تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    وزير الإسكان يتفقد مشروع مرافق الأراضى الصناعية بمدينة برج العرب الجديدة    روسيا: تحرير بلدة "ألكساندرو كالينوفو" في دونيتسك والقضاء على 205 مسلحين أوكرانيين    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    عدي الدباغ على أعتاب الظهور بقميص الزمالك.. اللاعب يصل القاهرة غداً    تفاصيل القبض على سوزي الأردنية وحبس أم سجدة.. فيديو    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق "بلبيس - السلام" بالشرقية    «تيشيرتات في الجو».. عمرو دياب يفاجئ جمهور حفله: اختراع جديد لأحمد عصام (فيديو)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت 26 مليونا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مبابي: حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    "قول للزمان أرجع يا زمان".. الصفاقسي يمهد لصفقة علي معلول ب "13 ثانية"    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    رئيس جامعة بنها يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري المراكز والوحدات    "قومي حقوق الإنسان": غرفة عمليات إعلامية لمتابعة انتخابات الشيوخ 2025    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    الثقافة تطلق الدورة الخامسة من مهرجان "صيف بلدنا" برأس البر.. صور    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    مشاجرة بين عمال محال تجارية بشرق سوهاج.. والمحافظ يتخذ إجراءات رادعة    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دار الإفتاء ترد على من يحرمون الاحتفال بالمولد النبوى
نشر في صوت البلد يوم 28 - 11 - 2016

أوضحت دار الإفتاء فى فتوى مفصلة لبيان الحكم الشرعى والرد على من يحرم الاحتفال، وكذلك حلوى المولد، وردا على من يحرم الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.
وقالت دار الإفتاء إن المولد النبوى الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشرى جميعه؛ فلقد عبر القرآن الكريم عن وجود النبى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمة للعالمين، وهذه الرحمة لم تكن محدودة؛ فهى تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان؛ بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره ﴿وآخرين منهم لما يلحقوا بهم﴾.
وأضافت ردا على سؤال ما حكم الاحتفال بالمولد النبوى وموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين؟، والاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبى الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم ومحبة النبى صلى الله عليه وآله وسلم أصل من أصول الإيمان.
وصح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»، وقال ابن رجب: محبة النبى صلى الله عليه وآله وسلم من أصول الإيمان، وهى مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليهما محبة شيء من الأمور المحببة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ﴿قل أن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره﴾.
ولما قال عمر للنبى صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، لأنت أحب إلى من كل شىء إلا من نفسى، قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا والذى نفسى بيده؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى، فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «الآن يا عمر» رواه البخارى.
والاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم هو الاحتفاء به، والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم أمر مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فعرف الوجود بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله فى سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته.
وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين ابن الجوزى وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسى، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى.
ونص جماهير العلماء سلفا وخلفا على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، بل ألف فى استحباب ذلك جماعة من العلماء والفقهاء، بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.
إذ المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوى هو تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم وإطعام الطعام صدقة لله، إعلانا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعلانا لفرحنا بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
ويدخل فى ذلك ما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف؛ فإن التهادى أمر مطلوب فى ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته فى وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحبا مندوبا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبا واستحبابا؛ لأن للوسائل أحكام المقاصد، والقول بتحريمه أو المنع منه حينئذ ضرب من التنطع المذموم.
ومما يلتبس على بعضهم دعوى خلو القرون الأولى الفاضلة من أمثال هذه الاحتفالات، ولو سلم هذا -لعمر الحق- فإنه لا يكون مسوغا لمنعها؛ لأنه لا يشك عاقل فى فرحهم رضى الله تعالى عنهم به صلى الله عليه وآله وسلم ولكن للفرح أساليب شتى فى التعبير عنه وإظهاره، ولاحرج فى الأساليب والمسالك؛ لأنها ليست عبادة فى ذاتها، فالفرح به صلى الله عليه وآله وسلم عبادة وأى عبادة، والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلة مباحة، لكل فيها وجهة هو موليها.
وقد ورد فى السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإذنه فيه؛ فعن بريدة الأسلمى رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إنى كنت نذرت أن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن كنت نذرت فاضربى، وإلا فلا» رواه الإمام أحمد والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
فإذا كان الضرب بالدف إعلانا للفرح بقدوم النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الغزو أمرا مشروعا أقره النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالوفاء بنذره، فإن إعلان الفرح بقدومه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا بالدف أو غيره من مظاهر الفرح المباحة فى نفسها أكثر مشروعية وأعظم استحبابا.
وإذا كان الله تعالى يخفف عن أبى لهب وهو من هو كفرا وعنادا ومحاربة لله ورسوله بفرحه بمولد خير البشر بأن يجعله يشرب من نقرة من كفه كل يوم إثنين فى النار؛ لأنه أعتق مولاته ثويبة لما بشرته بميلاده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم،كما جاء فى صحيح البخارى، فما بالكم بجزاء الرب لفرح المؤمنين بميلاده وسطوع نوره على الكون.
وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه الشريفة جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صح أنه كان يصوم يوم الإثنين ويقول: «ذلك يوم ولدت فيه» رواه مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة، فالأولى بالأمة الائتساء به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على منته ومنحته المصطفوية بكل أنواع الشكر، ومنها الإطعام والمديح والاجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك، وكل ماعون ينضح بما فيه.
وقد نقل الصالحى فى ديوانه الحافل فى السيرة النبوية "سبل الهدى والرشاد فى هدى خير العباد" عن بعض صالحى زمانه: "أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى منامه، فشكى إليه أن بعض من ينتسب إلى العلم يقول ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم: من فرح بنا فرحنا به.
وكذلك الحكم فى الاحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين وإحياء ذكراهم بأنواع القرب المختلفة؛ فإن ذلك أمر مرغب فيه شرعا؛ لما فى ذلك من التأسى بهم والسير على طريقهم، وقد ورد الأمر الشرعى بتذكر الأنبياء والصالحين فقال تعالى: ﴿واذكر فى الكتاب إبراهيم﴾، ﴿واذكر فى الكتاب موسى﴾، وهذا الأمر لا يختص بالأنبياء، بل يدخل فيه الصالحون أيضا؛ حيث يقول تعالى: ﴿واذكر فى الكتاب مريم﴾،؛ إذ من المقرر عند المحققين أن مريم عليها السلام صديقة لا نبية، كما ورد الأمر الشرعى أيضا بالتذكير بأيام الله تعالى فى قوله سبحانه: ﴿وذكرهم بأيام الله﴾، ومن أيام الله تعالى أيام الميلاد وأيام النصر؛ ولذلك كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الإثنين من كل أسبوع شكرا لله تعالى على نعمة إيجاده واحتفالا بيوم ميلاده كما سبق فى حديث أبى قتادة الأنصارى فى صحيح مسلم، كما كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه شكرا لله تعالى وفرحا واحتفالا بنجاة سيدنا موسى عليه السلام.
وكرم الله تعالى يوم الولادة فى كتابه وعلى لسان أنبيائه فقال سبحانه: ﴿وسلام عليه يوم ولد﴾، وقال جل شأنه على لسان السيد المسيح عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم: ﴿والسلام على يوم ولدت﴾، وذلك أن يوم الميلاد حصلت فيه نعمة الإيجاد، وهى سبب لحصول كل نعمة تنال الإنسان بعد ذلك، فكان تذكره والتذكير به بابا لشكر نعم الله تعالى على الناس؛ فلا بأس من تحديد أيام معينة يحتفل فيها بذكرى أولياء الله الصالحين، ولا يقدح فى هذه المشروعية ما قد يحدث فى بعض هذه المواسم من أمور محرمة؛ بل تقام هذه المناسبات مع إنكار ما قد يكتنفها من منكرات، وينبه أصحابها إلى مخالفة هذه المنكرات للمقصد الأساس الذى أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة.
أوضحت دار الإفتاء فى فتوى مفصلة لبيان الحكم الشرعى والرد على من يحرم الاحتفال، وكذلك حلوى المولد، وردا على من يحرم الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.
وقالت دار الإفتاء إن المولد النبوى الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشرى جميعه؛ فلقد عبر القرآن الكريم عن وجود النبى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمة للعالمين، وهذه الرحمة لم تكن محدودة؛ فهى تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان؛ بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره ﴿وآخرين منهم لما يلحقوا بهم﴾.
وأضافت ردا على سؤال ما حكم الاحتفال بالمولد النبوى وموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين؟، والاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبى الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم ومحبة النبى صلى الله عليه وآله وسلم أصل من أصول الإيمان.
وصح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»، وقال ابن رجب: محبة النبى صلى الله عليه وآله وسلم من أصول الإيمان، وهى مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليهما محبة شيء من الأمور المحببة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ﴿قل أن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره﴾.
ولما قال عمر للنبى صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، لأنت أحب إلى من كل شىء إلا من نفسى، قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا والذى نفسى بيده؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى، فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «الآن يا عمر» رواه البخارى.
والاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم هو الاحتفاء به، والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم أمر مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فعرف الوجود بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله فى سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته.
وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين ابن الجوزى وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسى، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى.
ونص جماهير العلماء سلفا وخلفا على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، بل ألف فى استحباب ذلك جماعة من العلماء والفقهاء، بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.
إذ المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوى هو تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم وإطعام الطعام صدقة لله، إعلانا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعلانا لفرحنا بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
ويدخل فى ذلك ما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف؛ فإن التهادى أمر مطلوب فى ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته فى وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحبا مندوبا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبا واستحبابا؛ لأن للوسائل أحكام المقاصد، والقول بتحريمه أو المنع منه حينئذ ضرب من التنطع المذموم.
