يسعي دوماً قادة العالم وحكامه إلي مشورة "هنري كيسنجر" ثعلب السياسة الأمريكية، ووزير خارجيتها لإدارتي الرئيسين الجمهوريين "ريتشارد نيكسون" و"جيرالد فورد".. ورغم تركه منصبه منذ ما يقرب من أربعة عقود، ومع وجود تغييرات سياسية واختلاف موازين القوي، إلا أنه يظل أهم السياسيين الذين ظهروا خلال القرن الماضي وشاهدا علي أحداثها والمعاصر لما يحدث اليوم، فهو من لعب دوراً كبيراً في انفتاح أمريكا علي الصين في السبعينيات، كما أنه كبير مهندسي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط إلي جانب عدد من الملفات التي لاتزال مفاتيحها في قبضته. وسط الاضطرابات الراهنة حول العالم خاصة عقب الفوز غير المتوقع للمرشح الجمهوري، »دونالد ترامب» في انتخابات الرئاسة الأمريكية، أجري الصحفي الأمريكي، »جيفري جولدبيرج» من مجلة »ذا اتلانتك»، حواراً مطولاً مع كيسنجر، تناول فيه العديد من القضايا الشائكة في العالم وفي مقدمتها العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالصين. وبدأ جولدبيرج الحوار، عقب إعراب وزير الخارجية السابق عن دهشته بفوز ترامب، بسؤاله عن أكبر المخاوف التي يراها حول الاستقرار العالمي بعد الانتخابات. يري كيسنجر أن دول العالم ستتفاعل مع هذه الصدمة، خاصة بكين التي سيكون لديها استعداد لدراسة خياراتها، إلا أنه أبقي احتمالية إجراء حوارات جديدة وربما سياسات غير متوافقة مع السياسات السابقة لكنها مرتبطة بأهدافها الرئيسية، مستنداً علي ما قاله الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب للشعب »هذه فلسفتي للسياسة الخارجية». فدوما كان ترامب يعلن أن بإمكانه حل المشاكل الاقتصادية بين الصينوالولاياتالمتحدة عن طريق إبرامه لصفقة شاملة، من شأنها أن تعالج العديد من المشاكل الأخري. ولكن من غير المحتمل أن يتمكن، في النهاية، من معالجة مسألة النظام العالمي. وقد وصف الرئيس الصيني »شي جين بينج» الترابط الاقتصادي بين البلدين بأنه القاعدة والدافع الأساسي للعلاقات الثنائية، وعما إذا قام ترامب بشن حرب اقتصادية، فإن ذلك ستكون نتيجته دماراً سيلحق بكلا البلدين. ولذلك فمن الضروري أن تكون الخطوة المقبلة بعد تنصيب الرئيس هي تعيين شخص في الإدارة الأمريكية الجديدة يكون مسؤولاً عن سياستنا تجاه الصين. وأكد الثعلب الأمريكي، أن الملف الصيني من أهم الملفات في السياسة الخارجية الأمريكية التي علي الإدارة الجديدة النظر فيه سريعاً. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتوتر في العلاقات الأمريكية - الصينية في ازدياد وفقاً للمستجدات علي الساحة الدولية، إلا أنه في الآونة الأخيرة بلغت حدة التوتر بين البلدين ذروتها جراء تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية في مقدمتها المناطق المتنازع عليها وخصوصاً بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان ومنطقة التبت، إضافة إلي تحميل بكين الإدارة الأمريكية مسؤولية تأجيج الصراع مع جيرانها سواء في كوريا الشمالية أو إندونيسيا. ويواصل جولدبيرج أسئلته بخصوص مدي أهمية العلاقات الأمريكيةالصينية للأمن القومي الأمريكي، فيقول كيسنجر: إن علاقات واشنطن مع بكين ستشكل النظام العالمي علي المدي الطويل، فهما من أهم الدول في العالم اقتصادياً، إلا أن كليهما يمر بتحولات داخلية غير مسبوقة. كأول خطوة للأمام، يجب أن يسعيا معاً لتطوير فهم إمكانية تحقيق استقرار للعالم من خلال تحرك صيني أمريكي مشترك. وعلي الأقل، يجب أن يوافقا علي الحد من الخلافات بينهما، بالإضافة إلي وضع مشاريع يستطيعان خوضها سوياً. ويوضح كيسنجر أن بلاده كانت محظوظة بما يكفي بألا تتلقي تهديداً بالغزو مع نموها، نظراً لموقعها بين محيطين عظيمين. وكنتيجة لذلك، وضعت الإدارات المتعاقبة سياسة خارجية كسلسلة من التحديات المنفصلة التي يجب علاجها وهم يصعدون علي أقرانهم. فعلي مدي عشرين عاماً، شكلت الولاياتالمتحدة تحالفات ليست دائمة كطريقة لتقليل الخلافات، بقدر تصميم استراتيجية. والآن عليها أن تبتكر استراتيجية قابلة للضبط وفقاً للمتغيرات، كما يجب أن يكون هناك مشاركة دائمة في الشؤون الدولية، واعتمادها سياسة »الباب المفتوح» علي أن تكون الصين جزءاً من ذلك. ويري وزير الخارجية الأسبق أن الصين الآن تسير بخطي واثقة وثابتة وتنتهج استراتيجية تأتي من اعتقادها أن العالم يتحرك باتجاهها، وسوف تسيطر بطريقة أو بأخري، وأن مهمتها الاستراتيجية هو جعل الولاياتالمتحدة هادئة نحوها من حين لآخر. وأضاف كيسنجر أن الرئيس الصيني »جين بينج» وضع هدفين أساسيين للبلاد؛ الأول يتمثل في جعل آسيا حكراً علي الآسيويين والثاني يتمثل في الحرص علي تحويل الأعداء إلي شركاء. وبحسب كيسنجر، يجب علي الولاياتالمتحدة بذل جهود أكبر من أجل تغيير علاقاتها ببكين وتحويلها إلي شراكة بدلاً من التصعيد بين الحين والآخر.