الحلقات بين جميع أطراف زراعة القطن وتصديره، فلابد من أن نضع خطة واضحة المعالم لزراعة نصف مليون فدان قطنا، كي نغطي حجم الطلب العالمي، فللأسف مع تقلص المساحة المزروعة بات هناك خشية من قبل الشركات العالمية في التعاقد علي القطن المصري لأنها لا تمتلك أي ضمانات بتوفير القطن لها، في المقابل، رأي الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعي وأستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة، أن أزمة القطن المصري تكمن في العقول التي تدير المنظومة الزراعية وغياب شجاعة اتخاذ القرار عنها، قائلا ل»آخر ساعة»: »القائمون علي صناعة القطن لم يدركوا بعد أن الزمن تغير، فعندما كان الطلب في أوجه علي القطن طويل التيلة، كانت هناك ملابس مخصوصة للأغنياء وأخري لأبناء الطبقة الوسطي وثالثة للأشد فقرا، لكن الأمر تغير تماما الآن الجميع يرتدي الجينز والتيشيرت بغض النظر عن المستوي الاقتصادي والاجتماعي، وهي ملابس تصنع من القطن قصير ومتوسط التيلة، لذلك لابد أن نواكب العصر واحتياجاته، فاستهلاك القطن طويل التيلة بات محصورًا في فئة محدودة في العالم كله، والطلب الآن علي أنواع القطن الأخري». وتابع: »مع تغير الأذواق وقعت زراعة القطن وصناعته في أزمة إذ أننا نزرع قطنا لا نصنعه، ونصنع قطنا لا نزرعه، فنحن نزرع القطن طويل التيلة والذي نصدره كمواد خام لأن مصانعنا تعتمد علي القطن القصير والمتوسط، فيما نستورد هذه الأصناف بالعملة الصعبة، فقلاع القطن في المحلة الكبري وشبرا تستورد 90٪ من أقطانها، لأن مكن مصانعنا لا يتعامل مع المنتج المحلي، وذلك لأننا ما زلنا نتمسك بالمجد القديم، فكانت النتيجة أننا نفرط في فرصة العودة الحقيقية لقمة زراعة القطن عالميا، وذلك لغياب المنظومة القادرة علي إدارة زراعة القطن بشكل اقتصادي، فالمزروع من القطن تراجع من حوالي مليوني فدان في السبعينيات إلي 100 ألف فدان، في العام الماضي، وذلك لسوء إدارة المنظومة الزراعية». وأشار نور الدين إلي أنه يمكن تعظيم مكاسب زراعة القطن من خلال زراعة القطن قصير ومتوسط التيلة في صعيد مصر، لأن هذه الأصناف يناسبها جو الصعيد الحار، كما أن موسم الصيف لا توجد فيه زراعات تستوعب المساحات الصالحة للزراعة ما يؤدي إلي تبويرها، وهي مساحات يمكن زراعتها بالقطن قصير التيلة بكل بساطة، بل يمكن التوسع في زراعته في توشكي والفرافرة، مع الحفاظ علي مساحة زراعة القطن طويل التيلة في الدلتا، التي يناسب مناخها الرطب زراعة هذا الصنف، وبذلك نعود إلي عرش القطن عالميا». وشدد نور الدين علي أن الاستثمار في القطن قصير التيلة باب واسع لدخول الاستثمارات الأجنبية، قائلًا: »المستثمرون الأمريكان بدأوا في بناء مصانع للقطن قصير التيلة في الصين وأثيوبيا، لتغطية حجم الطلبات المتزايدة عليه، وعندما سألنا بعضهم عن عدم تواجدهم في مصر، قالوا إن الأخيرة بها مميزات عديدة فهي أقرب للأسواق الأوروبية والأمريكية وخطوط الشحن مفتوحة معها لكن المشكلة أن الجانب المصري متمسك بالتاريخ ولا يطور من نفسه بحسب احتياجات السوق وتطور الأذواق». أما عن موقف الفلاحين أنفسهم من زراعة القطن، فلخصه رشدي أبو الوفا، نقيب الفلاحين، قائلا ل»آخر ساعة»: »الفلاحون لم يعد لديهم الرغبة في زراعة القطن، لأن مشاكله كثيرة، والحكومة غائبة عن حلها، فمنذ عامين ترك الفلاحون القطن في الحقول لأنهم لم يجدوا له أي طريقة تسويقية، فلكي يعود الفلاح إلي زراعة القطن، علي الحكومة أن تعلن بوضوح منذ البداية أنها ملتزمة بشراء محصول القطن باعتباره من ضمن السلع الاستراتيجية، وأن يكون سعر الشراء مجزيا ليحقق هامش ربح للفلاح»، مشددا علي أن معظم مصانع الغزل والنسيج مخصصة للقطن قصير التيلة، ما يعني أن الفلاح الذي يزرع طويل التيلة لا يجد منفذا إلا في التصدير، مطالبا وزارة الزراعة بالتدخل لإيجاد حل لمشكلة ارتفاع سعر طن السماد من 750 جنيها إلي ثلاثة آلاف جنيه، ما أثر سلبا علي زراعة القطن بل زراعة المحاصيل كلها.