في غربتها انفجرت ثورة كل المصريين.. أياما وليالي طالت وهي تنام وتصحو علي كوابيس تفزعها وتؤنبها.. حتي تمنت لو تحملت الفساد والظلم والفوضي ولم يهزمها الغضب وتقرر الرحيل.. حلم اليقظة الوحيد الذي لازمها وصبرها علي غربتها، هو صورتها القادمة قريبا في قلب ميدان التحرير، تلون وجهها بعلم مصر كأيام براءة أفراح ماتشات الكرة، تذوب وسط الجموع تشجيعا لمصر وزهوا بمصريتها .. ولكنها غدا ستنادي وتهتف "حرية، كرامة، عدل".. ولن تترك الميدان إلا وعلم النصر مرفوعا وسط طبول زفة النهاية.. ظلت مسجونة في غربتها تطارد كل الإذاعات والفضائيات ومواقع الكمبيوتر، تصطاد أدق التفاصيل في كل صورة وخبر، لتطمئن علي سلامة كل ركن في البيت، وكل طوبة في الشارع، وعلي سلامة أبواب المدرسة.. لدهشتها تتدفق عليها، وتغمرها في وحدتها، ذكريات أماكن وأشخاص ماكانت تتصور أنها كامنة في ذاكرتها، وأنها عزيزة عليها.. تتذكر كل الروائح والملامح الخاصة بالبشر، وكل شبر عبرت عليه أقدامها.. وكل جدار مر أمامها في طريقها من الحضانة الي الجامعة الي العمل، وحتي لحظة صعودها الطائرة بحثا عن.. عن ماذا؟.. عادت تحاسب نفسها، ماذا أرادت !.. حياة أكثر سهولة وعدلا وأمانا!.. هذا حقها وقد حققته وتعيشه فعلا.. هي الآن إنسانة حرة الإرادة، والفكر، والسلوك والمظهر.. هي جزء من منظومة مجتمع متحضر، مستقر آمن، عادل، نظيف .. تنام وتصحو وتعمل في حماية قوة القانون واحترام حق وآدمية الإنسان دون النظر لعقيدته أو لونه أو جنسيته .. لكن قلبها يرتجف، وعقلها يجادلها وضميرها يؤنبها لأنها اختارت الهروب حلا فرديا أنانيا، ونزعت نفسها من دفء وطنها.. وعادت . رأت مظاهر الثورة واضحة في الشارع.. شباب يلونون الأشجار والأرصفة بعلم مصر.. أغاني ثورة.. جنازات شهداء وهتافات واعتصامات لمحاكمة قتلة إما مجهولين أومأجورين أو هاربين أو بلا شهود.. الأخبار عقيمة ومكررة عن محاكمات هزلية كالمسابقات الرمضانية.. أغلبها ينذر ببراءة القتلة!!.. والإعلام يحشد وجوها وأفواها تهرتل وتتشاحن وتتنابذ.. تتفق مرة وتسحق بعضها مرات.. لم تكن تعرف أن الدين الواحد يحمل كل هذه الانقسامات والتفسيرات.. وأن الأديان مسلحة بالتهديدات.. والحصيلة.. صداع وقولون عصبي ومزيد من التوهان.. أغلقت آذانها وعقلها وتركت لمشاعرها القياد لتمنع نفسها من الهروب أطول وقت ممكن، حتي لا يكويها الندم من جديد.. وبعد شهرين اكتشفت أنها لم تنزل للميدان.. جمعت مشاعرها وحقائبها وقررت العودة للهروب.. لماذا؟.. لأنها ببساطة شديدة تريد أن تحيا حياة كريمة. استمعت إليها ولم أقاطعها.. قالت أريد أن أسير في شارع يحكمه القانون.. وأشتري طعاما علي الأقل غير فاسد.. وأنام باطمئنان لأن دخلي الشهري من عملي يضمن لي تكلفة علاج آمن لو مرضت.. وتعليم غير متخلف لأولادي.. باختصار أريد أن أعيش حياة كريمة. هربت نفسيا لكنها لا تزال عالقة، حقائبها خلف الباب.. لم تذهب ولا مرة إلي ميدان التحرير.. تتجنب متابعة تفاصيل الأخبار.. لكنها تسأل في صمت وباستمرار .. متي يتفق المتناحرون علي خريطة المستقبل؟.. ومن يقود الوطن الآن .. والي أين ؟ ❊❊❊ السيد الفاضل وزير التعليم.. والسادة الكرام مستشارو الوزير، وأعضاء لجان التطوير والتعديل والتجميل ..نحتاج بشدة إلي أي بارقة أمل .. لأننا تعبنا جدا .. لذلك أسألكم .. من فضلكم، ممكن تبدأون وضع خطة عملية لإنقاذ أولادنا وأحفادنا من أسلوب التعليم المتخلف .. أرجوكم ابدأوا بالممكن تنفيذه .. وهما أمران .. أولا مرحلة الحضانة، وثانيا أسلوب الامتحانات .. مطلوب الغاء الكتب الدراسية من مرحلة الحضانة .. والاقتصار علي التعليم بالمرح .. يعني التعليم بالموسيقي والغناء والرسم والزرع.. الموسيقي هي تعليم وتدريب للأذن والمشاعر علي التناغم والتناسق والنظام.. والرسم يدعم ماسبق ويضيف تحفيز الخيال والإبداع والابتكار، ويشحن مناطق التذوق ويرقي بالأخلاق ويسمو بالسلوك .. والغناء يحرر الروح.. يأسر الخوف ويطلق شجاعة إعلان الرأي، وما يحتمه من تدريب العقل علي التفكير السليم قبل اتخاذ أي قرار، ثم شجاعة تحمل نتائج القرار .. وفي الزرع ممارسة عملية لقيمة الزرع والحصاد .. العمل .. الأسباب والنتائج .. التلاحم بالطبيعة وإدراك كنوزها، مع التعرف علي إمكانيات الطالب وملكاته وحواسه والفهم البسيط لمعني الحياة، ومعجزة الخلق والخالق في نظام الكون، ودور كل إنسان في الحياة .. بعدها في المرحلة الابتدائية تبدأ الدراسة النظرية الممنهجة .. وثانيا إلغاء أسلوب ومفهوم ومعايير امتحانات التلامذة في كل المراحل .. لأننا نريد نموا عقليا ونفسيا لأطفالنا وشبابنا، ولا نريد قطعانا من الغنم يتسابقون علي المراكز الأولي في الثانوية العامة، لمضاعفة جيش العاطلين من الموهبة ،المنقادين بسهولة لأي تيار يهدم ولا يبني .. نريد البدء وفورا في خطط انقاذ الوطن .. وإعادة بناء الإنسان المصري الحر، المبدع، القادر علي إعادة أمجادها، والتمتع بخيراتها .. والذي لا يقبل إلا أن يعيش حياة كريمة.. حياة كريمة داخل وطنه، شارك في صنعها، وقادر علي حمايتها ... وأعتقد أن تعيين مساعد شاب لكل وزير هو بداية التخطيط السليم للحياة الكريمة .