ومما يلتبس على بعضهم دعوى خلو القرون الأولى الفاضلة من أمثال هذه الاحتفالات، ولو سلم هذا -لعمر الحق- فإنه لا يكون مسوغا لمنعها؛ لأنه لا يشك عاقل فى فرحهم رضى الله تعالى عنهم به صلى الله عليه وآله وسلم ولكن للفرح أساليب شتى فى التعبير عنه وإظهاره، ولاحرج فى الأساليب والمسالك؛ لأنها ليست عبادة فى ذاتها، فالفرح به صلى الله عليه وآله وسلم عبادة وأى عبادة، والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلة مباحة، لكل فيها وجهة هو موليها.
وقد ورد فى السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإذنه فيه؛ فعن بريدة الأسلمى رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إنى كنت نذرت أن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن كنت نذرت فاضربى، وإلا فلا» رواه الإمام أحمد والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
فإذا كان الضرب بالدف إعلانا للفرح بقدوم النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الغزو أمرا مشروعا أقره النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالوفاء بنذره، فإن إعلان الفرح بقدومه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا بالدف أو غيره من مظاهر الفرح المباحة فى نفسها أكثر مشروعية وأعظم استحبابا.
وإذا كان الله تعالى يخفف عن أبى لهب وهو من هو كفرا وعنادا ومحاربة لله ورسوله بفرحه بمولد خير البشر بأن يجعله يشرب من نقرة من كفه كل يوم إثنين فى النار؛ لأنه أعتق مولاته ثويبة لما بشرته بميلاده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم،كما جاء فى صحيح البخارى، فما بالكم بجزاء الرب لفرح المؤمنين بميلاده وسطوع نوره على الكون.
وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه الشريفة جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صح أنه كان يصوم يوم الإثنين ويقول: «ذلك يوم ولدت فيه» رواه مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة، فالأولى بالأمة الائتساء به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على منته ومنحته المصطفوية بكل أنواع الشكر، ومنها الإطعام والمديح والاجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك، وكل ماعون ينضح بما فيه.
وقد نقل الصالحى فى ديوانه الحافل فى السيرة النبوية "سبل الهدى والرشاد فى هدى خير العباد" عن بعض صالحى زمانه: "أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى منامه، فشكى إليه أن بعض من ينتسب إلى العلم يقول ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم: من فرح بنا فرحنا به.
وكذلك الحكم فى الاحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين وإحياء ذكراهم بأنواع القرب المختلفة؛ فإن ذلك أمر مرغب فيه شرعا؛ لما فى ذلك من التأسى بهم والسير على طريقهم، وقد ورد الأمر الشرعى بتذكر الأنبياء والصالحين فقال تعالى: ﴿واذكر فى الكتاب إبراهيم﴾، ﴿واذكر فى الكتاب موسى﴾، وهذا الأمر لا يختص بالأنبياء، بل يدخل فيه الصالحون أيضا؛ حيث يقول تعالى: ﴿واذكر فى الكتاب مريم﴾،؛ إذ من المقرر عند المحققين أن مريم عليها السلام صديقة لا نبية، كما ورد الأمر الشرعى أيضا بالتذكير بأيام الله تعالى فى قوله سبحانه: ﴿وذكرهم بأيام الله﴾، ومن أيام الله تعالى أيام الميلاد وأيام النصر؛ ولذلك كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الإثنين من كل أسبوع شكرا لله تعالى على نعمة إيجاده واحتفالا بيوم ميلاده كما سبق فى حديث أبى قتادة الأنصارى فى صحيح مسلم، كما كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه شكرا لله تعالى وفرحا واحتفالا بنجاة سيدنا موسى عليه السلام.
وكرم الله تعالى يوم الولادة فى كتابه وعلى لسان أنبيائه فقال سبحانه: ﴿وسلام عليه يوم ولد﴾، وقال جل شأنه على لسان السيد المسيح عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم: ﴿والسلام على يوم ولدت﴾، وذلك أن يوم الميلاد حصلت فيه نعمة الإيجاد، وهى سبب لحصول كل نعمة تنال الإنسان بعد ذلك، فكان تذكره والتذكير به بابا لشكر نعم الله تعالى على الناس؛ فلا بأس من تحديد أيام معينة يحتفل فيها بذكرى أولياء الله الصالحين، ولا يقدح فى هذه المشروعية ما قد يحدث فى بعض هذه المواسم من أمور محرمة؛ بل تقام هذه المناسبات مع إنكار ما قد يكتنفها من منكرات، وينبه أصحابها إلى مخالفة هذه المنكرات للمقصد الأساس الذى أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.