تتجه الحكومة المصرية خلال الفترة المقبلة إلي طرح شركات وبنوك حكومية في البورصة لسد الفجوة التمويلية في الموازنة العامة للدولة، في إطار ما أعلنته وزارة الاستثمار في وقت سابق عن خطة الحكومة لبيع حصص من شركات القطاع العام تصل قيمتها إلي 10 مليارات دولار، من خلال طرحها في البورصة. اتجاه الحكومة لطرح بنك القاهرة في البورصة كبداية لتنفيذ خطتها اعتبره الاقتصاديون قرارا خاطئا لأن الطرح في البورصة يجب أن يكون للبنوك والشركات الحكومية الخاسرة بغية العمل علي إعادة هيكلتها وتصحيح أوضاعها مجدداً، بالإضافة إلي العمل علي انتشالها من نزيف الخسائر والمشاركة مع القطاع الخاص لتحسين الوضع المالي من خلال تمويل البورصة. ومع إعلان الحكومة عن الاتجاه لطرح شركات حكومية في البورصة بدأت المخاوف تتزايد في الوسط الاقتصادي بشأن إمكانية أن تضع الحكومة بنكي مصر والأهلي ضمن قائمة البنوك العامة المخطط طرحها في البورصة، الأمر الذي نفاه محافظ البنك المركزي طارق عامر بشكل قاطع، مؤكدا أنه لا نية من قبل الحكومة للتفكير في طرح هذين البنكين في السوق، مشيراً إلي أن هناك نية لطرح 40٪ من البنك العربي الأفريقي الدولي، وزيادة رأسمال بنك القاهرة بواقع 20٪ من خلال البورصة. ويمتلك بنك مصر نحو 100٪ من أسهم بنك القاهرة، وتأسس بنك القاهرة، كمصرف تجاري عام 1952، وخضع في مايو 2007 لنقل ملكيته إلي بنك مصر، وجرت محاولة لبيعه في 2008 لم تكتمل بسبب رفض العروض المقدمة، وفي مايو 2010 أسس بنك مصر »شركة مصر المالية للاستثمارات»، كذراع استثمارية له، بنسبة مساهمة 99.99٪، ثم قام بنقل ملكية »القاهرة» إليها. الخبير الاقتصادي رشاد عبده أشار إلي أن قرار الحكومة بطرح بنك القاهرة في البورصة خاطئ، مشيرا إلي أن البورصة أداة تمويلية والهدف من عملية الطرح هو تمويل البنك لتحقيقه خسائر، لكن في حالة بنك القاهرة فإن البنك قد حقق أرباحا كبيرة خلال العام الماضي تقدر بنحو 3 مليارات جنيه، لترتفع أرباحه خلال السنوات الخمس الأخيرة علي الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. وأوضح أن محفظة الشركات الصغيرة والمتوسطة والقروض متناهية الصغر بلغت نحو 3 مليارات جنيه، ما يشير لدور البنك في خلق فرص العمل للشباب وإنعاش الاقتصاد والمساهمة الفعالة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث ضخ البنك أكثر من مليون و500 ألف قرض لأصحاب المشروعات متناهية الصغر بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 11 مليار جنيه. كما نجح بنك القاهرة في تمويل نحو 8000 وحدة سكنية بقيمة تمويلية بلغت نحو600 مليون جنيه في نهاية عام 2016، حيث تم إنهاء إجراءات 5700 وحدة سكنية بقيمة 430 مليون جنيه، وجارٍ الانتهاء من إجراءات تخصيص باقي 2300 وحدة بقيمة تمويلية 170 مليون جنيه. وأكد عبده أنه باستعراض دور البنك الهام في الاقتصاد المصري وتحقيقه أرباحا هائلة خلال العام الماضي، فالتساؤل هنا: لماذا يتم طرحه في البورصة التي تعد أداة تمويلية في ظل تحقيقه أرباحا، موضحا أنه لا داعي لعملية الطرح وأنه لابد من وضع مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الذين يقومون بتقديم دراسات جدوي للبنوك والشركات الخاسرة التي تحتاج إلي تمويل وليس البنوك الرابحة. وأشار إلي أن إعلان الحكومة عن طرح حصص من الشركات والبنوك الحكومية الناجحة في البورصة المصرية خلال الفترة المقبلة لتنشيط البورصة وجذب استثمارات جديدة لتمويل عدد من مشروعاتها بعيداً عن الموازنة العامة يعد قراري خاطئا. وكانت لجنة قيد الأوراق المالية في البورصة، وافقت خلال الفترة الماضية علي قيد أسهم بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك حكومي، برأسمال مدفوع قدره 2,25 مليار جنيه. وقال رئيس البورصة محمد عمران إنه تم منح البنك مهلة 6 أشهر من تاريخ القيد المبدئي لاستكمال إجراءات الطرح، مع الالتزام بالقواعد المنظمة. فيما يقول الخبير الاقتصادي وائل أمين إنه لا داعي لطرح البنوك الحكومية الناجحة في البورصة خاصة أن القطاع المصرفي حيوي ويحقق أرباحا هائلة للاقتصاد المصري ويقدم دعما كبيرا للاقتصاد من خلال مساهمته في المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات العقارية. وأضاف أن ما أعلنته الحكومة عن أن طرح الشركات الحكومية سيستغرق فترة زمنية تتراوح ما بين 3 و5 سنوات، وأن القطاعات التي ستطرح جزئيا في البورصة هي في مجالات مثل الطاقة والبترول والقطاع المصرفي ويجب إعادة النظر في هذا الأمر، لأن القطاع المصرفي وقطاع البترول من أفضل القطاعات أداءً في الاقتصاد المصري، وبالتالي عملية الطرح لن يكون لها جدوي. وأشار إلي أن قرار الحكومة بطرح بنك القاهرة في البورصة يعدُّ البداية لطرح مزيد من البنوك الحكومية في البورصة خلال الفترة القادمة، ويجب إعادة النظر في القرارات الأخيرة التي تتعلق بالخصخصة، بالإضافة إلي ضرورة اختيار خبراء اقتصاديين يساهمون في صنع القرار الاقتصادي الصحيح. وأكد أن مثل هذا القرار سيضر بمصلحة البنك لأنه قد يؤدي إلي قيام بعض المودعين بسحب ودائعهم من البنك خوفا علي أموالهم، خاصة أن هناك كثيرا من المصريين لديهم اعتقاد خاطئ عن البورصة ويفضلون الابتعاد عن الاستثمار فيها. وكان آخر طرح عام أولي لشركات حكومية في البورصة في عام 2005 حينما تم طرح أسهم المصرية للاتصالات وأموك وسيدي كرير للبتروكيماويات، ويبلغ رأسمال بنك القاهرة 2.25 مليار جنيه (119.05 مليون دولار) موزعا علي 562.5 مليون سهم بقيمة اسمية 4 جنيهات للسهم، ويصل عدد الشركات المقيدة في سوق الأسهم المصرية إلي نحو 270 شركة. في السياق، يقول الخبير الاقتصادي محمود عبدالشافي إن عملية طرح بنوك حكومية في البورصة أمر مطبق في كل بورصات العالم، لكن الهدف من الطرح هو زيادة رأس المال أو قيام البنوك بتوسعات تحتاج إلي تمويل من خلال البورصة، لكن الطرح لا يتم للبنوك الرابحة التي تدعم الاقتصاد وتساهم في عدد كبير من المشروعات القومية. وأكد أن هناك مخاوف واسعة من التوسع في عملية الخصخصة لسد عجز الموازنة العامة للدولة، مشيرا إلي أن ذلك لا يجب أن يأتي علي حساب القطاع المصرفي والبنوك ذات الملاءة المالية القوية، مشيرا إلي ضرورة العمل علي مراجعة القرارات الخاطئة التي تضر بمصلحة الاقتصاد ولا تحقق له نفعا سوي الإضرار بمصلحة البنك. وأشار إلي أن هناك مخاوف كبيرة في الوسط الاقتصادي من التوسع في خصخصة الشركات الحكومية والبنوك لأن سياسة الخصخصة قد عانينا منها خلال الفترة الماضية في الحكومات السابقة، ويجب التوقف عن هذه السياسة التي أضرت بالاقتصاد كثيرا. وأكد أن سياسة الحكومة لعرض شركات وبنوك حكومية للبيع بشكل جزئي بهدف الإصلاح الاقتصادي خاطئة ويجب إعادة النظر فيها مرة أخري. في حين قال الخبير الاقتصادي محمد سعيد، إنه يري أن سياسات القطاع المصرفي لابد من إعادة النظر فيها مرة أخري ولابد من العمل علي إيقاف سياسة الخصخصة التي عانينا منها. وأكد أن الطرح لابد أن يكون للشركات الخاسرة وليس الرابحة، مشيرا إلي أن الطرح بالبورصة سيضر بالبنك ولن يحقق النفع له لأن سيكون هناك مخاوف لدي المودعين من عملية الطرح في البورصة. وأشار إلي أن سياسة الخصخصة ستضر بطريق الإصلاح الاقتصادي، لذلك أدعو الحكومة للتروي في اتخاذ قرارتها. وأكد أن قرار طرح بنك القاهرة في البورصة يأتي في إطار المسار الذي تقوم الحكومة بتنفيذه لتطبيق شروط قرض صندوق النقد الدولي، الذي بدأته الحكومة بإجراءات اقتصادية بتحرير سعر الصرف »تعويم الجنيه»، ضريبة القيمة المضافة، قانون الخدمة المدنية، إجراءات للتقشف المالي، رفع أسعار الوقود والكهرباء، وكان الصندوق قد وافق علي إقراض مصر 12 مليار دولار علي مدار 3 سنوات، وحصلت البلاد علي الشريحة الأولي بقيمة 2.75 مليار دولار. وأوضح أن آخر عملية بيع من قبل الحكومة لأحد البنوك التي تملكها كان في أكتوبر عام 2006 عندما باعت الحكومة 80٪ من بنك الإسكندرية لبنك أنتيسا سان باولو الإيطالي مقابل 1.6 مليار دولار. وأشار إلي أن بنك مصر قد سبق أن استحوذ علي بنك القاهرة في مايو 2007 في صفقة كبري أثارت جدلا واسعا، خاصة مع تعثر بنك القاهرة وطرح فكرة بيعه لأحد البنوك الأجنبية، وفي مايو 2010 قام بنك مصر بتأسيس شركة مصر المالية للاستثمارات، لتصبح ذراعا استثمارية للبنك، بنسبة مساهمة 99.99٪، فيما أعلن بنك مصر في ذلك التوقيت نقل ملكية بنك القاهرة إلي شركة مصر للاستثمارات المالية.