الديمقراطية أحد أهم نظم الحكم.. لكن لها ثمن هل نحن علي شفا حفرة.. هل نحن مع بداية حرب أهلية.. أم أننا أمام نفق مظلم لانري له نهاية؟ كل هذه التساؤلات المتشائمة والمخاوف المرعبة راودت فكر كل أبناء المحروسة خلال الأيام القليلة الماضية بمختلف طبقاتهم وتوجهاتهم من علماء ومثقفين ومفكرين ومحللين في الشئون السياسية والاستراتيجية بل والمواطنين البسطاء الذين علي مستقبل بلدهم والذين يأملون في مستقبل مشرق مليء بالأمل. إن إطلاق أصوات وحمل لافتات تقلل بل وتهاجم دور وتوجهات المجلس الأعلي للقوات المسلحة وتشكك في صدق نواياه وتحمله وزر ما يحدث من تداعيات مؤسفة علي الساحة السياسية والاجتماعية بهدف الوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة هو أمر مؤلم للغاية.. كما أن الادعاء بأن هناك فرقا بين القوات المسلحة درع الوطن المتين وحامي حمي ثورته وبين المجلس الأعلي الذي يعتبر من وجهة نظرهم المسئول عن إدارة شئون البلاد في المرحلة الانتقالية الراهنة ومن ثم أصبح مسموحا ومتاحا لكل صاحب رأي أو فكر أو غرض ما أن يوجه له انتقادات حادة تصل في بعض الأحيان إلي حد التجريح والإهانة وهو مالا يمكن السماح به حفاظا علي وحدة وتماسك الشعب والجيش الذي حمي ثورة 52 يناير واحتضنها منذ اللحظة الأولي لاندلاعها.. كما أن هذه الانتقادات تتعارض مع أخلاقيات الشعب المصري وتبعد كثيرا عن أصول الحوار الديمقراطي الراقي الذي نسعي جميعا إلي إرساء قواعده انطلاقا من الثورة ومبادئها السامية.. ثم ما شاهدناه وللأسف الشديد من مجموعات غير مسئولة ومتشنجة من أولئك الذين كانوا يعتصمون في ميدان التحرير وهم يتوجهون في مسيرة دعت إليها وقادتها حركة 6 إبريل كما ذكر بيان المجلس الأعلي متوجهة إلي قيادة الجيش المصري في منطقة كوبري القبة حيث تصدت لها قوة من الجيش في ميدان العباسية لمنع وصولها إلي القبة حماية لهؤلاء الشباب المغرر بهم وحتي يمكن تفادي مالا يحمد عقباه إذا ما وصلت هذه المسيرة إلي قيادة الجيش التي هي بكل تأكيد »خط أحمر« لا يمكن تخطيه أو المساس به حماية لأمن واستقرار الوطن بل وحماية للثورة نفسها وضمان نجاحها وماحدث في العباسية حدث مثله للأسف الشديد في الإسكندرية والسويس وقنا وهو مالا يرجوه ولا يقبله عاقل أو وطني مخلص في هذا البلد ولا شباب الثورة أنفسهم الشرفاء الأوفياء لوطنهم ولجيشهم الذي حمي ثورتهم وساندها ومازال يساندها ويذود عنها حتي هذه اللحظات بل وأعلن أكثر من مرة أنه لا يرغب في البقاء في الحكم ويسعي إلي تسليم السلطة إلي الشعب بعد إقامة مؤسساته الدستورية والنيابية والتنفيذية في أقرب وقت. وفي الوقت الذي يعجز فيه الثوار بمختلف تياراتهم الفكرية وائتلافاتهم التي بلغ عددها أكثر من مائة ائتلاف بعضها لايصل عدد أعضائه عدد أصابع اليدين من توحيد صفوفهم وبلورة أفكارهم والانضمام تحت لواء واحد يجمعهم جميعا وتشكيل مجلس قيادة ثورة يتحدث باسمهم في كافة المحافل وأمام كل الجهات المسئولة والرسمية .. مجلس يعطيهم قوة أكبر ومصداقية وثقة في قدراتهم الفكرية والعملية نجدهم يتشددون في مطالبهم وفي مقدمتها القصاص لدم الشهداء وسرعة محاكمة رموز النظام السابق ورعاية أسر الشهداء وعلي أن يتم تنفيذ مطالبهم فورا وإلا اتهموا المجلس الأعلي ومجلس الوزراء بالتقاعس والتباطؤ في تنفيذ مطالب الثورة. ولقد لوحظ يوم الجمعة الماضي 02/7 انخفاض عدد المشاركين في ميدان التحرير بشكل واضح حيث قدرت صحيفة اليوم السابع عددهم بثلاثة آلاف فقط وهو ما يخشي أن يكون ذلك مؤشرا علي انخفاض جذوة شعلة الثورة وتشرذم صفوفها وخاصة بعد خروج مظاهرات موازية علي الساحة السياسية في ميداني روكسي ومصطفي محمود وتأييدهما المطلق للمجلس الأعلي ودعوتهم للاستقرار وإعطاء الفرصة لحكومة د.شرف الجديدة لترتيب أوضاعها وتحديد سياساتها واستراتيجيتها في مختلف المجالات من أجل دفع عجلة الإنتاج دعما للاقتصاد القومي المصري ولتحقيق اثنين من أهم أهداف الثورة وهما تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع مستوي معيشة المواطن من خلال زيادة الأجور والمعاشات وتوفير فرص عمل للشباب ولعل مازاد من مخاوف الناس التصريحات التي أدلي بها بعض رموز التيار السلفي وانتقاداتهم العنيفة للمتظاهرين في ميدان التحرير واتهامه لهم بخيانة الوطن وأنهم سيتوجهون إلي الميدان لتنظيفه حسب قولهم من الجالسين فيه وهو مايمكن أن يهدد بوقوع كارثة حقيقية والديمقراطية التي افتقدناها علي مدي الستين عاما الماضية والتي هي أيضا أحد أهم مباديء الثورة تعني حكم الأغلبية وتبادل السلطة سلميا واحترام الرأي والرأي الآخر كما أنها أمل الشعب في أن يحيا حياة حرة وكريمة في إطار الدستور وسيادة القانون.. وتعد الديمقراطية أعظم وأرقي النظم السياسية في عالمنا المعاصر إلا أنها تحتاج إلي جهد فكري ووعي سياسي.. وحيث أننا اخترناها نظاما سياسيا لحياتنا المستقبلية مثل العديد من دول العالم المتقدم فإنه ينبغي علينا جميعا الالتزام تماما بقواعدها ونظمها وعدم الخروج عليها حفاظا علي الشرعية وحتي نؤكد للعالم أجمع الذي أبدي انبهاره بالثورة وشعاراتها أننا بالفعل شعب متحضر يسعي لإقامة دولة عصرية تحقق أهداف الجماهير التي ساندت الثورة منذ قيامها في حياة حرة وكريمة. والغريب أنه عندما بدأ د.شرف في مشاوراته لإعادة تشكيل حكومته كانت هناك أيضا عدة ائتلافات أخري في ميدان التحرير تقوم بتشكيل حكومات موازية بل وصل الأمر بزعيم أحد الائتلافات بتنصيب نفسه رئيسا للوزراء ورئيس ائتلاف آخر نائبا له.. وعندما أعلن د.شرف تشكيل حكومته الجديدة بدأت حرب شعواء من كل هذه الائتلافات وزعمائها علي د.شرف وحكومته بل والمجلس العسكري إذ كيف يشكلون الحكومة الجديدة دون استشارتهم.. وأيا كان الائتلاف الذي سيتم استشارته أو الأخذ برأيه فإن ذلك لم يكن ليمنع الائتلافات الأخري من صب جام غضبها علي المجلس الأعلي وحكومة شرف واتهامهم بأوصاف كثيرة غير لائقة ولا مقبولة وهو ماحدث بالفعل وعندما انطلقت المظاهرة من ميدان التحرير إلي مقر وزارة الدفاع في القبة اتهم المجلس الأعلي حركة 6 إبريل بمحاولة الوقيعة بين الشعب والجيش وبادرت الحركة بنفي هذا الاتهام وعدم مسئوليتها عن المسيرة وكان د.أيمن عقيل مدير مؤسسة ماعت للسلام وحقوق الإنسان قد أكد في برنامج 09 دقيقة أمام مذيعة البرنامج الزميلة ريهام السهلي أن هناك عددا من حركة 6 إبريل وحركات المجتمع المدني والائتلافات في ميدان التحرير قد شاركوا في عدد من الندوات والبرامج التثقيفية التي نظمتها المؤسسة بالتعاون مع هيئة المعونة الأمريكية وبعض المنظمات الأوروبية في قبرص وأمريكا وألمانيا وفرنسا حول أسلوب تطوير الأنشطة التنموية والخدمية والتوعية السياسية وذلك طبقا للقانون رقم 48 لسنة 2002 وبالتعاون مع مكتب التعاون الدولي بالخارجية المصرية. ولقد تعجبت كثيرا عندما أنكرت حركة 6 إبريل مشاركة أعضائها في مثل هذه الندوات والمؤتمرات وكأن الديمقراطية والحرية حكر علي الدول المتقدمة وكأن العالم لم يعد قرية صغيرة.. علما بأننا نسعي بكل جهد للتعاون مع مختلف دول العالم في جميع الميادين العلمية والثقافية والفكرية ونبعث بشبابنا للاستزادة من العلم والخبرة في مختلف الجامعات ومراكز البحوث العلمية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا واليابان. [email protected]