تهنئة المسيحيين سؤال: ما حكم تهنئة المسيحيين بمناسبة أعيادهم؟ الفتوي: لقد خلق الله الإنسان علي اختلاف ملله وأشكاله وأجناسه من أبٍ واحد وأم واحدة "إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ"، كما جاء في "مسند الإمام أحمد" في خطبة الوداع قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَي عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَي عَرَبِيٍّ وَلَا أَحْمَرَ عَلَي أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَي أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَي، أَبَلَّغْتُ؟"، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وآله وسلم. ولم يفرق المولي عز وجل في الخلق ولا في الرزق بين مسلم وغير مسلم...كما أن الرسالات السماوية كلها تدعو إلي هدف واحد، وهو توحيد الله وعبادته، وترجو نتيجة واحدة هي الفوز بالجنة في الدار الآخرة، وإن اختلفوا في الأسلوب والطريقة الموصلة إلي ذلك، ومن المقرر شرعًا أن الإسلام لم يمنعنا من مجالسة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن.. وأن نأكل من طعامهم وشرابهم، بل أكثر من ذلك أباح لنا الزواج منهم... ومن غير المعقول أن يتزوج المسلم بامرأة من أهل الكتاب، ويطلب عندها المودة والرحمة، وتهنئه في عيده ولا يرد التهنئة في عيدها. وقَبِل النبي صلي الله عليه وآله وسلم الهدية من غير المسلمين، وزار مرضاهم، وعاملهم، واستعان بهم في سلمه وحربه، حيث لم يحس منهم كيدًا، كل ذلك في ضوء تسامح المسلمين مع مخالفيهم في الاعتقاد، ولم يكن هذا التسامح نابعًا من اجتهادات فردية أو مآرب شخصية أو أمزجة نفسية، وإنما هي تعاليم ملزمة من الله سبحانه وتعالي ينال منفذها الثواب ويلحق مخالفها العقاب...ولقد أوجب الإسلام علي أتباعه إذا عاش بينهم أهل الديانات الأخري أن يكون لهم ما للمسلمين، وعليهم ما علي المسلمين من حقوق وواجبات. وما جاء في الفتوي من أن تهنئتهم تعتبر تشبهًا بهم، وموافقتهم علي ما هو من شعائرهم، فالتشبه إنما يكون في أشياء أخري غير هذا؛ مثل: المأكل والملبس وطرق الحياة المختلفة التي نهانا عنها الإسلام، فالمنهي عنه شرعًا موافقتهم في أفعالهم واعتقاداتهم والتشبه بهم فيما نهي الإسلام عنه أو خالف شيئًا من ثوابته، وعلي ذلك: فإن دار الإفتاء المصرية تري أنه لا مانع شرعًا من مجاملة غير المسلمين وتهنئتهم أو مواساتهم في أي مناسبة تحل بهم، وأن هذا هو التطبيق الأمثل للإسلام، وليس في ذلك خروج عن الدين، أو فيه نوع من الحرمة كما يري بعض المتشددين، فالدين يُسرٌ لا عُسرٌ. والله سبحانه وتعالي أعلم. مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل. الصلاة في الكنائس السؤال:هل يجوز صلاة المسلمين في الكنائس؟ الفتوي: لعل الصواب جواز الصلاة في الكنيسة إذا دعت الحاجة لذلك، قال ابن قدامة رحمه الله: ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة ، رخص في ذلك الحسن، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وروي أيضاً عن عمر، وأبي موسي، وكره ابن عباس ومالك الصلاة في الكنائس من أجل الصور، ولنا أن النبي صلي الله عليه وسلم صلي في الكعبة وفيها صور، ثم هي داخلة في قوله عليه الصلاة والسلام: "فأينما أدركتَ الصلاة فصل فإنه مسجد". وقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه قوله: في باب الصلاة في البيعة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة، إلا بيعة فيها تماثيل، وهذا الخلاف في الصلاة في الكنيسة لا يجري علي الصلاة في الغرفة المذكورة إن كانت غير مختصة بتلك الديانات، لكننا ننصح المسلمين في تلك البلاد أن يبذلوا أقصي الجهود في توفير المصليات، والمساجد، لأن الصلاة في الكنائس، وإن كانت تصح، إلا أن الجواز مختلف فيه، ويكون عند الحاجة، لاعلي سبيل التوسع. دار الإفتاء المصرية عزاء غير المسلم السؤال: هل يجوز تقديم العزاء في غير المسلم؟ الفتوي: شرع الإسلام أحكامًا كثيرة تدل علي رسالته في التعايش ونبذ التفرق، ومن صور التشريعات التي تؤكد مبدأ التعايش مع الآخر في الإسلام ما شرعه من التعزية في غير المسلم ومواساة أهله وحثهم علي الصبر، وللفقهاء تفصيل في حكم التعزية من حيث المُعزَّي والمُعزَّي فيه، ففي تعزية غير المسلم بغير المسلم يري جمهور الفقهاء أنها جائزة، وعلي ذلك الحنفية والشافعية، وهو قول لمالك، وإحدي روايات المذهب الحنبلي، ومدرك هذا الرأي أن تعزية غير المسلمين تدخل في عموم البر الوارد في قوله تعالي: }لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ (الممتحنة: 88)، كما يصح قياس التعزية علي زيارة المرضي؛ فقد كان صلي الله عليه وسلم يزور مرضي غير المسلمين كما في حديث أنس رضي الله عنه، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلي الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي يعوده... والجامع بين التعزية والزيارة المواساةُ والتخفيف عنه في المصاب، لكنهم مع الجواز اشترطوا أن يتخيَّر المعزِّي من ألفاظ التعزية لأهل الميت ما يناسب حالهم، كحثهم علي الصبر وتذكيرهم بأن هذه سنة الله في خلقه، بأن يقول: عوَّضكم الله خيرًا، أو أخلفكم خيرًا ونحو ذلك. ونري ترجيح رأي الجمهور لقوة ما استدلوا به، أما ما استدل به مَن حرم التعزية بأنها من قبيل المودة فغير صحيح، بل هي من قبيل البِرِّ المأمور به في الآية السابقة.. فعلي ما ذكر: فيجوز لك تعزية جارك غير المسلم في وفاة عزيز عليه، وعليك انتقاء الألفاظ التي تقولها له، ك "عوَّضك الله خيرًا مما أخذ منك"، أو تذكيره بالصبر والثبات، وعليك أن تنوي بذلك البر وحسن الجوار. والله تعالي أعلم. الاحتفال بميلاد المسيح السؤال: هل يجوز احتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح وتهنئة غيرهم بها؟ الفتوي: المسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالي ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالي علي نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنها من أكبر نِعم الله تعالي علي البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام علي العالمين، وقد أشار الله تعالي إلي ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيي: }وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا{ (مريم: 155)، وقال عن سيدنا عيسي: }والسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا{ (مريم: 33)، وقال تعالي: }سَلَامٌ عَلَي نُوحٍ فِي الْعَالَمِين{ (الصافات: 79)، وقال تعالي: }سَلَامٌ عَلَي إِبْرَاهِيم{، (الصافات: 109). فإذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالي علي إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التي يظهر فيها معني الفرح والشكر لله علي نعمه، وقد احتفل النبي صلي الله عليه وآله وسلم بيوم نجاة سيدنا موسي من فرعون بالصيام؛ فروي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يومًا – يعني: عاشوراء-، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجي الله فيه موسي، وأغرق آل فرعون، فصام موسي شكرًا لله، فقال: "أنا أولي بموسي منهم"، فصامه وأمر بصيامه. فلم يعدَّ هذا الاشتراك في الاحتفال بنجاة سيدنا موسي اشتراكًا في عقائد اليهود المخالفة لعقيدة الإسلام. وبناءً عليه: فاحتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح من حيث هو: أمرٌ مشروعٌ لا حرمة فيه؛ لأنه تعبيرٌ عن الفرح به، كما أن فيه تأسِّيًا بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم القائل في حقه: "أنا أولي الناس بعيسي ابن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبي"، رواه البخاري. والله سبحانه وتعالي أعلم. مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام.